الثورة والجوكر

2019.11.08 | 16:01 دمشق

_108846267_0a039813-623e-4b35-90c1-8e9f96e12e5f.jpg
+A
حجم الخط
-A

تتابعت ثورات الربيع العربي متوارِثة الطريقة التقليدية في الاحتجاجات على السلطات الجائرة من خلال المشاركة في المظاهرات والهتافات التي تطالب بإسقاط الأنظمة، وتوالت اللافتات والكتابة على الجدران، وتوالى رد فعل السلطات التي تتهم الشعب بالمؤامرة والتمويل الخارجي، وتعلّم الطغاة أساليب التفرقة بين الناس من خلال إيقاظ النعرات الطائفية والفئوية، ومن خلال وضع الأسلحة على قارعة الطريق ودس عناصر الأمن والميليشيات الموالية بين المتظاهرين لتبدأ حمام الدم، وتشرّع لنفسها استخدام أعتى أنواع العنف تجاه المتظاهرين.

بين تونس ومصر وسوريا وليبيا واليمن خسرت الشعوب العربية مئات الآلاف من شبابها الذين قتلتهم آلات القمع السلطوية، وفقدت الملايين بين الاعتقال والإخفاء والفقد.

تجاه هذا الواقع المؤلم الذي اتضح خلاله أن الغرب(المتحضّر!) يساند الطغاة على حساب الشعوب، تمريراً لمصالحه التي يمررها الرؤساء والملوك العرب كي يحافظوا على كراسي لم يستحق أيّ منهم الجلوس عليها، في مواجهة ذلك لم يبقَ أمام الشعوب سوى الاعتماد على أنفسهم لكسر ذلك الطوق، والخروج إلى النور.

بين تونس ومصر وسوريا وليبيا واليمن خسرت الشعوب العربية مئات الآلاف من شبابها الذين قتلتهم آلات القمع السلطوية

الآن، بعد تسع سنوات من المخاض العسير، تكشّف واقع مرير آخر هو الثورات المضادة التي تغذّيها دول الرعب التي تخشى أن يصل مدّ الثورات إليها. وكي يتم تجنّب المزيد من الدماء المراقة، أصبح من الواجب تغيير أساليب الثورة والتفكير خارج الصندوق، ليتمّ التغلّب على القمع التقليدي المفجع والمدمّر الذي تستخدمه السلطات العربية تجاه شعوبها. خاصّة وأن المدّ الثوري طال السودان والعراق ولبنان.

بعد غفوة في مصر صدح صوت الممثل ورجل الأعمال محمد علي، ليذكّر الناس بممارسة النظام المصري، ويواصل فضح الفساد الكبير الذي توغل فيه الفئة الحاكمة في مصر ممثلة بالعسكر الذين قادوا ثورة مضادة ليصبح حال مصر أسوأ مما كانت عليه قبل الثورة في 2011. وسرعان ما واكبه وانضم إليه كثيرون ممن يشكّلون ظواهر لافتة تتعاون في محاربة الاستبداد: يوسف حسين وعبد الله الشريف وأحمد البحيري وباكوس وتامر جمال، وآخرون.

اللافت الأحدث هو ظهور الجوكر الذي يتقمّصه تامر جمال ويظهر بأسماء متعدّدة : الجوكر/ عطوة كنانه/ د.عيد سعيد.

إن المجتمعات العربية بحاجة إلى (جواكر) متعدّدة تفنّد الواقع وتبصّر الناس بالحقوق من خلال أسلوب ساخر محبب يجذب المتلقّي ويدعوه إلى التفاعل الإيجابي معه.

الجوكر يشرح كيفية تشكيل خلايا ثورية، تتألف كل خلية من سبعة أشخاص( من الأصدقاء المقربين) وتعتمد على التواصل الفيزيائي، بعيداً عن وسائل التواصل الاجتماعية المخترقة.

ترتبط الخلية، بشكل مباشر عن طريق واحد من أعضائها، بالجوكر، وتتلقى منه تعليمات التحرك الآمن، من غير الإعلان عن أي اسم صريح لعناصر الخلية الثورية. 

ويشرح الجوكر، عبر إطلالات متنوعة، كيفية إصلاح التربية والتعليم والعلاقات الاجتماعية، وكيف نتخذ مواقف حاسمة تجاه الجيش والشرطة ، بحيث نجمع معلومات عنهم ونرسل الورود والهدايا لمن يمتنع عن الوقوف ضد شعبه من المدنيين، ونرسل رسائل تحذير ووعيد لأولئك الذين يناصرون الطاغية بأي شكل من الأشكال. ولابد من إرباك السلطة عبر تسريب شائعات عن أماكن ومواقيت مظاهرات تدعو إلى إسقاط النظام، لتبقي ميليشيات السلطة في إنهاك حذر، ثم يتم ملء الساحات بالأحرار في الوقت المناسب.

ونحن في سوريا حاولنا مرات عديدة تشكيل كتلة صلبة تكون نواةَ انطلاق للتحرير، غير أن عوائق مختلفة حالت دون ذلك. من بين تلك العصي، التي وضعت في العجلات، هي تسيّد بعض الوصوليين واستحواذهم على المشهد الثوري؛ كذلك مواقف الدول التي تدعم حاملي أجندتها، وتبعد الثوريين المستقلين؛ كذلك مشكلة التخوين المتبادل وانعدام الثقة بين كثيرين من المخلصين الذي لا هدف لهم سوى انتصار ثورة الكرامة والحرية.

في سوريا حاولنا مرات عديدة تشكيل كتلة صلبة تكون نواةَ انطلاق للتحرير، غير أن عوائق مختلفة حالت دون ذلك. من بين تلك العصي، التي وضعت في العجلات

كلما خفت صوت بلد ثائر بحيث يمسي الناس يائسين، تنطلق شرارة بلد آخر ينضم إلى قافلة طالبي الحرية والكرامة ومواجهة الاستبداد.

ومع كل انتفاضة تنبثق أفكار جديدة ومبدعة في مقارعة الظالمين.

الآن، مع انطلاق عملية نبع السلام، يمكن أن تكون المناطق المحررة والآمنة؛ هي المنطلق لتكثيف التظاهر ضد طاغية دمشق، والتواصل مع المناطق التي يسيطر عليها النظام بحيث يتم التنسيق لتحرّك الداخل من غير أن يؤدي ذلك إلى خسائر بشرية.  

إننا ننتظر الجوكر السوري لتحريك المياه الراكدة، كما نحتاج إلى تكاتف العالقين بين براثن النظام ليقوم كل فرد ببيان مواطن الفساد ويفضح المفسدين بالوثائق التي تدينهم، فيمكن توزيع منشورات وتثبيت ملصقات على الجدران تتضمن اسم الشخص وهاتفه ومكان عمله والتجاوزات التي يقوم بها والدعوة إلى مقاطعته والتعامل معه بجفاء واحتقار.

هي مجرد أفكار تدعو إلى التفكير خارج الصندوق لنتمكن من الخروج من كهف الاعتقال الذي يهيمن على السوريين الذين تقمعهم الطغمة الحاكمة.

كلمات مفتاحية