الإمارات السورية غير المتحدة وآخر أخبارها

2018.03.05 | 10:03 دمشق

+A
حجم الخط
-A

بنظرة إجمالية على خارطة سوريا، يمكن الحديث عن تقسيمها، كأمر واقع، إلى أربع "إمارات" قائمة، وأخرى موضع تجاذبات دامية.

تسيطر الإمارة الروسية – الأسدية على نحو 50% من أراضي سوريا السابقة، مقابل نحو 25% للإمارة الأميركية – الكردية في الشمال الشرقي. وفي الجنوب إمارة "خفض التصعيد" الأميركية – الروسية – الأردنية، يقابلها في الشمال إمارة درع الفرات التركية. تقع إدلب ذات الوضع المضطرب تحت وصاية ثلاثي الآستانة، روسيا وتركيا وإيران، وبجوارها عفرين الكردية التي يحتدم فيها الصراع الآن ولا يمكن التكهن بمآلاته.

تقع غوطة دمشق الشرقية جغرافياً ضمن نطاق الإمارة الأولى، ولذلك فهي تشهد الآن حرب إبادة لتهجير سكانها ومقاتلي التشكيلات الإسلامية فيها وصولاً إلى ضمها، كأرض فارغة، إلى إمارة الأسد "المتجانسة" الملحقة بروسيا. لكن مصيرها لم يحسم بعد، وإن كانت عوامل صمودها الخارجية قد نفدت، ليبقى وحيداً ويتيماً صمود أهاليها البالغ عددهم نحو نصف مليون. وكانت الغوطة الشرقية – ومعها ريف حمص الشمالي - موضوع صفقة "خفض تصعيد" قبل شهرين، بإشراف مصري – إماراتي، يبدو أنها انتهت إلى فشل، ليعود الروسي إلى تصعيد دموي بهدف ضمها إلى إمارتها الخاصة، بعد فشل مرتزقته في التمدد قرب مدينة دير الزور.

إلى الجنوب من العاصمة دمشق، يسود الهدوء عموماً في منطقة "خفض التصعيد" الوحيدة التي قامت بتوافق أميركي – روسي، قرب الحدود الأردنية، وليس بعيداً عن إسرائيل. وربما اعتبارات أمن هذه الأخيرة هي التي جعلت التوافق بين قطبي "الحرب الباردة الجديدة" ممكناً، فهما حريصتان، بالقدر نفسه، على أمن إسرائيل المدللة. ويتسرب من أروقة مطبخ القرارات الأميركي أن الإدارة الأميركية تدفع باتجاه تعميم "نموذج النجاح" هذا على المناطق الأخرى، لاستعادة التفاهم الروسي – الأميركي بشأن سوريا ككل، كما كانت عليها الحال أيام الثنائي كيري – لافروف.

"من المحتمل أن موسكو سلمت لواشنطن، كأمر واقع، بالبقاء في إمارتها شرقي نهر الفرات، مع تحفظ بشأن تحديد هدف جديد يبرر هذا البقاء بعد القضاء على دولة داعش الإسلامية"

ومن المحتمل أن موسكو سلمت لواشنطن، كأمر واقع، بالبقاء في إمارتها شرقي نهر الفرات، مع تحفظ بشأن تحديد هدف جديد يبرر هذا البقاء بعد القضاء على دولة داعش الإسلامية، وتبقى نقطة الخلاف بينهما هي الوجود الإيراني في سوريا. أما في شأن الكرد وطموحاتهم الاستقلالية، فلا تبدو تهويلات لافروف بشأن السعي الأميركي لإقامة كيان كردي مستقل مقنعة لأحد، بالنظر إلى رفض الأميركيين المعلن لذلك، كما إلى الحرص الأميركي على هواجس حليفتها التركية، والإصرار الأميركي على تطعيم وحدات حماية الشعب بالعنصر العربي تحت مظلة "قوات سوريا الديموقراطية". وفي الواقع العملي، تخلت واشنطن عن حليفها الكردي في عفرين بصراحة لا تشوبها أي شائبة، إلى درجة أن النظام الكيماوي هو الذي أبدى استعداده لنجدة وحدات الحماية في عفرين في مواجهة الجيش التركي، وأرسل "القوات الرديفة" من الأممية الشيعية إلى هناك.

يكاد لا يتسرب أي شيء عن الأوضاع في منطقة "درع الفرات" التركية، ربما بسبب حظر تركي لدخول وسائل الإعلام التركية وغير التركية. ما يظهر عن بعد هو نوع من الاستقرار الخارجي إذا جاز التعبير. بمعنى عدم تعرض المنطقة لهجمات جوية أو صاروخية من قوات الأسد، في نوع من حظر جوي غير معلن بضمانة روسية. أما على الأرض، فالأخبار الشحيحة الصادرة عن انطباعات فردية لا تدعو إلى التفاؤل. هناك كثيرون ممن عادوا بعدما قصدوا المنطقة من أجل الاستقرار، بسبب غياب فرص العمل وتجاوزات التشكيلات المسلحة "المعارضة" التابعة لتركيا.

أما في محافظة إدلب، فتدور الآن معارك طاحنة بين هيئة تحرير الشام (النصرة سابقاً) وجبهة تحرير سوريا التي يشكل أحرار الشام المدعومة تركياً عمودها الفقري. فهل صدر القرار من أنقرة بتصفية إرث النصرة نهائياً بما لا يترك ذريعة للروس والإيرانيين لابتلاع هذه المحافظة لمصلحة الإمارة الأسدية؟ الأيام القليلة القادمة كفيلة بالإجابة على هذا السؤال. لكن اللافت للنظر هو صمت النظام الكيماوي عن إقامة نقطة مراقبة تركية في منطقة العيس جنوب مدينة حلب مباشرةً، في إطار التفاهمات التركية – الروسية – الإيرانية، مقابل تنمره على الأتراك بشأن عفرين. كيف تكون عفرين أهم، بالنسبة للنظام، من محيط حلب المباشر؟ هذا ما يمكن تفسيره بالمكاسرة الإيرانية – التركية: ففي العيس توافق إيراني - تركي غير مهدد بصراع، تحت المظلة الروسية، في حين تأمل طهران، من وراء دمشق، بالحفاظ على "شوكة عفرين الكردية" في خاصرة أردوغان.

بالمقابل يحتمل أن تقدم واشنطن مدينة منبج هدية لأردوغان، بإبعاد وحدات الحماية الكردية عن المدينة، بما يلبي حاجته في حساباته الانتخابية في الداخل، مقابل رضوخ تركي بشأن مصير "ما وراء الفرات"، وعلى أمل إحداث مسافة بين تركيا وروسيا.

الخلاصة التي لن نتوقف عن تكرارها هي أن السوريين، كفاعل مستقل، هم العنصر الوحيد الغائب عن لوحة الشطرنج المعقدة الموصوفة أعلاه على أرضهم، يتصارع عليها الضواري فيما بينهم. لكنهم "الموضوع" الوحيد للقتل والتهجير.