التجاهل الدولي يرمي مخيم الركبان بين أنياب النظام وروسيا

2024.06.04 | 05:43 دمشق

مخيم الركبان
+A
حجم الخط
-A

عانى السوريون مع بدايات الثورة واشتداد القصف الجوي والمدفعي واستخدام النظام المجرم دون أي رادع أخلاقي أو إنساني لكل أسلحة الموت والدمار وارتكاب جيشه وقوات أمنه لمئات المجازر الدموية في كل المناطق السورية التي انتفضت ضده وخرجت تباعا عن سيطرته، لا بل لم يقف الأمر عند ذلك فلقد قام هذا النظام القاتل وبتواطؤ وتغطية روسية دبلوماسية وعسكرية وتحت أنظار وسمع العالم المتحضر ومنظماته الحقوقية والإنسانية ومجلس أمنه، باستخدام الأسلحة الكيماوية والأسلحة المحرمة دوليا، كالقنابل العنقودية والارتجاجية عشرات المرات ضد السكان المدنيين الآمنين في بلداتهم وقراهم ليحيلها خرابا وأثرا بعد عين، وعليه وبلا شك فإن كل هذا القتل والتدمير الممنهج أجبر القسم الأكبر من السكان في كثير من المحافظات والبلدات إلى ترك منازلهم وممتلكاتهم والفرار جماعيا بأرواحهم وأرواح من يعيلون مختارين رحلات اللجوء الصعبة إلى كل دول الجوار وغالبية الدول الأوروبية.

أما القسم الآخر والذي آثر البقاء داخل الجغرافيا السورية فاختار مرغما النزوح الداخلي المقيت مرات ومرات من منطقة لأخرى طلبا للأمن والأمان، هذا الأمن الذي وللأسف لم يجدوه حتى هذا الوقت في كل مناطق النزوح الداخلي التي وصلوا إليها حتى هذه اللحظة، حيث إن النازحين لايزالون وبدرجات متفاوتة يتعرضون لإجرام النظام والروس وميليشياتهم ويكابدون في تجمعاتهم  ومخيماتهم التي يعيشون فيها كل ألوان العذاب والتضييق الأمني والمعيشي، ويأتي ذلك كله متصاحبا مع حالات الفقر وقلة فرص العمل وضعف خدمات البنى التحتية الخدمية منها والصحية، والتجاهل الفاضح للمجتمع الدولي ومنظماته بكل مسمياتها لأبسط الحاجات التي يجب أن تتوافر في المخيمات الكثيرة المنتشرة على الأراضي االسورية، ومن هذه المخيمات على سبيل المثال "مخيم الركبان" الذي لايزال يعاني قاطنوه منذ بدايات تأسيسه ويلات النزوح وآلامه المرة، وعليه فسنتطرق من خلال السطور القليلة القادمة إلى تلخيص بعض الذي يمر به هذا المخيم المنسي من قبل الجميع والذي يقع في أقصى الصحراء السورية.

عمليا أُنشئ مخيم الركبان تباعا كمأوى للنازحين السوريين الفارين من مجازر الأسد وميليشياته، ودموية ووحشية جيشه، وإرهاب تنظيم داعش الذي سيطر سابقا على مساحات واسعة من المناطق السورية. ويقع هذا المخيم على مثلث الحدود الجنوبية الشرقية السورية مع كل من العراق والأردن، ويخضع المخيم للحصار المتكرر منذ بدايات نشأته في عام 2014 وينحدر معظم الذين لجؤوا إليه بشكل قسري من أرياف الرقة ودير الزور وحمص وحماة بعد أن اتهمهم نظام الأسد بأنهم إرهابيون ودواعش ومجرمون فارون، لكن واقع حالهم بكل بساطة يقول إنهم مدنيون لا حول لهم ولا قوة فروا بأرواحهم من العنف والمجازر التي ارتكبت في مناطق سكناهم نتيجة معارضتهم لحكم آل الأسد منذ انطلاق الثورة السورية عام 2011.

في الواقع يعيش في مخيم الركبان حاليا نحو 8500 لاجئ قدموا من عدة مناطق سورية.

في السنوات الأخيرة الماضية شهد مخيم الركبان على مضص خروج العديد من العائلات نحو مناطق سيطرة النظام وميليشياته، وذلك على الرغم من عدم وجود أي ضمانات إقليمية أو دولية تحميهم من الاعتقال والتغييب

وتبلغ مساحته نحو 35 كم، ويقع عند مثلث الحدود السورية مع العراق والأردن، ضمن منطقة أمنية أقامها التحالف الدولي بقيادة واشنطن بقطر 55 كيلومترا بهدف مكافحة تنظيم داعش، كما أنشأ فيها قاعدة التنف التي تنتشر فيها قوات أميركية وبريطانية وغيرها، والواقع الجغرافي للمخيم بحد ذاته يقول إنه معزول تماما عن العالم والمناطق المجاورة التي وكما بات معروفا تسيطر عليها قوات النظام وميليشيات إيران، ومن النادر ما تسمح عصابات وجيش الأسد بدخول المساعدات الإنسانية والطبية والمعيشية إليه وذلك كإجراء عقابي انتقامي بحق قاطنيه، في حين أغلقت كل من العراق والأردن منذ عام 2016 حدودهما المجاورة  لهذا المخيم، وذلك في تجاهل تام وغير مسؤول للمعاناة الكبيرة والقاسية وحالات الحرمان من أبسط مقومات الحياة التي يعيشها ويعاني منها السكان المدنيون وعائلاتهم في هذا المخيم .

حقيقة في السنوات الأخيرة الماضية شهد مخيم الركبان على مضض خروج العديد من العائلات نحو مناطق سيطرة النظام وميليشياته، وذلك على الرغم من عدم وجود أي ضمانات إقليمية أو دولية تحميهم من الاعتقال والتغييب في سراديب وسجون النظام المجرم، وبالتأكيد يأتي تصاعد عمليات خروج المدنيين من المخيم دون الالتفات إلى أي حسابات أخرى نتيجة للانتهاكات والحصار المطبق المر، وسوء الأوضاع المعيشية والصحية والجوع والعطش الذي يشهده المخيم، والذي ووفقا لكثير من الدلائل والمعطيات بات منذ فترات بعيدة يعاني وبشدة من الأوضاع الإنسانية المزرية والقاسية جدا التي أدت إلى وفاة أعداد لا بأس بها من الأطفال والشيوخ نتيجة الجوع والمرض، في ظل الغياب شبه الكامل للمنظمات الإنسانية والإغاثية الدولية ذات الصلة، ومما فاقم هذا الأمر أنه ترافق مع الارتفاع الجنوني في أسعار المحروقات والمواد الغذائية والطبية الأساسية، وذلك نتيجة الإتاوات التي تفرضها حواجز وضباط نظام الإجرام على شاحنات وسيارات الأغذية المهربة التي تريد الدخول للمخيم، وبالطبع توجت كل هذه الصعوبات مع ظاهرة انعدام فرص العمل داخل المخيم الذي تحول حقيقة وبكل ما تعنيه الكلمة إلى معتقل وسجن كبير نَسيَهُ وتجاهله أصحاب الشأن والقرار بجميع مسمياتهم ومستوياتهم، إضافة لتجاهل الأمم المتحدة ومنظماتها والتحالف الدولي المهيمن على قاعدة التنف العسكرية لحاجات ومطالب أهالي وسكان المخيم، سواء من خلال تقصيرهم في العمل على تحسين الأوضاع المعيشية، أو إدخال المساعدات الغذائية والطبية، أو أقلها تأمين السبل والطرق الآمنة لوصول هذه الكتلة البشرية الكبيرة إلى مناطق سيطرة الفصائل في الشمال السوري .

ختاما.. في الواقع تناقصت تدريجيا أعداد النازحيين المقيمين في مخيم الركبان ووصولهم إلى العدد الحالي فقط، وذلك مع اضطرار أعداد كبيرة منهم خلال السنوات القليلة الماضية مرغمين لمغادرة المخيم إلى مناطق سيطرة النظام وميليشياته الطائفية المجرمة، رغم خطورة ملاحقات النظام الأمنية لهم والقابلية الكبيرة لتغييبهم قسريا، ويأتي هذا الأمر نتيجة العديد من الأسباب وعلى رأسها حالة الحصار التي فرضها جيش الأسد وميليشيات إيران وحزب الله على المخيم أمام أنظار وسمع العالم المتحضر ورضاه الضمني عن حالة الحصار تلك، والتي أدت إلى سوء أحوال المخيم في جميع المجالات الحياتية ولا سيما مع التجاهل الإقليمي والأممي لمتطلبات سكان المخيم المعيشية والصحية، ناهيك على أن  مخيم الركبان في الواقع يعد من أبرز أوراق الضغط التي تستخدمها روسيا ضد الوجود الأميركي في قاعدة التنف، ولذلك فهي تسعى وفق مصالحها وأساليبها اللاأخلاقية إلى محاولة فرض مصالحات مهينة وحسب شروط النظام على سكان المخيم تفضي في نهاية المطاف إلى تفكيك هذا المخيم نهائياً، والسيطرة الميدانية على المنطقة التي يوجد فيها. وعليه في هذا السياق أتت الإجراءات الأخيرة من قبل النظام وتوجيهات من طهران وموسكو والتي ستؤدي حتما إلى خنق سكان المخيم وزيادة معاناتهم الحياتية أكثر، ودفعهم مضطرين إلى العودة للعيش تحت حكم قبضة الأسد المجرم.