icon
التغطية الحية

التسوّل في مدينة دمشق.. استغلال للظروف أم تجارة مربحة؟

2024.02.11 | 16:16 دمشق

كم يجني المتسولون في ساعة العمل الواحدة على إشارات مرور دمشق؟
كم يجني المتسولون في ساعة العمل الواحدة على إشارات مرور دمشق؟
 تلفزيون سوريا - إسطنبول
+A
حجم الخط
-A

باتت شوارع العاصمة دمشق مع تفاقم الأزمة الاقتصادية التي تجتاح سوريا، مسرحًا لظاهرة التسول، حيث تصطف على أرصفتها وعند إشارات المرور أعداد متزايدة من المتسولين الذين يتخذون من هذه النقاط مواقع لجذب العطف وجمع المال.

تأتي هذه الظاهرة كنتيجة مباشرة للتدهور الاقتصادي الحاد والفقر المتنامي في مناطق النظام والذي يدفع بالعديد من الأفراد إلى اللجوء للتسول كوسيلة يأملون من خلالها تأمين احتياجاتهم اليومية.

وتشير التقديرات إلى أن دخل المتسولين من هذا النشاط قد يفوق بكثير ما يمكن أن يحصلوا عليه من أعمال أخرى، مما يجعل من التسول ظاهرة متنامية في ظل الظروف الاقتصادية الراهنة.

دخل لا يُستهان به

وكشف موقع "أثر برس" المقرب من النظام في تقرير عن الأرقام المُقدرة التي يجنيها المتسولون من خلال مراقبة نشاط بعضهم لفترات زمنية قصيرة، حيث تُشير التقديرات إلى أن "أم محمد"، التي تتخذ من إشارة الإسكان مكانًا لها، قد تحصل على مبلغ يصل إلى 20 ألف ليرة سورية في الساعة الواحدة، ما يعني أن عملها لمدة عشر ساعات قد يجلب لها مبلغًا يصل إلى 200 ألف ليرة سورية في اليوم الواحد. وبافتراض عملها دون توقف طوال الشهر، يصل متوسط دخلها الشهري إلى 6 ملايين ليرة سورية.

من جهة أخرى، تبين أن المتسولين الذين يتخذون من إشارة الأكرم مكانًا للتسول، مثل السيدة التي تحمل طفلًا رضيعًا، يمكن أن يجمعوا مبلغ 100 ألف ليرة في غضون ساعتين أو ثلاث، بدخل يومي يزيد على 300 ألف ليرة. وهذا يعني أن دخلها الشهري قد يتجاوز 9 ملايين ليرة.

"حسين"، رجل من ذوي الاحتياجات الخاصة، يستطيع من خلال التسول لمدة ساعة تحقيق ما يقارب 150 ألف ليرة سورية، وبمواصلة هذا النشاط لمدة عشر ساعات يوميًا، يصل دخله الشهري إلى مبالغ ضخمة تفوق 40 مليون ليرة، وفق لما نشره "أثر برس".

كما يظهر التقرير أن المتسولين في دمشق، وبالأخص الأطفال الذين يعملون في هذا المجال، يمكن أن يحصلوا على دخل يومي يتراوح بين 150 إلى 200 ألف ليرة، في حال كان "الشغل جيداً"، مع الإشارة إلى أن كل عائلة منهم تمتلك عدة أطفال يعملون بالتسول، ما يعني دخلًا شهريًا يتراوح بين 13.5 إلى 18 مليون ليرة للأسرة التي لديها ثلاثة أطفال يعملون في هذا المجال.

استغلال للظروف؟

وتتفشى ظاهرة التسول في شوارع دمشق بمدى أوسعَ، وأساليب جديدة اتخذت في بعض صورها العنف والشتم والسلب منهجاً لها، فضلاً عن تعرض يافعات للتحرش الجنسي والاغتصاب في أثناء تسولهم، واستدراجهن لاحقاً من قبل شبكات الدعارة لامتهان هذه المهنة لاحقاً.

الأستاذة في قسم علم الاجتماع بجامعة دمشق، حنان ديابي، إن تغير أسلوب التسول مؤخراً يعود إلى ما تعرض له هؤلاء الأطفال من مشاهد عنف ورعب ودمار ولسوء الأوضاع الاقتصادية، إضافة إلى غياب دور رقابة الأسرة التي في أغلب الأحيان هي من تشغلهم.

وأضافت في تصريحات لصحيفة الوطن المقربة من النظام أنها تواصلت مع العديد من المتسولين من مختلف الفئات والأعمار خلال دراسة سابقة أجرتها، حيث بيّن لها المتسولون ما دفعهم لاستخدام أسلوب التسول بالعنف قائلين: "بما أن الناس لم يعد يجدي معهم الاستعطاف والاستجداء ولا يشعرون بمعاناتنا فإننا مجبرون على استخدام العنف والشتم كسلوك، لأن أضعاف هذا العنف والشتم نتعرض له يومياً كعقوبة من مشغلنا (الأهل أو أفراد شبكات التسول) إذا لم نحصل على الكثير من المال إضافة إلى الحرمان من الطعام".

استغلال الفتيات في الدعارة

ورأت ديابي أن تغيير مكان الإقامة والبعد الاجتماعي للمتسولين يعطيهم حرية أوسع حيث إنهم مجهولون في المكان الجديد.

وأوضحت أنها التقت العديد من اليافعات تتراوح أعمارهن بين 13حتى 15 عاماً في معاهد الأحداث ومراكز الإيواء المؤقتة خلال دراسة أخرى أجرتها في حلب ودمشق.

ووجدت خلال الدراسة أن أغلب الحالات قد تعرضت للتحرش الجنسي والاغتصاب في أثناء تسولها، إضافة إلى التقائهن في هذه المعاهد بالفتيات الجانحات ممن امتهن الدعارة ما يدفعهن لامتهان هذه المهنة لاحقاً عوضاً عن التسول أو تزامناً معه، لأنها أكثر ربحاً، وذلك خارج عن نطاق العيب والحرام في نظرهن بعد أن سقطت جميع الاعتبارات الأخلاقية والدينية لديهن وأصبح ذلك مجرد مهنة.

وتعد ظاهرة التسول، التي ساعد النظام السوري في انتشارها نتيجة تهجير مئات الآلاف عن مدنهم وقراهم، إحدى "أعقد" المشكلات الاجتماعية التي يعاني منها الشارع السوري، كما يعد الفقر والعوز خاصة مع فقدان السلع الأساسية وارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة وندرة فرص العمل وانخفاض الرواتب عاملاً أساسياً في ازدياد هذه الظاهرة.