icon
التغطية الحية

الإيكونوميست: معركة الإطاحة بالدولار والتهديدات المحتملة

2024.05.09 | 17:43 دمشق

صورة تعبيرية للدولار
فشلت محاولات "الأداة الداعمة للتبادلات التجارية" الأوروبية في منافسة الدولار
The Economist - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

الملخص:

  • يبحث العالم عن بدائل للدولار بسبب تقلبات السياسة الأميركية الاقتصادية، وانخفاض قيمة العملة، والسياسات المالية المثيرة للجدل.
  • فشلت محاولات "الأداة الداعمة للتبادلات التجارية" الأوروبية في منافسة الدولار.
  • لا تزال العملات الأخرى مثل اليورو والين الياباني بعيدة عن منافسة الدولار في احتياطيات العملات الأجنبية والتداول العالمي.
  • لا تزال العملات المشفرة والعملات الرقمية غير موثوقة كبدائل للدولار.
  • العملات الرقمية للبنوك المركزية لا تزال في مراحلها الأولى ولم تثبت فائدتها بعد.
  • قد تشكل أنظمة الدفع البديلة تهديدًا محتملًا لهيمنة الدولار في المستقبل، لكن من غير المرجح أن تحدث هذه التغييرات بسرعة.
  • يظل الدولار هو العملة الاحتياطية المفضلة في العالم بسبب جاذبيته كونه أداة للقروض، ولأنه يُعتبر ملاذًا آمنًا في الأزمات، ولأن احتياطي الفيدرالي يتمتع بقوة أكبر من غيره من المصارف المركزية.

في عام 2018، راقب مسؤولون أوروبيون الرئيس السابق دونالد ترامب وهو ينسف الاتفاق النووي مع إيران، ويعيد فرض عقوبات شاملة، ويدرس فكرة حرمان بنوكها من نظام سويفت، إلا أن الكيل كان قد طفح قبل كل ذلك، لأن أميركا كانت تستعين بهيمنتها المالية لتجبر حلفاءها على معاقبة آخر ضحية لها، ولهذا صارت الشركات الأوروبية تهرب من إيران مخافة أن تطولها هي أيضاً عقوبة ثانوية من أميركا.

قررت بريطانيا وفرنسا وألمانيا خوض القتال، فأتى ردها عبر "الأداة الداعمة للتبادلات التجارية" وهو نظام مقايضة بوسعه دعم التجارة الإنسانية مع إيران من دون التعامل بالدولار، وقد وقعت دول أوروبية أخرى على ذلك، وفي آذار من عام 2020، قامت الصفقة الافتتاحية لهذه الأداة وهي صفقة بيع معدات طبية لإيران.

ولكن هذه الصفقة كانت صفقتها الأولى والأخيرة، بما أن إيران عرقلت العديد من الصفقات المقترحة، فخشيت الشركات الأوروبية من أن تتسبب عملية المقايضة من طرف واحد بإثارة حنق أميركا، وهكذا طوي ملف هذه الأداة بهدوء في عام 2023، بعد ثلاث سنوات من افتتاحها. وبدلاً من طرح بديل للدولار، انتهى الأمر بحرمانية المساس بأي موقف يتخذه الدولار.

جسدت تلك الحادثة حالة مصغرة للتهافت على تقويض تفوق الدولار، إذ لدى العالم أسباب كثيرة تدفعه لأن يبحث عن خيارات بديلة قوية، فتقلبات واشنطن حولت توقعات السياسة الاقتصادية على المدى البعيد إلى شيء سخيف، وكذلك الأمر بالنسبة لقيمة الدولار، ودخل السياسيون في مواجهات دورية حول رفع سقف الدين القومي والذي في حال عدم رفعه يمكن أن يتسبب بظهور عجز، مع تعريض مكانة سندات الخزانة للخطر بوصفها أشد الأصول أمناً على مستوى العالم. وعلى مدار السنوات القليلة الماضية، سمح الاحتياطي الفيدرالي للتضخم بالارتفاع بشكل أكبر مما كان عليه الوضع في ثمانينيات القرن الماضي، فبات عليه أن يخضع الأمور لسيطرة كاملة.

ولكن، وعلى الرغم من وجود تلك الدوافع للابتعاد عن الدولار، لم يقترب أي منافس آخر منه في محاولة لسرقة تاجه والتربع على عرش احتياطي العملة في العالم، بل إن المناورة الحقيقية على المكانة حدثت بين عملات أخرى، كما يرى إسوار براساد من مؤسسة بروكينغز، حيث يصف تلك العملية بأنها: "تقسيم الطبقة الثانية"، وبشكل مخالف لكل التوقعات، أصبحت هيمنة الدولار وتفوقه على أقرب منافسيه أقوى من أي وقت مضى، حتى مع كثرة الأسباب والدواعي التي تدفع لتجنبه وتحاشيه.

العملات المرتبطة بالدولار

اتضح كل ذلك بشكل فاقع في نسبة تداول العملات التي يدخل فيها الدولار، إذ منذ بداية القرن الحادي والعشرين، بقيت تلك النسبة ثابتة عند حدود 85% إلى 90%. ويعود أحد أسباب ذلك الانتشار إلى الاستعانة بالدولار في الدفعات العالمية وفي التجارة الدولية وفي تدفق رؤوس الأموال، بيد أن ذلك يتصل أيضاً بالدور المحوري الذي تحتله تلك العملة بالنسبة للصيارفة الذين يشتغلون بالقطع الأجنبي، إن رغبت في بيع جنيهات إسترلينية وشراء ين ياباني عوضاً عنها، فبوسعك فعل ذلك مباشرة، وإن كنت تريد أن تبدل مبلغاً بالرينغيت الماليزي لتحوله إلى زلوتي بولندي، فستواجهك مشكلة، إذ عليك أن تبيع الرينغت وتشتري دولارات ومن ثم تستعين بذلك المبلغ لتشتري زلوتي. ويستفيد سوق الفوركس في حال احتلت عملة واحدة هذا الدور الذي يشبه مسمار العجلة، كونها تسمح بتجميع سلاسل منفصلة من سيولة عملات نادراً ما يتم التعامل بها.

في هذه الأثناء، تقلبت حظوظ عملات أخرى، إذ في عام 2001، أصبح اليورو منافساً صاعداً للدولار، فهو يستخدم ضمن كتلة تضم دولاً تضاهي بمنتجاتها الاقتصادية ما تنتجه أميركا، وأصبح اليورو عملة حاضرة في 38% من تداولات الفوركس، ولكن خلال العقدين التاليين، ومع شيوع استخدام عملات أخرى مثل اليوان الصيني، تقلصت حصة اليورو في التداولات بسبب ذلك من دون أن يطرأ الأثر نفسه على الدولار. وبحلول عام 2022، هبطت حصة اليورو إلى 31%، وحقق الين الياباني الأداء نفسه، وبذلك تصدر الدولار على أقرب منافسيه، وخلال السنوات القليلة الماضية، حدث الأمر نفسه بالنسبة للتعامل بالدولار في الدفعات التي تتم عبر الحدود، إذ مثل نسبة 47% من تلك الدفعات التي تتم بوساطة نظام سويفت في شهر كانون الثاني، أي بزيادة عن النسبة السابقة التي بلغت 38% قبل ثلاث سنوات.

ظهرت نزعات مشابهة في الانقسام الذي طرأ على العملات لدى احتياطيات المصارف المركزية، إذ إن تلك الاحتياطيات من القطع الأجنبي تخزن حتى يجري استخدامها في وقت الشدة أو الأزمات، أي أنها يجب أن تحتفظ بقدرتها على أن تباع بشكل فوري، ويجب أن تشمل خليطاً من أكثر عملة تداولاً وصرفاً بالعملة المحلية.

مرة أخرى، تكفلت تلك الدوافع بانتصار الدولار، إذ على الرغم من زيادة حصة اليورو خلال عقد من ظهور تلك العملة لتصل إلى 28% في عام 2009 مقارنة بحصة الدولار التي بلغت 62%، انخفضت حصة اليورو عقب أزمة ديون منطقة اليورو التي أتت بعد ذلك، لتصل إلى 20% في عام 2023، مقابل حصة الدولار التي بلغت 58%. هذا ولقد زادت حصة اليوان والدولار الأسترالي والكندي عن 2% من الاحتياطي. ولكن كما هي الحال في سوق الفوركس، أتت تلك الزيادة على حساب أهم عملات تنافس الدولار.

ظلت كفة الدولار الراجحة صامدة حتى في وجه تجميد المصرف المركزي الروسي لاحتياطي القطع الأجنبي في عام 2022، وعلى الرغم من أن المنافسين الجيوسياسيين لأميركا قد يرغبون بالعثور على بدائل، لم يتمكن أي منهم من الوصول إلى مستوى سيولة الدولار ومركزيته في عمليات التداول والتجارة العالمية، بل لعل أداء هؤلاء المنافسين قد أصبح أسوأ في تحقيق حالة استقرار للاحتياطي في المقام الأول.

تبدو جاذبية الدولار دائمة بطرق متعددة، إذ يؤدي الطلب غير المسبوق عليه إلى تخفيض سعر الفائدة على الديون بالدولار، ما يجعل منه الخيار المفضل بالنسبة للشركات والحكومات عند الاقتراض بالعملات الأجنبية (إذ إن ما يقرب من نصف إجمالي القروض المصرفية وسندات الدين بين الدول تعتمد على الدولار). ثم إن اليقين الجمعي بأن الاحتياطي الفيدرالي يتمتع بقوة أكبر من غيره من المصارف المركزية يكفل للدولار البقاء بقوة في وقت الأزمات، حتى لو خرجت أسوأ المشكلات من أميركا نفسها، كما حدث في عام 2008. وهذا بالمقابل يعني بأن الأصول التي تعتمد الدولار، وخاصة سندات الخزانة، تعتبر أشد أماناً من غيرها، ولهذا تتفوق بفوائدها بوصفها ضماناً.

تعثرت الجهود الساعية للترويج إلى بدائل أكثر بهرجة، إذ تخضع العملات المشفرة مثل البتكوين لتقلبات شديدة في قيمتها، ما يجعل منها عملات غير موثوقة للحسابات أو لتخزين القيمة، وهاتان الوظيفتان تعتبران أساسيتين بالنسبة لأي عملة. أما العملات الرقمية المستقرة التي تغلبت على هذا النقص من خلال ارتباطها بعملات ملائمة فقد كانت فائدتها أكبر، بيد أن العملات الرقمية المرتبطة بالدولار وحدها هي التي حققت تداولاً على نطاق واسع (لكونها اعتمدت في نهاية الأمر على الدفع بالدولار).

تعمل المصارف المركزية على سك عملاتها الرقمية الخاصة بها بالتدريج، وقد حقق أكبر مشروع تجريبي في هذا المضمار ألا وهو اليوان الرقمي الصادر عن المصرف الشعبي الصيني، حجم تداول وصل إلى 1.8 ترليون يوان فحسب (أي ما يعادل 250 مليار دولار أميركي) وذلك حتى شهر حزيران من عام 2023. وحتى مع انطلاق تلك العملات الرقمية، يحتاج المرء على الأقل إلى ما يثبت فائدتها الفريدة من نوعها، كما ينبغي لتلك العملات أن تتقدم على الدولار بميزة مهمة ما، وأن تسبق أميركا بذلك.

عملة غير رائجة

ما تزال التهديدات المحتملة تلوح أمام الدولار، إذ قد يتسارع نمو نظم دفع بديلة وتداولات لا تحتاج إلى الدولار، إما بسبب تجاوز العقوبات الغربية أو نظراً لظهور آثار التشبيك المترتبة على تزايد العضوية. وفي حال كان نظام الدفع الصيني بين البنوك عبر الحدود هو المستفيد الرئيسي، فعندئذ قد ترتفع حظوظ اليوان إلى أعلى مستوياتها (على الرغم من أن القيود على رؤوس الأموال من شأنها أن تثير تحفظ المصارف المركزية الأجنبية تجاه الاعتماد على اليوان بوصفه عملة الاحتياطي لديها). أما الآن وحتى في الصين، كان العام الماضي أول عام تتجاوز فيه الدفعات عبر الحدود باليوان تلك الدفعات التي تمت بالدولار.

ومن خلال الحكم على الأمور عبر الاعتماد على عملة الاحتياطي السابقة التي اعتمدها العالم بأسره، أي الجنيه الإسترليني الذي هبط طوال عقود قبل أن يحل محله الدولار، فمن المحتمل لهذه التغييرات أن تستمر ببطء شديد، إلا إن ظهرت أزمة شديدة وصارت تضغط بقوة لتحقيق تحولات في النظام المالي العالمي والتي درسها هذا التقرير.

المصدر: The Economist