icon
التغطية الحية

الحجر الأسود.. النظام السوري يبيع الوعود والخدمات بالقطّارة

2022.01.02 | 05:47 دمشق

27db62d6-4c7f-4cb6-9ff6-eefabc1701ed.jpg
يشتكي سكان سكان الحجر الأسود حرمانهم من العودة فيما يتحدث البعض عن تعقيد الإجراءات
إسطنبول - هاني العبد الله
+A
حجم الخط
-A

بعد ثلاث سنوات ونصف على استعادة النظام السوري السيطرة على مدينة الحجر الأسود جنوبي دمشق، ما زال معظم سكانها محرومين من العودة إلى منازلهم التي هُجّروا منها، ورغم القرارات المتكررة للسماح للأهالي بالعودة وإعادة الخدمات للمدينة، فإن ذلك لم يكن سوى وعود لم تتحقق.

 

زعمت بلدية الحجر الأسود قبل أيام، أنها منحت موافقات لعددٍ من عائلات الحجر الأسود الراغبة بالعودة إلى منازلها، والمباشرة بترميمها.

وأعلن رئيس مجلس المدينة، خالد خميس، أن عدد العائلات التي عادت حتى الآن يتراوح بين 15-25 عائلة، في حين سجّلت 1159 عائلة طلباتٍ للعودة، مدّعياً أن باقي الموافقات ترد تباعاً مع استكمال تجهيز البنى التحتية وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين.

سكان محرومون من العودة

تتبع مدينة الحجر الأسود إدارياً لمحافظة ريف دمشق، وتضم كثيرا من الأحياء أبرزها: تشرين، الثورة، الجزيرة، الأعلاف، المقاسم، الأرناؤوط، شارع الثلاثين، وتعرّضت أغلب تلك الأحياء لقصفٍ عنيف أدى إلى تدمير معظمها.

يقول أبو قتيبة، أحد سكان حي الثورة لموقع "تلفزيون سوريا" إنه "منذ شباط 2019 أعلنت محافظة ريف دمشق والمجلس البلدي، عن فتح باب التسجيل للعودة إلى الحجر الأسود، ورغم تقدمنا بطلباتٍ للحصول على الموافقة الأمنية، فإنها كانت مجرد قراراتٍ شكلية، فمنذ ذلك الوقت حتى الآن لم يُسمح لنا بالعودة".

 

910fa117-317c-4a79-aacf-04283acdddc5.jpg

 

وواصل النظام التلاعب بأهالي الحجر الأسود، عبر الإعلانات المتكررة عن السماح لهم بالعودة إلى بيوتهم التي هُجّروا منها، لكن في الوقت نفسه كان يصطنع العراقيل عند محاولتهم العودة فعلاً.

رئيس بلدية الحجر الأسود أعلن نهاية العام 2020 أن نحو 10 آلاف عائلة ستعود إلى الحجر الأسود، وفي آذار الماضي صدر قرار رسمي عن البلدية يقضي بفتح باب التسجيل لعودة الأهالي، لكن بعد أيام تم إيقاف تسلّم الطلبات، بحجة إعادة تأهيل شبكة الصرف الصحي وبعض البنى التحتية في المنطقة.

 

الأجهزة الأمنية تمنع عودة الأهالي

وعبّر كثير من أهالي أحياء الحجر الأسود عن استيائهم الشديد من تهميشهم وعدم السماح لهم بالعودة، وأشار أبو قتيبة إلى أن "الجواب عن أسئلتنا المتكررة عن موعد العودة إلى منازلنا بأنه "ستعودون حين ننتهي من إزالة الركام وتأهيل البنية التحتية".

وأوضح مصدر من مجلس الحجر الأسود البلدي لموقع "تلفزيون سوريا"، فضل عدم الكشف عن اسمه، أن "هناك تعليمات من الأجهزة الأمنية تقضي بمنع سكان بعض أحياء الحجر الأسود، وعلى رأسها حيّا الجزيرة والأعلاف، من العودة كعقابٍ لهم، بحجة أنهم كانوا يحتضنون تنظيم داعش، الذي كان يوجد بشكلٍ رئيسي في هذين الحيين، وحفر فيهما الكثير من الأنفاق".

 

20d74add-5e57-4a67-a44d-dd7ba8456782.jpg

 

من جانبها، ذكرت شبكة "صوت العاصمة" المحلية، أن أجهزة النظام الأمنية حرمت جميع عائلات الحجر الأسود التي صدرت برقية اعتقال بحق أحد أفرادها من العودة إلى المنطقة، إضافةً إلى حرمان المعتقلين السابقين بقضايا الإرهاب من الموافقة الأمنية.

وأشارت الشبكة إلى أن معظم الموافقات الأمنية الصادرة عن "فرع فلسطين"، تعود لعائلات المتعاونين مع جيش النظام والميليشيات المحلية التابعة لـ "الفرقة الرابعة" و"الأمن العسكري".

 

شروط معقدة للعودة

ويشتكي سكان الحجر الأسود من تعقيد إجراءات العودة، حيث يجب تأمين ما يُثبت الملكية، وتصديقه من المالية ومحكمة الحجر الأسود، فضلاً عن تعبئة استمارة طلب العودة للجهات الأمنية، ودفع كل فواتير المياه والكهرباء قبل العودة.

كما أن شروط العودة تقضي بأن تكون جميع الأوراق حديثة التاريخ، ولا يُقبل عقد ملكية مصدّق أو بيان عائلي من تاريخ قديم، إلى جانب سند الإقامة وصور البطاقات الشخصية.

أحد سكان حي الأعلاف ممن عادوا إلى منازلهم، فضّل عدم ذكر اسمه، قال إنه "يجب السماح للسكان بالعودة للبدء بتنظيف منازلهم وترميمها والجلوس فيها، ويأتي لاحقاً استكمال الأوراق المطلوبة، لا سيما أن ارتفاع أسعار الإيجارات في مدينة دمشق أرهق الأهالي".

وأوضح المصدر "أن أغلب السكان فقدوا أوراقهم الثبوتية خلال النزوح والقصف، لذا يمكن ببساطة للبلدية أن تسأل الجيران أو المختار عنهم، لإثبات ملكيتهم للبيت، بدلاً من جعل الأهالي يعيشون في دوامة البحث عن طرق لإثبات الملكية".

 

6abc78fb-3841-4073-87ca-09fab3754cff.jpg

 

وأشار المصدر إلى أن بعض الأهالي حصلوا على موافقات أمنية، لكن سُمح لهم فقط بتفقّد منازلهم ومن ثم الخروج من المنطقة، وبعضهم الآخر اضطر لدفع مبالغ باهظة للحصول على الموافقة الأمنية والبقاء في منازلهم.

وجاء إصدار الموافقات الأمنية الجديدة بعد جولةٍ أجرتها لجنة خاصة شُكّلت للكشف عن واقع الأبنية في الحجر الأسود، حيث حددت 60 % من منازل المدينة بأنه صالح للترميم، وقدّمت وعوداً للأهالي بإصدار موافقاتٍ أمنية، تتيح لهم العودة إلى منازلهم.

وكانت منطقة خاضعة لسيطرة "الفرقة الرابعة"، إلا أن الأخيرة سحبت عناصرها نهاية شباط الماضي عقب انتهاء المدة المحددة لعقود قتال الميليشيات المحلية التابعة لها في المنطقة، وسلّمت ملفها الأمني بالكامل "للأمن العسكري"، الذي أقام العديد من الحواجز الأمنية داخل وفي محيط الحجر الأسود.

 

خدمات غائبة

ودأب مسؤولو النظام، منذ سيطرته على الحجر الأسود منتصف العام 2018، على إطلاق الوعود عن بدء إعادة الخدمات إلى المدينة، إلا أنه رغم مضي ثلاث سنوات ونصف فإن الواقع الخدمي في المدينة لم يتغير.

السيدة إسراء من أهالي حي تشرين في الحجر الأسود، دخلت إلى المدينة هذا الشهر، لكنها صُدمت بواقع الحياة فيها، موضحة "كنت أتوقع تغيراً ملحوظاً في واقع المدينة الخدمي مقارنةً بما شاهدته حين دخلت قبل عامين".

وأكدت أن "الوضع لم يتغير كثيراً، وما أنجزته البلدية هو إزالة الأنقاض من الشوارع الرئيسية وأمام المؤسسات الحكومية وتمديد كابلات الكهرباء دون أن تصل، وما زال الركام يملأ الشوارع الفرعية والحارات، فضلاً عن مشكلات انقطاع المياه والصرف الصحي".

 

f4eee7d2-2c31-4aa2-9688-abdd06c5fab5.jpg

 

وكان رئيس بلدية الحجر الأسود، أعلن قبل أيام أنه تمت إعادة تأهيل شبكات الكهرباء وترحيل الأنقاض والأتربة بنسبةٍ تراوحت بين 60 - 90 %، إضافةً إلى صيانة جزء كبير من قنوات الصرف الصحي، والتحضير لتأهيل المدارس تمهيداً لعودة الطلاب إليها، إلا أن كثيرا من أهالي المدينة نفوا ذلك.

وقال أبو قتيبة إن "حييّ الثورة والأعلاف، لا سيما في منطقة بستان أبو صياح، غارقة في المستنقعات منذ أكثر من عامين، بسبب مياه الصرف الصحي المتسربة من حي القدم، ورغم الوعود التي تلقيناها من البلدية لحل المشكلة فليس هناك أي تحرّك، وهذا يتسبّب في انتشار الأوبئة، وخلخلة أساسات الأبنية على المدى الطويل".

وأكد أن "كل ما أنجزته البلدية منذ ثلاث سنوات إلى اليوم، هو إزالة الأنقاض والركام من الشوارع الرئيسية فقط".

وتعدّ مدينة الحجر الأسود أكبر تجمع لنازحي الجولان المحتل منذ حرب حزيران 1967، وبعد العام 2011، نزحت أعداد كبيرة من الأهالي إلى محافظة القنيطرة، وسيطرت فصائل المعارضة على المدينة في العام 2012، قبل أن يستولي عليها "تنظيم الدولة" منتصف العام 2015، إلا أن قوات النظام استعادت المدينة في أيار من العام 2018 وهجّرت من تبقى من سكانها.