الحق الكذاب إلى وراء الباب

2020.08.17 | 00:00 دمشق

2020-08-13t095748z_1057868715_rc2xci95qkdu_rtrmadp_3_mideast-syria-tycoon.jpg
+A
حجم الخط
-A

عبارة الأسد الأخيرة: "إلحق الكذاب لوراء الباب" أوحت بهذا المقال؛ لأن هذه العملية (ملاحقة الكذّاب)، بالنسبة للسوريين، تحوّلت إلى "ماراثون" بلا نهاية. عبارة الأسد هذه جاءت لتوصيف موقف "أعداء العالم"- كما يقول النمر- وهما بحديث الأسد تركيا وأميركا، تجاه العملية السياسية؛ وتحديداً في سياق تناوله لـ"اللجنة الدستورية". فهم برأيه كذابون في مقاربتها، وهو الصادق والجاد تجاهها.

هذا ليس نفياً أو مرافعة عمّن يستهدفهم الأسد؛ فليذهب إلى الجحيم كل من يستهدف سوريا وأهلها بسوء. ولكن المشكلة في سرديته أنه في الفقرة ذاتها يثبت عدم جديته أو صدقه تجاه العملية ذاتها، عندما يضع لها سقفاً سياسياً، ويصرُّ على إفشالها أو فشلها بوصفها "خزعبلات سياسية"، وأن جهود مَن يستهدفهم لن تثمر إلا في "الأحلام".

 لن ندخل بمسرحية "هبوط الضغط" الفضيحة، والتي تتجاوز مسرحيات "غوبلز"، ولا بعشرات الترّهات المنفصمة عن الواقع السوري المرير

في الكذب والكذّابين، لن ندخل بتفصيلات اختيار المئتين والخمسين كذبة كأعضاء مجلس شعب، وكيف كان التنافس ليس بينهم- كما كان الادعاء في الخطاب "الصادق"- بل بين فروع المخابرات، ومن يدفع أكثر ثمن تلك المقاعد، التي من المفترض أن يكون لها قداسة وصدق. ومن هنا، كان المشهد كمن يحاول استخدام كف يده لإخفاء صوت أخرجه من مؤخرته؛ فلا هو يخفي الصوت، ولا يستطيع إخفاء الرائحة.

 لن ندخل بمسرحية "هبوط الضغط" الفضيحة، والتي تتجاوز مسرحيات "غوبلز"، ولا بعشرات الترّهات المنفصمة عن الواقع السوري المرير؛ ولكن نقول أما آن الأوان لهذا الماراثون الدموي أن ينتهي: ففي قصة كورونا شهدنا تجاهلاً رسمياً وكذباً في أعداد المصابين والضحايا؛ وفي مقاومة الوباء أتحفنا وزير صحة النظام بأن المكافحة تتم عبر توجيهات السيد الرئيس للجيش للخلاص من كل الفيروسات؛ ثم يتبع ذلك صحوة مفاجئة على الكذبة؛ ليتبعه تخيير الرئيس للناس في خطاب سابق بين الموت جوعاً او الموت بالكورونا؛ ثم الازدحام في ما تبقى من مشافٍ بعد التدمير؛ ثم الهلع وراء الخبز والغاز ودوائر الحكومة والمقابر؛ والأخطر من كل ذلك، استخدام الكارثة لتبرير الكارثة التي خلقها نظام الاستبداد في كل مناحي الحياة السورية. فأي مخلوق يستطيع أن يلحق بكذابين كهؤلاء إلى وراء باب أو إلى جحيم محتم؟!

ماذا نقول باللحاق بكذبة داعش والإرهاب، وكيف كانت تُنقل بالباصات من مكان لآخر، وكيف كانت تُسلَّط على جهات غير مطيعة من الأقليات - التي ادعى النظام حمايتها- فهل نسي أهل السويداء أكثر من مئتي ضحية على أيدي تلك الوحوش؟!

ماذا عن المؤامرة الكونية، ومقاومة إسرائيل والصهيونية من خلال استهداف السوريين بالبراميل والكيماوي والتدمير والتهجير ووضع كل نقيصة ارتُكِبَت في سراديب المؤامرة الكونية والمقاومة والعداء لإسرائيل التي لا أبواب ولا قاع لها؟!

في سياق ماراثون "إلحق الكذاب....." ذاته يأتي خطاب "نصرالله" الأخير - عضيد النظام-  والذي أنكر فيه أي علاقة أو دراية أو معرفة له بميناء بيروت.

 ففي  هذه القضية، واضح أنه لا ثابت أو يقيني، بل استنتاجات بدهية؛ فالفاعل( منطقياً الإسرائيلي) الوقح والمجرم، الذي يعرف أنه ما من صالح أحد أن يجرّمه. وهناك المُستَهدَف بالفعل (منطقياً حزب نصرالله) المرغم على الصمت عن ذلك، واللجوء إلى الكذب؛ فلا هو يستطيع البوح والإشارة إلى الفاعل، فيكون مضطراً للرد؛ ولا هو  يستطيع الإعلان عن ملكيته لمادة الجريمة، فيحمل التبعات.

أما العارفون بكل ذلك من المسؤولين اللبنانيين، فلا قدرة لديهم أن يعترفوا بما يعرفون، فيدانون. وحدها إيران الجهة المتسببة بكل ذلك تجد نفسها خارج كل الأقواس؛ فلا أحد يستطيع إثبات مسؤوليتها عن شيء؛ وهي فعلا مسؤولة عن المأساة من ألفها إلى يائها؛ ولكن يشفع لها خبرتها النادرة عالميًا بممارسة الكذب والتقية، التي تعجز أي جهة عن إتقانها كما الملالي. فأي كذّاب ذاك الذي يريد أن يلحقه بشار الأسد لوراء الباب؟!

وبالعودة إلى مَن يرمون الآخر بحجارتهم، وبيوتهم أعشاش عناكب؛ فهناك ما لا يحتاج المرء إلى اللحاق به لوراء الباب كي يكتشف الكذب والتزييف، لأن ذلك يتم بوقاحة وغطرسة وتحدٍ، حيث أصبح جزءاً من السردية وصاحبها يكذب ويكذب- على الطريقة الغوبلزية- حتى يصدّق نفسه. في الجزء الأول نتذكر تصريحات لبثينة شعبان حول "الاقتصاد السوري العفي"، ونتذكر فتْوَتَها حول ضحايا السلاح الكيماوي.

وفي الجزء الثاني حديث النظام عن الحرب على الإرهاب؛ فبقدر ما كرّرت أبواق النظام هذه المقولة، أصبح جزء من السوريين يعتقد أن كل مَن يستهدفهم نظام الأسد إرهابيون، حتى ولو كانوا أطفالًا.

تعب السوريون من لحق الكذابين لوراء الباب أو لداخل منظومتهم الذهنية العفنة؛ تعبوا من منظومة مستبدة لا إنسانية حصرت اهتمام السوريين بتوافه البقاء حتى لو بالذل والمهانة؛ تعبوا من منظومة جعلتهم في الدرك الأسفل من معايير الحياة الآدمية، وهم مَن يستحق وبجدارة أن يكونوا الأرفع والأرقى. لا بد لهذا الكابوس أن يزول، ولهذا الوباء أن ينجلي.