icon
التغطية الحية

الجبهة المنسية: لماذا تحولت سوريا إلى كابوس يقض مضجع روسيا؟

2023.10.25 | 08:36 دمشق

آخر تحديث: 25.10.2023 | 08:36 دمشق

الجيش الروسي في سوريا
الجيش الروسي في سوريا
Carnegie Endowment for International Peace - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

على مدار سنوات عديدة، وضعت روسيا نفسها في موضع من يقوم بمهمة مشتركة مع إيران هدفها دحر الولايات المتحدة من سوريا، ومن كامل الشرق الأوسط، إلا أن الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا وما أعقبه من تحالف واصطفاف مع طهران خلف أثراً معاكساً، ألا وهو تزايد الوجود الأميركي في المنطقة.

خرجت واشنطن في النهاية بتبرير صريح لاستمرار حملتها في سوريا، أي أنه كلما زاد تورط روسيا في الشرق الأوسط، زاد التحدي الذي يفرض على موسكو معالجة قضية أوكرانيا.

الكابوس السوري

إلى جانب المواجهة الروسية مع الولايات المتحدة، نكتشف بأن الأوضاع في الداخل السوري نفسه آخذة بالتصعيد، كما تعالج روسيا مشكلات تتصل بإدماج فلول مرتزقة فاغنر ضمن القوات المسلحة الروسية عقب تفكيك تلك المجموعة إثر وفاة قائدها، ييفغيني بريغوجين، بطريقة مأساوية، وهذه المصاعب المتزايدة تحول هذا البلد الذي مزقته الحرب، أي سوريا، إلى كابوس يقض مضجع موسكو ويقوض أي أمل للقيادة الروسية في التركيز بحربها على أوكرانيا من دون الانشغال بالشأن السوري.

خرق روسي للاتفاقيات مع أميركا

منذ ربيع هذا العام وروسيا تكثف نشاطاتها في الأجواء السورية، إذ إلى جانب الغارات التي تنفذها ضد المقاتلين، وجهت نشاطها ضد القوات الأميركية الموجودة في سوريا، ولهذا يحلق الطيران الروسي ومسيراته فوق المنشآت العسكرية الأميركية، بخلاف ما ورد في الاتفاقيات بين البلدين بخصوص تحديد مجال النشاط لكل منهما، ولذلك أعلن الجيش الأميركي في مرات عديدة عن إجراء طيارين روس لمناورات خطيرة تتصل بالمسيرات والطائرات الحربية الأميركية، في حين زعم الجيش الروسي بأن من تسبب بتلك الحوادث التي تجري في الأجواء السورية هم الأميركيون أنفسهم وذلك عبر خرقهم للاتفاقيات بين البلدين.

تعتبر مسألة احتواء الولايات المتحدة جزءاً من المهمة التي أتت القوات الروسية لأجلها إلى سوريا، إلا أن هذه المسألة كانت من اختصاص البحرية الروسية في السابق، أي أن موسكو أجبرت اليوم على تحويل تركيزها نحو الطيران، نظراً لعدم وجود سفن روسية في البحر المتوسط اليوم، إذ أضحى من الصعب نشر قوات البحرية الروسية هناك عقب الغزو الروسي لأوكرانيا، وإغلاق تركيا لمضيق البوسفور أمام السفن العسكرية، ما حرم الأسطول الروسي في البحر الأسود من الوصول إلى سوريا.

التنسيق الروسي-الإيراني

تزامنت الزيادة في الحوادث بين الطائرات الروسية والأميركية مع زيادة في الاشتباكات بين الأميركيين ووكلاء إيران في سوريا، إذ بحسب ما رشح من وسائل إعلامية، تنسق كل من طهران وروسيا عملياتهما وجهودهما المشتركة الساعية لإخراج واشنطن من المنطقة، إذ حين يضغط الطيران الروسي على الولايات المتحدة في الأجواء، تنفذ القوات الوكيلة لإيران غارات صاروخية على أهداف أميركية في كل من سوريا والعراق.

والهدف من هذه الهجمات إثارة الذعر أكثر من إلحاق الضرر، وذلك لأن الصواريخ لا تصيب الهدف، بل تنفجر بالقرب منه، وهذا الأمر مقصود، إلا أن الوضع لا يكون على هذه الشاكلة دوماً، لأن بعض الغارات قتلت وجرحت جنوداً في قواعد أميركية، وبعد إحدى الهجمات التي نفذت في عام 2020، أصدر الرئيس الأميركي آنذاك، دونالد ترامب، أوامر تقضي باغتيال الجنرال الإيراني قاسم سليماني.

زيادة النفوذ الأميركي في المنطقة

بيد أن المشكلة هنا تتمثل في أن الجهود التي تبذلها روسيا وإيران للضغط على الولايات المتحدة وإخراجها من الشرق الأوسط قد حققت العكس تماماً، لأنها لم تفض سوى لزيادة الوجود العسكري الأميركي في المنطقة.

في شهر تموز الماضي، نشرت واشنطن البارجة المدمرة يو إس إس توماس هندر في الخليج العربي، إلى جانب نشرها لطائرات إف-35 وإف-16، فضلاً عن القوات التي تركتها هناك بالأصل.

وبعد مرور بضعة أيام، ألحقت بها سفينتين حربيتين مع قوات إنزال بحري، والهدف المعلن من كل ذلك هو حماية السفن التجارية الأميركية من الأنشطة الإيرانية التي تقوض الاستقرار في المنطقة، ونتيجة لذلك، وصل عدد القوات الأميركية في منطقة الخليج لأعلى مستوى له خلال السنوات القليلة الماضية.

أما من أجل التصدي للسلوك البعيد عن المهنية الذي يبديه الطيارون الروس في الأجواء السورية، فقد أرسلت الولايات المتحدة إلى سوريا مباشرة الجيل الخامس من طائرات رابتور الحربية إف-22، وأعلن الجيش الأميركية بأن هذه الطائرات الإضافية تسهم في ردع هذا السلوك الروسي.

بيد أن الولايات المتحدة مضت لما هو أبعد من نشر قطعات جديدة، إذ خلال أواخر الصيف الماضي، حاول الأميركيون توحيد كل القوات الحليفة في سوريا، لتشمل تشكيلات العشائر العربية، وذلك ضمن تحالف أوحد يلتف حول قاعدة التنف الأميركية وقوات سوريا الديمقراطية التي تعتبر القطعات الكردية عمودها الفقري.

وبالنظر إلى الاشتباكات التي حدثت مؤخراً بين الجماعات الموالية لأميركا، أضحت فكرة توحيد الكل ضمن جبهة موحدة فكرة عصية على التحقيق، ولكن مجرد بذل الولايات المتحدة جهوداً لتحقيق هذه الغاية يعبر عن عدم وجود أي نية لدى واشنطن للرضوخ للضغوط الروسية-الإيرانية في سوريا، خاصة بعدما أدركت بأن المزيد من التوتر في سوريا سيصرف موسكو عن أوكرانيا.

أضحى من غير الواقعي تحقيق الهدف الروسي المتمثل بإبقاء عدد قليل نسبياً من القوات الروسية في سوريا بحيث لا تحتاج تلك القوات لموارد مالية هائلة ولا تتحول إلى عبء يصرف روسيا عن الجبهات الأوكرانية، ولعل أهم سبب لذلك هو أن زيادة الوجود الأميركي أتت نتيجة للاستفزازات التي نفذتها موسكو هناك.

خطورة الوضع السوري

بيد أن هنالك مشكلات أخرى لا تتصل بروسيا مباشرة، أولها استعادة نظام بشار الأسد للسيطرة على معظم المناطق في سوريا، إلا أن ذلك لا يعني بالضرورة عودة الحياة لطبيعتها في هذا البلد، وذلك لأن الجوع والفساد قد تحولا إلى جزء  لا يتجزأ من المشهد الاجتماعي-الاقتصادي السوري، وبنهاية الصيف في هذا العام، خرجت مظاهرات غفيرة في مناطق عدة تقع تحت سيطرة النظام، رافقت بعضها اشتباكات واسعة النطاق، ما يعني أن الوضع أصبح غاية في الخطورة بما أن السلطات السورية فقدت السيطرة جزئياً على محافظة السويداء.

وبما أن الأحداث لن تستقر في سوريا، لذا لابد أن تزيد حالة انعدام الاستقرار، ولا توجد حلول للمشكلات الاقتصادية في البلد، وخلال هذا العام، عادت فلول تنظيم الدولة للظهور في سوريا، وذلك عندما حاولت استغلال حالة السخط الكبيرة التي ظهرت في البلد مرة أخرى.

كل ذلك أتى في وقت تحتاج فيه روسيا للتفكير بما بوسعها أن تفعله بفلول جيش فاغنر من المرتزقة، وذلك لأن المحاولات الأولى لاستبدال فاغنر في سوريا بقوات عسكرية روسية دفعت بكلا الفريقين نحو حافة المناوشة المسلحة، ما يعني أن العملية لن تكون سهلة أبداً، ولهذا لابد للنفوذ الروسي أن يتراجع في سوريا.

الفشل الروسي في سوريا

وهنا لابد من الاعتراف بأن فاغنر نفذت في سوريا ما عجزت وزارة الدفاع الروسية عن تنفيذه على أكمل وجه، ويتمثل ذلك بتطوير الحقول النفطية، وإقامة علاقات مع الجماعات المحلية، ودعم الوجود الروسي في مناطق جديدة، وإجراء عمليات استطلاعية تخص المدنيين. بيد أن الجيش الروسي لم يتمكن من التحول إلى قوة فاعلة بوسعها معالجة تلك المهام في ليلة وضحاها، وبكل الأحوال، يمكن القول بأن فاغنر تمثل تركيبة معقدة تتمتع بتكتل اقتصادي خاص بها إلى جانب وجود استشاريين سياسيين لديها، ومعظم تلك العناصر غير موجودة لدى وزارة الدفاع الروسية.

إن نتائج هذه المشكلات والصعوبات يمكن تعقبها بكل سهولة في المحاولات التي تجريها التشكيلات الموالية لإيران للاستيلاء على المناطق التي كانت فاغنر تهيمن عليها قبلها، حيث تمثل حقول النفط السورية أهم جائزة مغرية بالنسبة لتلك الجماعات.

مايزال الموقف الروسي في سوريا أكثر من حرج، ولكن لا مفر من التعرض لبعض التحديات، وذلك لأن سوريا لم تفشل فقط في أن تصبح قاعدة آمنة للقوات الروسية، بل خلقت أيضاً أزماتها الخاصة بها، حتى لو بقيت تلك الأزمات محلية في الوقت الراهن.

 

المصدر:  Carnegie Endowment for International Peace