الجولاني والأوقاف.. حملات في الإرشاد والزكاة

2019.12.29 | 15:07 دمشق

الجولاني
+A
حجم الخط
-A

لم يخرج الجولاني مرة إلى الإعلام، إلا وكان ذا فائدة جمّة للنظام، وأذى بالغ للسوريين وقضيتهم. في حديثه التشبيحي الهادئ الأخير، قدّم درساً إرشادياً في الشريعة. وفي الوقت ذاته، شنّت وزارة أوقاف النظام التشبيحية حملة اقتصادية بعنوان: {"زكاتك، خفض أسعارك"}؛ فالتقيا في عالم المال والأعمال والاقتصاد والدم، كلٌ بطريقته.

في العودة تاريخياً قليلاً، وتحديداً إلى الأسبوع الأخير من أيار 2013 أجرت شبكة تلفزيونية مقابلة مع الجولاني دون الإفصاح عن وجهه. كتبتُ فيه مقالين: أولهما "ما لم يقله الجولاني اخطر من الذي قاله "، والثاني: "هناك أسئلة لا بد للجولاني أن يجيب عليها". المقالان نُشرا في موقع /كلنا شركاء/ بتاريخ 25 و29 / 12 / 2013. تعرّضا وقتها إلى وابل من النقد الذي وصل إلى حدود التجريح نصرة للجولاني؛ وأتوقع أن مصدر ذلك كان النظام، الذي لم يخدم حملته الدعائية المسعورة أحد أو أي قوة (بأنه يقاتل القاعدة وإرهابها)  بقدر ما خدمه حديث الجولاني، الذي ثبّت للنظام ادعاءته.

أطل الجولاني أيضاً في التاسع والعشرين من أيار 2015، وكرر وثبّت سرديته السابقة. وكتَبْتُ وقتها أنه إذا كان السوريون يبحثون عن أي قشةٍ يتمسكون بها، كي تساعدهم في الخلاص من الاستبداد؛ فلا يمكن أن تكون نجاتهم عن طريق من اتخذ العالم قرارا بمحاربته كإرهاب موصوف؛ فهذا لا ينصر قضية، ولا ينجّي من مصاب. 

الجولاني كان يتحدث عن الأموال وما سمّاه "بعض التجارة والأعمال" ليبرر التحكم المطلق بالمصير المادي حيث تسيطر جبهته

الملفت الإضافي في أحاديثه السابقة، أن الجولاني كان يتحدث عن الأموال وما سمّاه "بعض التجارة والأعمال" ليبرر التحكم المطلق بالمصير المادي حيث تسيطر جبهته، وكأن تلك الأموال تنزل عليه من السماء بقدرة قادر. فاته أنه تماماً كالنظام يتاجر بلقمة عيش السوريين ومصيرهم؛ فهو من يسيطر على المعابر و تجارة الطحين وغيرها.

مؤخراً، خطاب الجولاني تناول ما سمّاه حرب "تحرير واستقلال" أو "حماية أهل السنة". وهنا لا بد من السؤال: هل التحرير والحماية والاستقلال، يتم  بقتال الفصائل أو خنقها؟! أو بالاعتقالات، وعمليات التعذيب للسوريين؟! أم بإطلاق سراح الطيارين رماة البراميل؟! أم بفك المعامل و محطات الكهرباء و سكك الحديد، وبيعها؟!

الملفت الجديد والمستمر في حديثه الأخير هذا - إبّان الهجوم الإجرامي للنظام وروسيا على إدلب - أن الجولاني قدّم درساً في الشريعة خلال حديثه عن (حرب التحرير والاستقلال)؛ ولكن مفردات الحديث كانت اقتصادية ومالية، وفِي البيع والشراء؛ لكن بنكهة شرعية وعضية وجهادية. من يعود إلى حديثه الأخير سيسمع هذه المفردات في سياق شرعي إرشادي ديني: (تطمع/ حساب/ مصانع/ أسواق/مساعدات/ استعادة/ مشاريعه/استيلاء/ عقارات/ ضمان/ثروات/ثرواتنا/خططنا/ ثروات اقتصادية/ثمن/ غالي/ أمانة/ يوفي/ تجارة رابحة/خير وفير/عقد ... الصفقة/ اشترى/ مصافي نفط/ حقول غاز.......)

تواقت هذا النوع من الخطاب مع حملة لوزارة أوقاف النظام بعنوان: (زكاتك خفض أسعارك)؛ ولكن ولوج وزارة الأوقاف في الحديث كان مباشراً وغبياً، على عكس خطاب الجولاني، الذي أتى ذكياً مغلفاً بمضمون ديني وعظي. 

يطالب النظام عبر شبيحة الأوقاف أصحاب الدكاكين وصغار التجار بخفض الأسعار زكاةً، وإلا فإنهم سيُعتَبرون غير وطنيين. يحث أولئك الشبيحة الأوقافيين هؤلاء المتعيّشين المساكين على الزكاة، في وقت يشيح  سيّدهم الطرف عن عناصر واجهاته المالية الذين حوّلهم إلى حيتان مال وأعمال؛ و يقوم بذر الرماد في العيون عبر مسرحية الحجز على أموالهم تملصاً واتقاءً لعقوبات قانون قيصر القادم كالقدر. فهو يمتطي وزارة الأوقاف والقبيسيات ليغيثوه مادياً، وهو الذي كوّن من ثلاثي رجال الدين والأمن وحيتان المال فرّامة لكرامة السوريين وعيشهم. يستنجد بمن هم من المفترض رجال دين؛ وهو الذي هدم دور العبادة؛ وهو الذي رهن مقدرات البلاد للدول؛ وهو الذي يسعى إلى تصدير أزمته متجاهلاً ما يحدث فعلًا ومستمراً بحالة الانفصام عن الواقع.

أليس هناك من يقول له: "زكاتك توقف عن القتل والتدمير والتشريد والارتهان للاحتلال!!"؟! ويقول للوحوش التي تمزق البلد اقتصادياً واجتماعياً وأخلاقياً وانسانياً: "زكاتكم، حلوا عن ظهر سوريا وروحها!!! ويقول للجولاني: "بتَّ مكشوفاً، أيها الأداة الرخيصة المتلبسة بلبوس الدين، والمتخصصة بتوفير الذريعة للروس وإيران ومنظومة الاستبداد كي يذبحوا السوريين؟! فارحل، قاتلك الله!!