التوترات والاشتباكات في شرقي الفرات.. إلى أين؟

2023.09.15 | 18:11 دمشق

دير الزور
+A
حجم الخط
-A

لا شك أن ميليشيات قسد بعد هزيمة داعش على يد التحالف الدولي وانحلال عقد التنظيم وفقدانه السيطرة المكانية وانتقال نشاطاته الميدانية والعملياتية في غالبها إلى البادية الشامية، جعلت التنظيم يعتمد في أسلوبه وتكتيكاته على تحركات بعض الخلايا النائمة التي ورغم التضييق الأمني واللوجستي عليها فإنها لاتزال تنشط بين الحين والآخر وتنفذ عملياتها الدامية ضد قوات النظام وميليشياته ومقرات وحواجز عصابات PKK وما يسمى بقوات سوريا الديمقراطية في شرقي الفرات.

عمليا إن ميليشيات قسد الانفصالية كونها الذراع العسكرية للتحالف الدولي الذي تقوده واشنطن وحليفهم في محاربة الإرهاب فقد سيطرت بعد هزيمة داعش على شرقي الفرات كسلطة أمر واقع بلا حول ولا قوة من أهالي وسكان المنطقة ومكوناتها العشائرية، وفرضت هيمنتها على منطقة الجزيرة ومحافظات الرقة ودير الزور والحسكة، هذه المناطق الشاسعة التي وكما هو معروف للجميع تمتاز بكل تفاصيلها وجغرافيتها وعاداتها وتقاليدها بالطابع العربي والعشائري المترابط ناهيك عن كونها السلة الغذائية لسوريا وغناها بالثروات النفطية والغازية.

لا شك أن الوحدات والعناصر الكردية القنديلية ومنذ تأسيسها وبعيدا عن الثقل العربي والعشائري الذي أريد تجاهله وضرب عرض الحائط به، سعت بعلم من التحالف وبدونه لأن تكون صاحبة الكعب الأعلى والثقل الرئيسي والوحيد الفاعل في ميليشيات "قسد"، هذه الميليشيات التي باتت وبالوجود الأميركي وكما ذكرنا سابقا كسلطة أمر واقع باتت تسيطر على منطقة شرقي الفرات التي يشكل السكان العرب والعشائر غالبية سكانها، إلا أن حقيقة الأمر تقول إن المكون العربي والعشائري ضمن إيديولوجيا وتوجهات قسد واستراتيجياتها أريد له وخطط ومنذ البداية أن يكون غير فاعلٍ ولا مفعل وليس أكثر من خيال موجود في مناطقه على هامش الحياة السياسية والإدارية والعسكرية.

الملاحظ أنه ومنذ سيطرة ميليشيات "قسد" على منطقة شرق الفرات بكل محافظاتها ومناطقها، وذلك منذ عام 2016، وحتى بداية عام 2019، وبعد أن أعلن التحالف الدولي القضاء على تنظيم "داعش" في المنطقة، قامت هذه الميليشيات ذات الإيديولوجية والطبيعة المستندة أصلا إلى الفكر الأوجلاني وأدبيات حزب العمال الكردستاني المقرب من طهران والنظام السوري بتهميش المكون العربي والعشائري والتضييق عليه أمنيا ومعيشيا، وذلك لتتفرد وحيدة وبلا منازع في قرارات وإدارة شؤون المناطق العربية وسرقة واستنزاف خيراتها ومقدراتها بما يتناسب مع إيديولوجيتها وتوجهاتها العنصرية، وبالطبع أتى ذلك كله مترافقا مع تهميش وافتقاد المكون العربي والعشائري للقيادات الحقيقية الفاعلة والمرجعية السياسية الواحدة والموحدة التي يمكن أن تؤطرهم وتقودهم وتمثّلهم وتطالب بحقوقهم. ناهيك عن إصرار هذه الميليشيات على الاكتفاء والاعتماد على توظيف أشخاص مغمورين منتفعين فاسدين من المكون العربي ليس لهم أي وزن شعبي أو عشائري فاعل ومؤثر وهم في واقع الحال لا يمثلون إلا أنفسهم ومصالحهم الضيقة دفعت بهم قسد إلى الواجهة ليتبنوا زيفا وبهتانا تمثيل مناطقهم وعشائرهم بمجالس عسكرية ومدنية صورية كانت ولا تزال بعيدة كل البعد عن توفير أبسط مقومات الأمن والاستقرار والعيش الكريم لهذه المناطق، يترافق ذلك مع سعي قسد بمحاولاتها المتعددة المكشوفة الرامية إلى فرض أفكار دخيلة وثقافات غريبة مشبوهة تهدف إلى تشويه خصوصية وواقع المنطقة العشائري.

إن المواجهات الدامية الأخيرة بين العشائر العربية وميليشيات قنديل التي اندلعت منذ أيام عدة بمناطق شرقي الفرات، وخاصة منها تلك الدائرة الآن في أرياف دير الزور أثبتت أخيرا وبما لا يدع مجالا للشك الفشل الذريع لمقاربة الولايات المتحدة وقوات التحالف لكيفية إدارة هذه المنطقة الاستراتيجية الهامة، بعد أن تركت ودون مبالاة القيادة والسيطرة فيها لميليشيات قسد التي يهيمن عليها ويرسم خطوط سياساتها واستراتيجيات عملها قياديو حزب العمال الكردستاني، وبالطبع وللضرورة المضللة فقد صنعت هذه الميليشيات وأوجدت قيادات فاسدة من المكون العربي لا تمثل بأي شكل من الأشكال مصالح وتطلعات المنطقة وبنيتها العشائرية. وعليه وكمتابع ومهتم بالتطورات التي تعيشها مناطق شرقي الفرات، فحقيقة الأمر إنني لم أتفاجأ بشكل مطلق بالذي يدور الآن وبالتوترات والاشتباكات الدامية في غالبية مناطق وبلدات وأرياف دير الزور، فهذه الأحداث عمليا كانت متوقعة وبنيت على تراكمات ما قبلها وسيكون لها بالتأكيد ما بعدها، وربما إذا اتسعت دائرتها وأقصد هنا _الاشتباكات_ واستشرت فإنها ستؤثر بشكل لا لبس فيه على الوجود والقواعد الأميركية برمتها، وخاصة مع وجود التهديد الإيراني القابع على الضفة المقابلة، هذا إذا لم تطوق سريعا من قبل مسؤولي التحالف بقيادة واشنطن وسعيهم الحثيث لإيجاد مقاربات وحلول ناجعة سريعة تلبي طموحات ومطالبات العشائر بحقوقهم المشروعة، والمشاركة الفعلية والفاعلة في القرارات السياسية والعسكرية والاقتصادية المتعلقة بمستقبل مناطقهم، وإدارة شؤونها وتحسين واقعها الخدمي والمعيشي والأمني. 

من جانب آخر فلا شك أن شرقي الفرات ومناطق دير الزور وأريافها ولكثرة أصحاب النفوذ الموجودين فيها، فإنها ميدانيا وكون غالبية مناطقها هي عبارة عن خطوط فصل بين ميليشيات قسد والقوات الأميركية من جانب وبين قوات النظام والميليشيات الإيرانية من جانب آخر فإنها تعيش على صفيح ساخن وبحالة توترات دائمة، وأن إيران وميليشياتها ونظام الأسد المجرم ومعهم روسيا هم المستفيد الأكبر من السياسات التي تنتهجها ميليشيات قسد والتي يسيطر على دائرة صنع القرار فيها قيادات قنديل وحزب العمال الكردستاني الذين أوصلوا طيلة أعوام مضت وبأسلوب ممنهج وواضح مناطق شرقي الفرات إلى الواقع المتأزم والمزري والأحداث الدامية التي يمر بها الآن، لا بل ليس ذلك فحسب فقد يتم بشكل أو بآخر العمل من قبل معسكر إيران على تسليط الضوء على هذه الاحتجاجات وتغذيتها والنفخ فيها للإيحاء بأن شرقي الفرات ومناطق دير الزور انتفضت على الوجود العسكري الأميركي وذراعه قسد وأنه لا بديل عن عودة النظام الأسدي للسيطرة عليه. 

ختاما.. من خلال ما تقدم فالواقع يقول إنه وخلال الأيام القليلة المقبلة فإن التحالف وواشنطن وحرصا على وجودهم وسلامة قواعدهم وكخيار تهدئة وحيد لا بد منه، سيتحركون لتطويق الأحداث، وعقد اجتماعات مكوكية مع شيوخ ووجهاء العشائر وخاصة منها العكيدات والبكير والبكارة وبالتأكيد مع حضور قيادات من قسد للتباحث بخصوص السيطرة على الأوضاع المنفلتة ووقف إطلاق النار والتهدئة، ولا شك أن التحالف والأميركان ولاستمرار مصالحهم سيرضخون بشكل من الأشكال لتشكيل لجان من الشخصيات العشائرية الاعتبارية الفاعلة المؤثرة في دير الزور وأريافها وذلك للتفاوض على صيغة ما لتشكيل إدارة مدنية وعسكرية جديدة للمنطقة تلبي في حدها الأدنى ما يريده سكان هذه المناطق.