الجولاني يستكمل ربع دينه

2020.05.25 | 00:00 دمشق

580_1.jpg
+A
حجم الخط
-A

منذ حوالي شهرين تسرب خبر زواج جديد لقائد هيئة تحرير الشام، أبو محمد الجولاني (أحمد الشرع)، لرابع مرّة على الأقل. وقد شاع أن الزوجة ابنة أحد قياديي جماعته من قرية ترمانين بريف حلب، من فرع من عائلة كوكش هناك كان يقيم في دمشق، قبل أن تدفعه الثورة إلى «النزوح» إلى موطنه الأصلي.

ربما شهدت العاصمة السورية، كذلك، أول زواج للمسؤول العام لجبهة النصرة، حينها، بعد عبوره الحدود والشروع في تأسيس تنظيمه في بلده بعد ثورتها عام 2011. وبخلاف الزيجات اللاحقة، التي تهدف إلى تعزيز التحالفات وبناء مصاهرات داخل الجماعة وبيئتها، يبدو أن هذا الزواج البكر بامرأة من ريف دمشق حدث بدافع شخصي ربما كان من بقايا ذاكرة طالب الإعلام الشاب الذي غادر منزل العائلة عام 2004، متطوعاً لجهاد القوات الأميركية في العراق. وحين قرر، ذات يوم من 2012 أن الوقت قد حان لمصالحة أسرته، وتنبيههم إلى الخطر الذي قد يحيق بهم من جراء استمرارهم بالإقامة في دمشق، وتأمين طريق لهم إلى المناطق المحررة الناشئة؛ فعل الشيء نفسه مع أهل زوجته الذين لم تبدُ عليهم ميول إسلامية خلال الأشهر التي قضوها في ريف إدلب، قبل أن تغادر العائلتان إلى إحدى الدول العربية.

الزواج الأول غامض بما يكفي. لا نعرف عنه إلا أنه منح الجولاني ابنه الأول. وكذلك الزواج الثاني من امرأة من بلدة طعوم بريف إدلب، قيل إنها تمتّ بصلة قرابة للشيخ أبو عبد الله الشامي (عبد الرحيم عطون) الشرعي البارز في الجماعة، وثاني رجلين ظهرا مع الجولاني في تسجيله المصوّر الأول الذي أعلن فيه فك الارتباط مع تنظيم القاعدة وإنهاء جبهة النصرة والعمل باسم جبهة فتح الشام، بالإضافة إلى أبو الفرج المصري (أحمد سلامة مبروك) الذي سيلقى مصرعه بطائرة أميركية دون طيار.

لكن يبدو أن إحدى هاتين الزيجتين انتهت بالطلاق، بخلاف زواج ثالث شهير جمع الجولاني بامرأة من آل بدوي بمدينة بنّش في ريف إدلب، قيل إنها شقيقة المغيرة (قتيبة بدوي) الذي سيصبح أمير قطاع إدلب في هيئة تحرير الشام. بينما يؤكد مطلعون أنها ليست أخته وإن كان الأمر غير بعيد عن ترتيبه على الأرجح. فشقيقات المغيرة أكبر سنّاً، ومتزوجات من قبل، إحداهن أرملة أبو الحسن تفتناز (يونس شعيب)، عضو مجلس شورى جبهة فتح الشام الذي قتلته غارة لقوات التحالف الدولي كذلك.

الزواج الأول غامض بما يكفي. لا نعرف عنه إلا أنه منح الجولاني ابنه الأول. وكذلك الزواج الثاني من امرأة من بلدة طعوم بريف إدلب

لم ينشأ الالتباس من فراغ على كل حال. فالمغيرة، الشهير بأبو حمزة بدوي، من أبرز القادة الموثوقين في الهيئة. ويذكر كثيرون المكالمة المسرّبة بينه وبين نايف، الاسم الكودي للجولاني، حين أفصح أمير إدلب بيسر عن استخفافه بالشرعيين المعتمدين الذين يجب أن يقتصر دورهم، في رأيه، على «الترقيع» وراء القيادة، وأعرب عن نيته اعتقال شخصية رمزية معروفة هي الشيخ عبد الله المحيسني، الذي كان يحاول ثني مقاتلي الهيئة عن تنفيذ أوامر الهيئة باجتثاث أحرار الشام. ورغم الفضيحة المدوية التي أعقبت التسجيل، والقضاء الداخلي الذي حكم بسجن صاحبه لشهر، فإن مكانته لم تتأثر بينما غادر المحيسني التنظيم. أما المغيرة فتولى مهاماً اقتصادية كبيرة ربما تكون أَولى عند قائد الهيئة طالما أنها تشمل المعابر، وقيل إنه كان مؤخراً على رأس من قمعوا المحتجين على فتح معبر تبادل تجاري مع قوات النظام. وفي مسؤولياته هذه استعان أبو حمزة بأخيه أبو حفص بنش (حذيفة)، الذي عيّن مجدداً كذلك، قائداً للواء طلحة بن عبيد الله، أحد ألوية ثلاثة أعلنت الهيئة عن تشكيلها في الشهر الفائت. وإلى جانب أبو حمزة وأبو حفص ظهر شقيقهما الأصغر أبو عمير (مصعب) في معبر باب الهوى، أحد أبرز شرايين ضخ المال للهيئة. بينما يدير الأخ الأكبر، الدكتور معد، مشفى المدينة المعروف باسم «المجمع الطبي الإسلامي في بنش».

الذين أوضحوا أن الزوجة ليست أخت هؤلاء الأشقاء النافذين قالوا إنها من أبناء عمومتهم، وربما كانت أخت أبو جابر بنش، الذي عبر رحلة قلقة من أحرار الشام إلى الهيئة. ففي نيسان 2016 صار أميراً للواء الحسين بن علي، التابع للحركة والعامل في بنش. وفي أيلول من العام ذاته قاد اتحاداً داخلياً بين أربعة ألوية، بموافقة قيادة الجماعة، وضعه على رأس أحد أبرز قواتها، لواء التمكين الوليد، لا سيما أنه ضم لواء أحفاد علي الذي كان بإمرة أحد أشهر عسكريي الحركة، وقتها، أبو صالح الطحان. وأثناء مفاوضات جبهة فتح الشام على التوحد مع باقي الفصائل لتأسيس هيئة تحرير الشام، كان للمنشقين عن الحركة أثر بالغ في تمزيق صفها وتأسيس جيش الأحرار الذي دخل الاندماج، ومن قادته أبو جابر بنش وأبو صالح الطحان وبعض أفراد قوتهما.

الزوجة الرابعة لن تكون أقل أهمية، فهي شقيقة أبو إبراهيم سلامة (عبد الرحمن سلامة)، الأمير المديد للتنظيم في قطاع حلب، منذ أن كان في صيغة جبهة النصرة حتى انتفاء الحاجة إلى هذا القطاع بعد أن سقطت كل المناطق التابعة للمحافظة بيد النظام عقب حملته العسكرية الأخيرة بما فيها عندان، المدينة التي يتحدر منها سلامة في ريف حلب الشمالي، واضطراره إلى تركها ليصير أمير قطاع إدلب الغربي، دون أن يفقد أهميته التي تقوم، كذلك، على تحكمه بثروات ضخمة واستثمارات يدير فريقاً خاصاً لتشغيلها، لصالح الهيئة، في مراكز متعددة من المناطق المحررة.

وفق هذه الخريطة، التي تحتاج إلى استكمال وربما شابتها أخطاء في تفاصيل، يتضح طرف من حركية قائد هيئة تحرير الشام لزراعة نفسه في البنية العائلية التقليدية لمجتمعات الشمال، عبر سلسلة من علاقات النسب التي تؤسِّس ولاء يصعب فصله في القطاعات العسكرية والإدارية والمالية.