الجولاني إذ يغازل المجتمع

2020.06.03 | 00:07 دمشق

thryr_alsham.jpg
+A
حجم الخط
-A

يسخر كثيرون من الإطلالات المتتالية لزعيم هيئة تحرير الشام "أبو محمد الجولاني" مؤخراً، ويتعاملون مع اللقاءات التي دأب على عقدها خلال الشهر الماضي، مع الوجهاء وشيوخ العشائر والفعاليات الاجتماعية في منطقة إدلب، باستخفاف كبير(!!) وبالمقابل ينبري البعض لتخصيص أبحاث ودراسات لهذا النشاط وكأنه لغز يحتاج إلى تفكيك!

الواقع أن الجولاني أثبت منذ ظهوره على الساحة السورية عام ٢٠١٢ حنكة ودهاء كبيرين، إلى جانب أشياء أخرى كثيرة طبعاً، ولو لم يكن له سوى النجاح بتجاوز مخاطر الانفصال عن تنظيمي الدولة عام ٢٠١٣، والقاعدة عام ٢٠١٦ لكان ذلك كافياً لإثبات هذا الدهاء.

يمكن القول إن الجولاني يعرف بشكل جيد كيف يفكر الناس، ولديه مهارة كبيرة في فهم نفسيات البسطاء واستغلال عواطفهم وطموحاتهم، الشخصية والجماعية، ولذلك فقد نجح حتى الآن في الحفاظ على تفوق التنظيم واستمراره رغم كل شيء.

سلفية الجولاني ليست فقط مذهبية، بل هي آلية تفكير وسلوك متكاملة، اعتقد كثير من النخب السورية الثورية والمعارضة أن الزمن تجاوزها، بينما فهم الجولاني حقيقة أنها ما زالت حاضرة في مجتمعنا وتمتلك فاعلية قوية، فاستطاع توظيف هذه المعرفة وتطويرها أيضاً ليحقق ما حققه حتى الآن.

في بداية عملها بحلب، حاولت جبهة النصرة تقديم عدد من عناصرها ينتمون إلى عائلة حلبية عريقة، باعتبارهم هم النصرة في المدينة، كما أطلقت على المتحدث باسم التنظيم اسم عائلة الصباغ الحلبية المعروفة، للظهور بأن النصرة هي بنت المدينة وأهلها، في الوقت الذي كانت تعقد اتفاقات واسعة في المنطقة الشرقية على أساس قبلي وعشائري، وهو ما يتناسب والحالة الاجتماعية السائدة هناك.

العاطفة الدينية والطائفية، المناطقية، العشائرية، الأسرية، حب الظهور والقيادة، الوجاهة وحب المال.. كلها دوافع نفسية أجاد الجولاني توظيفها

العاطفة الدينية والطائفية، المناطقية، العشائرية، الأسرية، حب الظهور والقيادة، الوجاهة وحب المال.. كلها دوافع نفسية أجاد الجولاني توظيفها في مسيرته خلال السنوات التسع الماضية، وها هو أخيراً يستثمر في حقل التقرب من الناس.

نعرف جميعاً، مثل الجولاني بطبيعة الحال، أن كثيرا من الناس ينسون آلامهم ويتجاوزون معاناتهم، بل ويمكن أن يغيروا مواقفهم من الصداقة إلى العداء وبالعكس، لمجرد كلمة من شخصية مشهورة، وعليه فإن زعيم هيئة تحرير الشام الذي يعي حجم السخط الشعبي في مناطق سيطرة الهيئة، يدرك في الوقت نفسه الأثر الكبير الذي تحدثه زيارة إلى قرية هنا، ولقاء مع شيوخ عشائر هناك، واجتماع مع وجهاء في منطقة ما..الخ.

نفى الجولاني في الزيارة التي قام بها هذا الأسبوع إلى بعض قرى جبل الزاوية أن يكون متزوجاً من أكثر من واحدة، وهو أمر لا يصدقه كثيرون بالطبع، لكن نفيه الذي جاء في إطار كشفه عن هويته الكاملة خلال هذه الزيارة، لا يعني بالضرورة أنه لا يريد الزواج من الثانية أو الثالثة أو الرابعة..

لكن ما أهمية ذلك؟!

أهمية هذه النقطة أن الجولاني يستمر في الاستفادة من كل معطى يعتقد أنه فعال ومفيد في تعزيز سلطته وتقوية حكمه، كما كان سائداً في العصور الوسطى والقديمة، حيث كان يلجأ الحكام إلى المصاهرات كأداة للتحالف أو إنهاء العداء، بما يؤدي في النهاية إلى ربط أكبر عدد ممكن من القوى والجماعات بالسلطة، وجعلها ملزمة بداهة في الدفاع عنها.

يعرف الجولاني كثيرا عن مجتمعنا البسيط الذي تعالى عليه بعض نخبنا أو فشل بعضها الآخر في فهمه، وبينما باتت الغالبية العظمى من قادة الثورة العسكرية والسياسية يتجنبون الظهور العلني، إما لفرط الذوق والخجل، أو لفرط الخوف والكبر، يستعرض قائد تحرير الشام مهاراته في التقرب من الناس وتسجيل نقاط مجانية في سلة من ينتظرون سقوطاً قريباً له. 

كلمات مفتاحية