التجربة الدنماركية.. وترحيل السوريين إلى بيت الطاعة أو المحرقة

2021.06.21 | 06:10 دمشق

35fb6156-854d-46c4-9280-d19102a7f7b9.png
+A
حجم الخط
-A

لثلاثة شهور مضت لم تتوقف أصوات الاحتجاج على ترحيل نحو ألف لاجئ سوري لم تقبل طلبات لجوئهم في الدنمارك، وتتالت تقارير صحفية وتصريحات حقوقية تحذر من أن الحكومة الدانماركية تخطط لترحيل جميع اللاجئين السوريين وعددهم ثلاثون ألفاً..

"ثمة شيء عفن يجري في الدانمارك" يقول هاملت، في مسرحية شكسبير الشهيرة، وبعد قرون من هاملت يبدو أن رائحة العفن تتصاعد مرة أخرى في الدانمارك، وهذه المرة أيضا من قصر هو مقر الحكومة "الاشتراكية الديمقراطية" في كوبنهاغن..

برلمانية دنماركية وخبير أوروبي في مسائل اللجوء خبروا هذا العفن الدانماركي الأمر الذي دفع بعضهم للقول بخصوص ترحيل لاجئين سوريين من الدانمارك، إن سياسة الحكومة الدانماركية "غير إنسانية" و"عديمة الضمير"!!

قضية اللاجئين الحلبة المحببة للتنافس الانتخابي ويكون اللاجئون مكسر عصى الجميع والخاسر الأكبر في كل انتخابات جرت في أوروبا في السنوات الأخيرة

هذا الخطاب عالي النبرة لم تبال به الحكومة الدنماركية، فما تعدّه وهي في صدد تنفيذه، يبدو أنه أكبر من الالتفات إلى رأي ناشطين أو سياسيين أو حتى ألى رأي الأمم المتحدة، إنه على ما يبدو رأس جبل الجليد الأوروبي، الذي يشير إلى قاعدة عريضة مربحة للأحزاب المتنافسة، عنوانها "ترحيل اللاجئين" وبينهم اللاجئون السوريون، على خلفية انتهاء الحرب في سوريا و"عودة الأمن إلى بعض المدن والمناطق السورية "!! كما تزعم الحكومة الدانماركية، إضافة إلى يسار أوروبي نفعي يخشى أن تتقدم عليه أحزاب اليمين في الانتخابات القادمة، فيعمد إلى المزاودة على اليمين لتصبح قضية اللاجئين الحلبة المحببة للتنافس الانتخابي ويكون اللاجئون مكسر عصى الجميع والخاسر الأكبر في كل انتخابات جرت في أوروبا في السنوات الأخيرة، وربما في كل انتخابات قادمة ستجري وإلى أمد غير معلوم..

الأمان ومفهوم الأمن عند وزارة الهجرة والاندماج

تختلف معاني ومحتويات المفاهيم تبعا للمكان والمجتمع والظرف، لكن بالنسبة لمفهوم الأمان أو الأمن فيفترض أن يكون محتواه واحدا في كل مكان فالأمان شعور إنساني ضروري للحياة السليمة المستقرة، ولا يتحقق هذا الشعور الوجودي دون وجود الإنسان في وسط مستقر وبيئة تحميه من أي خطر محتمل، سواء كان خطرا بشريا أو طبيعيا. وهذا الشعور الوجودي لا يتمتع به أي إنسان سوري داخل سوريا في أي منطقة سكن أو وجود فيها طالما أن السلطة الحاكمة هي سلطة انتقامية وتعقبية تعد أنفاس السوريين وتراقب حركتهم وكلامهم ومنشوراتهم وتعليقاتهم الفيسبوكية بل حتى لايكاتهم.. وكذلك تفعل الميليشيات الحاكمة فعليا في غير منطقة سوريا ليست تحت سلطة النظام، وإن كانت سلطة تلك الميليشيات أقل مستوى في خبرة العنف والتعقب والمحاسبة..الخ

بخصوص عودة الأمن إلى سوريا أو إلى بعض مدنها الذي بنت عليه الحكومة الدانماركية قرارها بترحيل اللاجئين السوريين إلى سوريا، (إلى دمشق وريفها بداية ولاحقا إلى السلمية والحسكة ؟؟) تقول منظمة هيومن رايتس ووتش إن "المعلومات الخاطئة تؤدي إلى قرار خاطئ"..

وكلام المنظمة الحقوقية الدولية سابق الذكر منطقي تماما، فكيف تأكدت الحكومة الدانماركية أن دمشق أصبحت آمنة؟! ومن هي الجهة التي قدمت معلومات لوزارة الهجرة والاندماج الدانماركية انتهت منها الأخيرة إلى أن دمشق آمنة؟! هل استقتها من طرف محايد أم من طرف مؤيد للنظام الحاكم في دمشق.. ثم ما هو مفهوم الأمان بالنسبة لوزارة الهجرة والاندماج الدانماركية ولمسؤولي ملف اللاجئين وعلى رأسهم الوزير ماتياس تيسفاي؟

جوهر القضية بالنسبة لوزارة الهجرة والحكومة الدانماركية هو أن الأعمال القتالية في دمشق قد توقفت، لكن هل هذا يعني أن دمشق أصبحت أمنة؟

إن هذا الاستنتاج يكون صحيحا فقط في حال ضمن وزير الهجرة الدانماركي للعائدين، حتى لو لم يكونوا معارضين للنظام بل خائفين من التنظيمات الإسلامية أو رماديين أن يبقوا أحرارا أو على قيد الحياة حال وصولهم دمشق؟ فهل يستطيع أحد في العالم أن يضمن عدم اعتقال المرحلين إلى دمشق؟ وهل يضمن أحد في العالم عدم تعذيبهم أو عدم قتلهم في المعتقلات؟

فهناك حالات عديدة لسوريين عادوا إلى سوريا طوعيا ولم يكونوا معارضين للنظام بل موالين له وجرى اعتقالهم واختفى بعضهم وربما قتل آخرون..

لكن هناك مئات من اللاجئين السوريين في الدانمارك وأوروبا زاروا سوريا مرة أو مرتين في السنوات الثلاث الأخيرة، بحسب أخبار صحفية، وعلى الأرجح فإن مساعي الوزير تسفاي لترحيل ألف لاجئ سوري جاءت على خلفية هذه الزيارات التي قام بها هؤلاء اللاجئون، فقانونيا يسقط حق اللجوء عن اللاجئ السوري بمجرد زيارته إلى سوريا..

إلى رواندا؟ وماذا بعد؟؟

ولأن الدانمارك مازالت ملتزمة بموقف أوروبي موحد يرفض التعامل مع النظام السوري -رغم أنها لم تلتزم بسياسية الاتحاد الأوروبي بخصوص استيعاب وتوزيع حصص اللاجئين- فإن إعادة لاجئين سوريين إلى سوريا غير ممكنة عمليا وقانونيا، لكن يمكن كما يقترح بعض السياسيين إعادتهم عبر بلد ثالث (العراق أو الأردن) أو ترحيل اللاجئين السوريين إلى بلد ثالث مثل مصر أو إثيوبيا أو أرتيريا، في وقت رفضت فيه تونس والجزائر الاقتراح الدانماركي، أما الاقتراح الأخير فهو الترحيل إلى رواندا البلد الأفريقي الذي خبر حربا أهلية طاحنة قبل عقدين من الزمن، والتي كان لها تجربة سابقة في استضافة المرحلين من إسرائيل قبل سنوات!! حيث تلقت الحكومة الرواندية مقابل كل شخص استضافته خمسة آلاف دولار، لكن انتهى الأمر بهؤلاء المرحلين من إسرائيل إلى الهرب من مراكز الاستقبال..

في حال نجحت مساعي ماتياس تيزفاي وحلفائه من اليمين ويسار الوسط الدانماركي فسيعيش هؤلاء الألف سوري شبه معتقلين بانتظار إعادتهم إلى سوريا.

ولسوء الحظ فإن المفاوضات مع رواندا قد وصلت إلى مرحلة متقدمة بحيث اتفق الطرفان على أن تموّل الدانمارك إقامة مركز لجوء في رواندا تستقبل فيه المرحلين وحتى الذين تقدموا بطلبات لجوء ولم يُبتّ بها، على أن يكون أمر إدارته شأناً رواندياً..!! ومع ذلك فهناك صعوبات قانونية في تطبيق هذا الإجراء- أي الترحيل- رغم جهود الوزير تسفاي.

إذا نجحت الدانمارك في مسعاها فإن مجزرة ترحيل لا ترحم ستبدأ لإعادة اللاجئين السوريين من جديد إلى بيت الطاعة الأسدي أو إلى المحرقة الأسدية

ولكن ما مصير من سيجري ترحيلهم إلى رواندا؟ هل سيبقون بأمان إلى أن يتحقق الحل السياسي للأزمة السورية، حل يرضي الشعب السوري والأطراف المتنازعة؟ أم سيترك المرحلون إلى رواندا نهباً للمساومات الدولية التي قد تنتهي بهم لدفع ثمن نهائي أخير في سجون النظام في دمشق..

إذا نجحت الدانمارك في مسعاها فإن مجزرة ترحيل لا ترحم ستبدأ لإعادة اللاجئين السوريين من جديد إلى بيت الطاعة الأسدي أو إلى المحرقة الأسدية.. وعلى الأقل إخراجهم من أوروبا إلى معسكرات لجوء ينتظرون مصيرهم الذي تتلاعب به مصالح القوى المتحكمة في سوريا..