الأسد في الإمارات، إشارات وتحولات

2022.03.23 | 05:20 دمشق

85-235424-whatsapp-image-2022-03-18-at-8.52.24-pm_700x400.jpg
+A
حجم الخط
-A

"قام الرئيس السوري، بشار الأسد، بأول زيارة له إلى دولة عربية منذ اندلاع الحرب الأهلية السورية قبل 11 عامًا".

هكذا جاء الخبر بالحرف على موقع أحد وكالات الأنباء العالمية، متجاهلين بذلك سنوات الثورة السورية التي دخلت في عامها الثاني عشر في اليوم نفسه بكلمات لا يمكن النظر إليها بطريقة حيادية، إذ إنه ومما لا شك فيه أن مفردات أي خبر صحفي لا يتم اختيارها بشكل عشوائي، بل تخفي رسالة حقيقية موجهة للرأي العام أو للمهتمين بقراءة الأخبار عبر الوسيلة المعنية.

في قراءة الخبر لا يمكن لمن ما زال يؤمن بأحقية الثورة السورية إلا أن يسجل تحفظه حول بعض المصطلحات:

التحفظ الأول: هو الإصرار من طرف وسائل الإعلام الغربية على تعميم مصطلح الحرب الأهلية للتغطية على جرائم النظام وجرائم داعش في الوقت نفسه، واعتبار أنهما خلاصة الصراع في سوريا، بهدف تغييب فكرة الثورة مع الوقت ومحاولة الهيمنة والتعتيم على أي فعل ثوري بتأطيره ضمن فكرة "الحرب الأهلية" وتوابعها، وهذا يخفي في مضمونه سبباً خفياً لتعامل المجتمع الدولي مع الحالة السورية بكل هذه اللامبالاة، ذلك أنهم يرون أن ما حصل لم يكن ثورة وإنما هو صراع على السلطة بين الطوائف والقوميات. 

الإصرار من طرف وسائل الإعلام الغربية على تعميم مصطلح الحرب الأهلية للتغطية على جرائم النظام وجرائم داعش في الوقت نفسه، واعتبار أنهما خلاصة الصراع في سوريا، بهدف تغييب فكرة الثورة

التحفظ الثاني: هي محاولة إظهار الأسد من خلال هذه الزيارة أو غيرها من التمهيدات الدولية التي سبقتها، على أنه رئيسٌ لسوريا وهذا في حد ذاته ينافي وجود حالة من اللااستقرار في البلاد ويعني تفرغ الرئيس لتعزيز العلاقات الدبلوماسية وأواصر العلاقات.

لن نخوض بسبب اختيار الرئيس الأسد المفترض تاريخ الثامن عشر من آذار لمعاودة ظهوره في زيارات رسمية وجلية ممثلاً سوريا التي صنعها بعد اختصار مهجريها وشهدائها ومعتقليها، ولا مجال للحديث عن الرسالة التي يمكن أن يتلقاها المنفيون السوريون في بلاد العالم أو ذوو المفقودين والمعتقلين ذلك أن ألمهم أكبر من هذه الزيارة أو غيرها.

ربما حان الوقت لنعترف بأن المواقف السياسية لا تتطابق مع ما ننتظره من العالم من مواقف أخلاقية، وأن للعالم حسابات تختلف عن حسابات حقوقنا وقضايانا ولا تمنعهم من استعادة أواصر العلاقات مع رئيس ارتكب فظائع وجرائم حرب بحق شعبه وما زال.

منذ فترة ليست بعيدة بدأت بعض الدول تغير من تعاملها مع النظام الحاكم في دمشق فتارة نشاهد غزلاً متنكراً باتفاقيات تعاون ومذكرات اقتصادية وتارات على شكل رسائل سياسية يحملها ممثلو الدول بين فترة وأخرى، ومن قبل ذلك إعادة فتح السفارة الإماراتية في دمشق فيما لا نجد ردات فعل حقيقية على إعادة التعويم الذي يبدو أنها تتم بطريق التدرج حتى يستطيع العالم هضمها مع الوقت.

يرتبط بقاء الأسد على كرسي السلطة مع ملف اللاجئين بطريقة لم يتمكن العالم من حلّ عراها حتى الآن، ولأن العالم ـ بعد تمدد الأحزاب اليمينية ـ بدأ يوضح ضيقه من تحمله أزمة اللاجئين التي طال أمدها، فهو ما زال يسعى بكل قوته إلى محاولة إعادة تقبل الأسد لدى السوريين والمجتمع الدولي، في الوقت نفسه بدأ كثير من السوريين يضيقون ذرعاً في بلاد اللجوء بشكل عام لأسباب اجتماعية في المقام الأول وثقافية وعاطفية، إضافة إلى حصول تضييق رسمي وغير رسمي في بعض البلاد التي سجلوا لجوءهم فيها، الأمر الذي جعل كثيرين منهم يفكر بالعودة إلى البلاد بشكل جدي، وبذلك يكون المجتمع الدولي قد ضرب عصفورين بحجر واحد، قبول التطبيع مع نظام الأسد الذي يستقبل اللاجئين العائدين برحابة صدر وتخفيف عبء أزمة اللجوء إلى حد ما، إلا أن الأمر إذا كان يمكن أن ينطبق على اللاجئين الإنسانيين الذين هربوا من آلة الحرب، فمن المستحيل أن ينطبق على اللاجئين السياسيين الذين لا يتمتعون بالأمان نفسه في بلاد ما زال يحكمها النظام السوري القائم وعصابته الحاكمة.

ربما حان الوقت لنعترف بأن المواقف السياسية لا تتطابق مع ما ننتظره من العالم من مواقف أخلاقية، وأن للعالم حسابات تختلف عن حسابات حقوقنا وقضايانا

إن تلميع صورة النظام السوري بمحاولة إخراج الأسد من عزلته ومحاولة إعادة تفعيل مقعد سوريا في جامعة الدول العربية أو تمرير مذكرات التفاهم والتعاون الاقتصادية وإعادة العلاقات الدبلوماسية، تشي بأن الملف السوري ماضٍ على نحو قد لا يرضي كثيراً من السوريين، ولكنه يتجه ليصبح أمراً واقعاً بعد تغير كثير من الشروط الدولية المحيطة وفي وضع فقد فيه كثيرون إيمانهم بجدوى الاستمرار وتحقيق نتائج سياسية مختلفة عما هي الآن.

وعلى الرغم من امتعاض أميركا وإبدائها عدم الرضى بشكل خجول عن تلك التحركات الدولية، إلا أن المجتمع الدولي اليوم يحاول اتباع سياسة "يبقى الحال على ما هو عليه" وهذا ما قد يجعل كثيراً منا يعتقد أن الأمر الواقع أفضل الموجود في ظل فوضى عالمية ومقارنة بالسيناريوهات الأشد سوءاً بالتوازي مع حالة تفتت الرأي السوري وعدم الاتفاق على صيغة واضحة لإحداث التغيير.

تبدو الطرقات في هذه الفترة محدودة وربما غير مجدية لتحقيق التغيير المأمول لكن ما نحتاجه لدعم الثورة ليس إنعاشاً وحسب، وإنما يتبين الاستحقاق الحقيقي بضرورة الحفاظ على التوثيق كي نحفظ عدم تشويه الأحداث الحقيقية في مواجهة مجتمع دولي قد يختار استمرار الوضع القائم وفقاً لمصالحه، وآلات إعلامية تحاول طمس الحقيقة بمصطلحات ملغومة، الأمر الثاني هو متابعة ودعم جهود الفرق القانونية التي تفتح ملفات أعضاء النظام السوري الحاكم وأجهزته الأمنية أمام القضاء وإثبات تورطهم في أروقة المحاكم الدولية بارتكاب جرائم حرب كي تتخذ العدالة مجراها.