الحجاب و بابا نويل وروث البقر في الانتخابات البرلمانية الهولندية

2023.11.19 | 06:38 دمشق

[1/3]مزارعون هولنديون يحملون لافتات وأعلام يحتجون على سياسات الحكومة للحد من انبعاثات النيتروجين في لاهاي، هولندا في 11 مارس 2023.
+A
حجم الخط
-A

تولي برامج الأحزاب الهولندية القضايا الكبرى العالمية اهتماماً كبيراً كما هو الحال في الحرب الإسرائيلية على غزة حيث تميل معظم الأحزاب إلى فكرة "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها"، 

أما الأحزاب التي تقف ضد إسرائيل فليست ذات حضور قوي كما هو حال حزب دينك وحزب بيج 1، فيما الأحزاب يسار الوسط كما هو حال تكتل اليسار الأخضر وحزب العمال فتحاول أن تأخذ موقفها ضمن دائرة (ولكن) فيما تقف معظم تلك الأحزاب مع أوكرانيا دون شروط، عدا حزب منصة من أجل الديمقراطية الذي يرى أن أوكرانيا أخذت أكثر مما تستحق، وتتابع تلك الأحزاب مقترحاتها لتناول موضوع الهجرة واللجوء مفصلاً، وتخصص الكثير من وقتها للحديث عن غلاء المعيشة وزيادة الرواتب وتخفيض الضرائب ومشكلة السكن والمزيد من مجانية التعليم والموقف من الانبعاثات الحرارية والمزيد من الرعاية الصحية.

وفي الوقت نفسه وردت الكثير من الأفكار في البرامج الانتخابية والمناظرات واللقاءات التلفزيونية مما يمكن أن يقع في باب الطرائف الانتخابية وفقاً لمن هو من خارج هولندا الذي يراقب البرامج ويتابع التفاصيل، كأن يكون من صلب البرامج الانتخابية إتاحة تذكرة سفر عبر القطارات والقطارات الداخلية محدودة السرعة والشهرية بسعر مخفض للمواطنين وهو 50 يورو أسوة بتجربة ألمانيا، وكذلك أن يفوز حزب انطلق من المطالبة بأن يصبح مرافقو "بابا نويل" حين يصل إلى البلاد قادماً من البحر "وفقاً للسردية الشعبية" ليسوا من أصحاب البشرة السوداء فحسب بل يجب أن يكونوا من الشقر كذلك!

بل إن عدداً من الأحزاب وضعت في برامجها إعادة السرعة على الطرق السريعة إلى 130 كم بالساعة، معرضة جانباً عن المحافظة على المناخ وتقليل انبعاث ثاني أوكسيد الكربون، وهو ما وجد ترحيباً كبيراً لمن لديهم سفر يومي على الطرق السريعة علماً أن أكثر المسافات استعمالاً في هولندا بين مدينتين لا تزيد عن مئتي كيلومتر في بلد مساحته نحو أربعين ألف كم مربع وطول حدوده من كل الجهات نحو ألف كم والمسافة بين أمستردام والحدود البلجيكية 140 كم وأمستردام والحدود الألمانية 170 كم.

المدافعون عن التنمية المستدامة والمناخ يشعرون اليوم بحزن شديد وقد غدوا في ذيل القائمة بعد أن كانوا في مقدمتها في سنوات سابقة وخاصة في حالة حزب الديمقراطي 66 الذي تشير استطلاعات الرأي إلى أنه سيفقد نحو 16 مقعداً، وقد هجره الناخبون نحو أحزاب تضع في أولوياتها حل مشكلة السكن وكذلك رفع الأجور ومتابعة التفاصيل اليومية للمواطنين.

الجانب الديني له حضور كبير في البرامج الانتخابية، فتقليدياً يرى "خيرت فيلدرز" أن هذه ليست هولندا حين يجد أن هناك سبع نساء محجبات على القوائم الانتخابية لأحزاب عريقة من مثل حزب العمال وحزب اليسار وكذلك حزب "دينك" المناهض للعنصرية والرأسمالية، لكن عليه أن يتعايش مع الحالة خاصة أن الثيمات اليمينية التي يعمل عليها تقليدياً باتت تشتغل عليها أحزاب أخرى بلبوسات جديدة، وهو يخشى أن يفقد عدداً من مقاعده، وفي الوقت نفسه يعول على محبي خطابه اليميني الكلاسيكي المكرر: إعادة المغاربة إلى المغرب، ومنع الإسلام والانفصال عن الاتحاد الأوربي...

وحضر الجانب الديني في اللباس كذلك، لتأكيد منع النقاب وهو قرار قد حصل من قبل، علماً أن عدد المنقبات وفقاً لإحصاءات رسمية نحو 300 سيدة، لكن الشرطة ترفض تنفيذ القرار احترماً لإرادة المواطنين. ومن جوانب حضور التدين تمت الإشارة إلى المدارس الدينية سواء أكانت مسيحية أو إسلامية (لا يمكن المقارنة بين عدد كل منهما حيث إن نصف مدارس التعليم الابتدائي تديرها منظمات مسيحية لكن دون إدخال الجانب الديني في المناهج) وعلى الرغم من ذلك فإن مؤسس أحد الأحزاب وممثلها الرئيس جيري باودييه يمتلك مدرسة كاثوليكية في لاهاي، هو الذي تلقى رسالة تضامنية من المؤثر الذكوري المشهور، الذي دخل الإسلام قبل فترة (أندرو تيت) داعياً الشباب الهولنديين إلى انتخابه دون تردد.

وهناك أحزاب مسيحية عدة لها حضور قوي تدعو إلى إعادة تفعيل التعليم الديني، ومنع فتح المحلات يوم الأحد، وكذلك الإبقاء على السماح باللجوء لدوافع دينية فلا يمكن عدم تقديم الطعام والشراب والأمان لمن يحتاجها.

أما الموقف من المثليين بصفتهم أقلية فلم يغب عن البرامج، وحاول حزب منصة من أجل الديمقراطية بقيادة جيري باوديه الوقوف ضد كثير مما حصلوا عليه وتعهد أنه سيمنع الحديث عن الموضوع في المرحلة الابتدائية، وأن هناك مبالغة كبيرة في فكرة "حقوقهم" وأن ذلك تشويه للفطرة البشرية، وأن حجة حقوقهم باتت مدخلاً لخراب اجتماعي كبير، فيما رأت أحزاب أخرى أن حق المثليين فيما يقومون به جزء من فلسفة الفردانية التي تؤسس معظم القوانين الهولندية.

روث الأبقار في هولندا لم يغب عن أي برنامج انتخابي لأنه سؤال رئيس يهم شريحة كبيرة من المواطنين بل إن حزب الفلاحة الهولندي الذي يتوقع أنه سيحصل على عشر مقاعد يبني برنامجه على الموقف من روث الأبقار والانبعاثات الناجمة عنه، حيث إن هناك من يرى من الأحزاب الأخرى أنه يجب أن يتم حل الموضوع سريعاً وتعويض الفلاحين، فيما يرى هذا الحزب أن للفلاحين الحق في تربية الأعداد التي يريدونها وفق ظروفهم أو منحهم تعويضات مجزية.

السيارات الكهربائية هي الأخرى موضع شد وجذب، فدعاة حماية البيئة يرون أنه لا بد من تقديم المزيد من التشجيع والإعفاءات الضريبية ويصرون على أن يكون عام 2030 نهاية استعمال سيارات البنزين، فيما يرى آخرون أنه لا ضرورة لذلك وأن من حق أي مواطن أن يختار ما يريد!

وكلما اقترب موعد الانتخابات البرلمانية الهولندية 22-11-2023 تصبح صورة المرحلة القادمة لمستقبل هولندا الاجتماعي والسياسي أقرب، وقد استقر مشهد الأحزاب الثلاثة الرئيسية التي ستحجز نحو 70 بالمئة من عدد المقاعد البرلمانية وهي الحزب الحاكم حالياً حزب الشعب الديمقراطي وحزب العقد الاجتماعي الحديث وهما حزبان يمينيان ليبراليان، الفرق الرئيس بينهما أن الحزب الحاكم فقد الكثير من مصداقيته نتيجة البطء في التنفيذ والانشغال بالقضايا الخارجية، فيما يركز حزب العقد الاجتماعي الجديد على حلول سريعة ومباشرة لأوجاع المواطنين اليومية.

أما تحالف حزب العمال مع اليسار الأخضر فهو حزب يساري تقليدي، وتشير البرامج الانتخابية إلى صعوبة أن يشكل أي من هذه الأحزاب في حال حصوله على أعلى المقاعد، الحكومة مع الحزب الذي يليه، وغالباً سيلجأ الحزب الفائز من هذه الأحزاب الثلاثة إلى تحالفات مع أحزاب أقل مقاعداً وأقرب إلى برامجها الانتخابية، في انتخابات تلجأ إلى التمثيل النسبي مع ترجيح تفضيلي، يضمن تمثيلاً لكل الهولنديين حيث تكون الانتخابات على المستوى الوطني وليست على مستوى المحافظة أو الدائرة الانتخابية.

حيث يحرص ذلك النظام على تمثيل منصف لكل شرائح الشعب الهولندي وعدم السيطرة المطلقة لأي حزب من الأحزاب مما يؤدي إلى عدم الاستفراد بالحكم من قبل حزب ما فحسب، وهذا لون من ألوان الديمقراطية العميقة التي تتجاوز مفهوم حق الانتخاب والتمثيل المباشر، لتنتقل إلى خطوة أخرى نحو الأمام تضمن التمثيل المنصف لكل شرائح الشعب وعدم الحق في الاستفراد تحت مفهوم الأكثرية والأقلية.

كلمات مفتاحية