icon
التغطية الحية

الأرض في الشمال السوري.. خيارات الأهالي بين البيع والحفاظ على الموروث

2023.10.19 | 06:08 دمشق

الأرض في الشمال السوري.. خيارات الأهالي بين البيع والحفاظ على الموروث
صورة جوية لمدينة اعزاز - تصوير: محمود غنيم
+A
حجم الخط
-A

"الأرض هي العرض".. بهذه الكلمات عبّر الحاج حسين محمد /67/ عاماً من مدينة اعزاز شمالي حلب، عن موقفه تجاه بيع بعض أهالي المدينة أراضيهم، فهو يعتبر الأرض جزءاً من هويته التي ورثها عن أجداده، وسيبقى محافظاً عليها حتى مماته.

الظروف الاقتصادية والاجتماعية الصعبة، وتأثّير ظروف الحرب في سوريا، يراها البعض أنها من أبرز الأسباب التي تجعل بيع الأراضي خياراً لا بد منه في بعض الحالات، هذا ما أكّده "مصطفى خلف" من قرية كفرغان بريف مدينة اعزاز عندما اضطر إلى بيع جزءٍ من أرضه لإكمال تعليم أحد أبنائه في تركيا، بعد قبوله في كلية الطب البشري بإحدى الولايات التركية.

يبقى "مصطفى" بين خيارين، إما بيع الأرض وتأمين مستقبل أفضل لأولاده، أو الاحتفاظ بجزء من تاريخه وهويته، فبيع الأراضي هو استراتيجية حياتية تتّسم بالضرورة والتكيف مع الظروف الراهنة.

ركود في سوق العقارات بمدينة اعزاز.. ما الأسباب؟

تُعرف مدينة اعزاز بتاريخها التجاري قبل الثورة السورية، كونها منطقة على الحدود السورية – التركية، عدا عن تأثيرها الاقتصادي المتجذّر في الزراعة والتجارة التي تُعتبر عموداً فقرياً لاقتصاد المدينة، وتجذب العديد من التجار ورجال الأعمال لإقامة أعمالهم فيها، وتتميز المدينة بأسواقها النابضة بالحياة والمتنوعة التي تعكس تنوع البضائع والمنتجات المتاحة.

يقول "إبراهيم الحسن" وهو صاحب مكتب عقاري في مدينة اعزاز إن حركة بيع وشراء الأراضي تراجعت بنحو 50% عقب الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا في شباط بداية العام الجاري، بعد أن شهدت المدينة وأريافها طفرةً في عمليات بيع وشراء للأراضي، مشيراً إلى أن معظم الذين يشترون في المنطقة هم من التجار وأصحاب رؤوس الأموال، منهم بداعي السكن والبعض للاستثمار، مؤكداً أن العرض كثير في المنطقة أما الطلب فضعيف مقارنةً بالسنوات الماضية.

وأوضح عدد من المستثمرين لموقع تلفزيون سوريا أنهم خففوا من وتيرة شراء العقارات كما أوقفوا استثماراتهم في قطاعات تجارية وصناعية أخرى في المنطقة، بعد الاشتباكات التي بدأت نهاية العام الفائت بين الفيلق الثالث المسيطر على منطقة اعزاز وتحالف هيئة تحرير الشام، وهي اشتباكات تجددت مرات عدة كان آخرها شهر أيلول الفائت.

وأشار "الحسن" إلى أن سعر الأرض يختلف من حيث المساحة والإمكانية التنموية للأرض والبُعد عن محيط المدينة، فإذا كانت الأرض بعيدة عن المدينة، فتُباع بالشجرة أو الدونم أو الهكتار، أما إذا كانت قريبة من المدينة فتباع بالأمتار.. وبالدولار حصراً.

المتر المربع بـ 200 - 300 دولار أميركي

يصل سعر المتر المربع للأرض وفق تصريح معظم أصحاب المكاتب العقارية إلى /200 – 300/ دولار أميركي، في حال كانت الأرض داخل مدينة اعزاز، أما في محيطها فيتراوح سعر المتر المربع بين /20 - 40/ دولاراً أميركياً، وفي بعض القرى المجاورة إلى أقل من ذلك، فعلى سبيل المثال يصل سعر المتر المربع في مدينة كفرغان القريبة من مدينة اعزاز إلى نحو /13/ دولاراً، وكحد أقصى /20/ دولاراً أميركياً، وفي مدينة صوران يتراوح سعر المتر بين /15/ و /35/ دولاراً، وهي في تزايد وفق ما أخبرنا به "محمد الصالح" وهو من أهالي مدينة صوران، معللاً ذلك بسبب كثرة الطلب على الشراء لتطور المدينة الملحوظ في الآونة الأخيرة، وذلك من خلال الكثافة السكانية والتجارة والاستثمارات فيها والأسواق الضخمة، والتي تُعتبر منطقة مرغوبة ورخيصة مقارنةً بمدينة اعزاز.

تلعب العادات والتقاليد الموروثة لدى الأهالي في مناطق ريف حلب الشمالي، دوراً في عمليات البيع والشراء، وتختلف من منطقة إلى أخرى، ففي قرى مدينة أخترين مثلاً يعرض البائع الأرض على جاره الذي بمحاذاته (التخم)، حتى لو بسعر أقل محاولاً عدم بيع الأرض لشخص من خارج القرية على حد تعبير أهالي المنطقة، ففكرة أن يشتري رجل من خارج القرية أرضاً في قريتهم غير واردة لديهم، كونهم ورثوها عن أجدادهم.

وعلى العكس يتم بيع الأراضي في قلب مدينة اعزاز لكافة الراغبين بالشراء سواءً نازحين أو من أهالي المنطقة.

وتتم عملية "الفراغة" بشكل عام إما عن طريق مكتب عقاري، أو من خلال محامي ومن ثم في يتم تثبيت البيع والشراء في المحكمة أصولاً.

تأثير الترحيل من تركيا على سوق العقارات

تزداد رغبة اللاجئين السوريين المقيمين في تركيا، والذين لايملكون قطعة أرض شمالي سوريا، في شراء قطعة أرض في الشمال السوري، نظراً للظروف الصعبة التي تواجههم خلال حملة الترحيل الأخيرة، والتضييق عليهم، حيث لجأ بعضهم إلى البحث عن الاستقرار وإعادة بناء حياتهم بما يتماشى مع الظروف الذي فرضها عليهم الواقع، تحسباً من أي قرار ترحيل مفاجئ بحقهم.

تناقض عميق بين حفظ الأرض كجزء من الهوية ومواجهة الواقع الاقتصادي والاجتماعي الصعب، فرضه عليهم الواقع، وفي الوقت الذي يحتفظ فيه بعضهم بالأرض كذكريات عائلية وجزء من تاريخهم، يضطر آخرون إلى بيعها لضمان مستقبل أفضل لعائلاتهم.

تحدٍ يعكس صمود وتكيف السوريين مع التحولات المؤلمة في وطنهم، آملين في تحقيق استقرار جديد في ظل الظروف الصعبة التي يواجهونها.