الحروب الهجينة إستراتيجيات تدمير متعدد الأساليب

2022.05.09 | 06:48 دمشق

mag-365-143.jpg
+A
حجم الخط
-A

حقيقة إن العالم الذي نعيش فيه الآن ليس هو عالم القرون الماضية بل أصبح عالمنا ورغما عنا أذكى وأشرس مع اتساع دائرة مخاطره، فالحروب التي تخاض الآن لم تعد مجرد مواجهات واشتباكات وتكتيكات بين جيشين ينتصر فيها الجيش الأقوى عُدَّةً وعدداً، بل تطورت أنواع وأساليب خوض الحروب والصراعات كتطور كل شيء في العالم، فصحيح أن العُنف والقتل والتدمير وشرّ الحروب لم ينته أو يختلف كثيراً عما سبق، لكن شكل هذه الحروب وأسلحتها وطرق خوضها وإدارتها هي من تغيّرت وتطورت كثيرا.

مفهوم الحرب الهجينة

عمليا الحروب التقليدية أصبحت نادرة، والعالم اليوم وفق معايير معينة لا يتقبل أبداً فكرة دخول جيش دولة قوية لاجتياح دولة صغيرة (اجتياح الكويت)، لكن ذلك لا يعني أن الحروب انتهت، بل تطورت وتغير شكلها من مجرد إطلاق الرصاص والصواريخ، إلى العمل الدؤوب على تفتيت الدول وإضعافها من الداخل وهذا ما ظهر للعالم الآن من خلال مفهوم «الحروب الهجينة»، هذه الحروب التي يقودها طرف خارجي لتفتيت دولة ما، دون أن يرسل إليها جيشاً نظامياً صريحاً فهي حرب حقيقية، لكن عبر استخدام سلاح الفتنة والتفرقة والحرب الأهلية والإثنية والطائفية الداخلية بين مواطني تلك الدولة أنفسهم، والعَدُوُّ هنا ما عليه إلا أن يتدخل ويمارس نشاطاته الهدامة عن بُعْد فيها، كإشغال مجتمعات تلك الدولة بالمذاهب وإذكاء العنصرية وترسيخ الطائفية، فتسقط هذه الدولة وتُدمر عمليا من دون أن يطلق عليها عدوها بنفسه طلقة واحدة من داخل أو خارج الحدود!

يعود استخدام مصطلح «الحرب الهجينة» إلى مطلع التسعينيات حيث ظهر ذلك المصطلح لأول مرة في كتاب توماس موكيتيس: «الأساليب البريطانية لمكافحة التمرد في عصر ما بعد الإمبراطورية» في عام 1995. ولاحقا شاع واستخدم هذا المصطلح للإشارة إلى مجموعات متنوعة من الحملات العسكرية والحروب التي يمكن تصنيفها على أنها حرب غير تقليدية بحتة، أو حروب غير نظامية جرت وتستخدم في العديد من ساحات الصراع.

أدوات وأساليب الحروب الهجينة

الحرب الهجينة تشمل كل الأساليب التي يمكن استخدامها للتأثير على الخصم وعلى قدراته الوجودية بجميع صورها وتؤدي به إلى الانهيار السريع. ووفقا لذلك فالحرب الهجينة عبارة عن استراتيجية عسكرية تجمع بين السياسة والدبلوماسية والحروب التقليدية والحروب غير النظامية والحروب الإلكترونية والسيبرانية وغيرها. ويمكن أيضًا أن تستخدم فيها الوسائل النووية والبيولوجية والكيميائية وحرب المعلومات والتضليل والبروبوغاندا الإعلامية والنفسية والعمليات الإرهابية بجميع أشكالها. كما أن هذه الحرب في الأساس تعتبر شكلا من أشكال الحروب غير المتكافئة التي يسعى فيها كل طرف معادٍ للآخر إلى تجنب نقاط القوة في خصمه ومجابهته على أساس ذلك بوسائل وأساليب متعددة أخرى.

الحروب الهجينة وليدة عقدين من التطور

مما لا شك فيه أنّ الحروب التي اندلعت خلال العقدين الأخيرين فوق مسارح العمليات المتعددة وخاصة تلك التي قامت في منطقة الشرق الأوسط وشرق أوروبا والآن تحدث في أوكرانيا، تدلّ على أن الفاعلين الدوليين (روسيا وواشنطن والغرب) يخوضونها لتحقيق أهدافهم ومصالحهم البعيدة بمفهوم وأساليب «الحرب الهجينة» التي تتداخل وتتمازج فيها كل أصناف وطرق وأنماط الحروب المتعارف عليها. فمن استخدام وسائل الصراع والحرب التقليدية المعروفة (دبابات وصواريخ ومدافع وطائرات) إلى وسائل وطرق حروب وقتال العصابات وأعمال الإرهاب ونشر الرعب والخراب إضافة لاستخدام عناصر الحرب الحديثة كالاستغلال الممنهج والموجه لوسائل الإعلام والحرب النفسية والهجمات الإلكترونية والسيبيرانية، وفي كثير من الأحيان نرى أن هناك توازنًا عسكريًا بين المتحاربين من الدول أو (المنظمات والأذرع) ، وهذا ما يطيل أمد الحروب ويرفع من كلفتها المادية والبشرية، كما يحول هذا التوازن دون حسم الحرب لمصلحة أي طرف بشكل سريع  وهذا ما يقودنا إلى استنتاج مفاده أن بعض الحروب «الهجينة» إنما هي حروب بديلة ومركّبَة، تخوضها بعض القوى المتنفذة بواسطة لاعبين أصغر وفي كثير من الأحيان تجري وتخاض بالوكالة، من خلال استغلال الخلافات والتناقضات السياسية وتأجيجها وتخصيب الاختلافات الفكرية والدينية والمذهبية الطائفية والإثنية داخل المكونات المتعددة في مجتمع أو دولة ما كما حدث في العراق وأفغانستان وأوكرانيا وغيرها، للوصول إلى أهداف استراتيجية تحقق مصالح وغايات دول كبرى وتجار الحروب والأزمات. وقد تطول هذه الحروب وتستمر حتى استنزاف أو تدمير جيوش دول ما وصولا لتقسيم وتفتيت مجتمعاتها أو تغيير أنظمتها السياسية وخرائطها الجغرافية أو حتى التوصل إلى تسويات واتفاقات جيواستراتيجية على مستوى الإقليم والعالم تخدم مصالح دول بعينها.

لا شك أنّ الحروب الهجينة، بالنسبة لبعض الدول الكبرى أصبحت بديلا عن الحروب التقليدية التي تُخاض بالوسائل العسكرية الذاتية، وذلك لأنّ كلفتها ونتائجها الوليدة ستكون كارثية ربما عليها وعلى اقتصادها ومصالحها السياسية والجيواستراتيجية في حال خاضتها بصورة علنية ومباشرة. إذا فتلك الدول تتبع وباختصار الاستثمار الإستراتيجي بالحرب والأمن بكلف وأعباء أقل، من خلال إدارة الأزمات والقتال بالآخرين، سواء كانوا من أبناء البلد التي تخاض فيها تلك الحروب أو بالمرتزقة والمتعاقدين مع الشركات الأمنية الخاصة العابرة للحدود، أو حتى من بعض المنظّمات المصنّفة عالميًا على أنها إرهابية.

إن فكرة «الحرب الهجينة» تتعرض باستمرار لتمدد في المفاهيم وبالتالي تبدو إلى حد ما مفهومًا مُشَوَشَاً لبعضهم لكن مع ذلك وللتوضيح فيمكنني أن أبسط المعنى من خلال خمس مقاربات رئيسية لمفهوم «الحرب الهجينة» وجميعها رغم اختلاف وسائلها ولكنها مرتبطة مع ببعضها بعضا بصورة وثيقة:

  1. "الحرب الهجينة" كتوظيف للاندماج التآزري للأسلحة التقليدية والتكتيكات غير النظامية والإرهاب والأنشطة الإجرامية في نفس ساحات المعارك.
  2. "الحرب الهجينة" كاستخدام مشترك للقوات النظامية وغير النظامية تحت قيادة وإدارة موحدة.
  3. "الحرب الهجينة" باعتبارها استخدامًا لمختلف الوسائل العسكرية وغير العسكرية لتهديد وهزيمة العدو.
  4. "الحرب الهجينة" باعتبارها أنشطة ثانوية تتضمن مزيجًا من الوسائل العنيفة وغير العنيفة للوصول إلى المراد.
  5. "الحرب الهجينة" كطريقة لتحقيق أهداف سياسية باستخدام أنشطة تخريبية قد تكون غير عنيفة (التزوير في الانتخابات الهجمات السيبرانية، التضليل.. إلخ).

ختاما.. لا شك أن الجيوش الحديثة في كل الدول العظمى والمتقدمة مع غرف مخابراتها ومراكز بحوثها تتابع دائما وتعمل ليلا ونهارا من أجل مواكبة العصر الحديث بجميع اختراعاته وتطوراته التكنولوجية والتسليحية التي تتحقق وخاصة تلك التي تخدم موضوع الحرب الهجينة وطرق خوضها والتحكم بها وإدارتها، وتنقسم الاهتمامات في هذا المجال وتنصب على محورين أساسيين، الأول هجومي وهو تطوير أساليب الحرب الهجينة والوصول إلى النتائج المرجوة من خوضها واستثمار نتائجها وتحقيق أهدافها وبسرعة، والآخر دفاعي لتفادي أية هجومات هجينة معادية والتصدي لها أو التقليل من تأثيراتها وإفشالها.