icon
التغطية الحية

اقتصاد منهار.. كيف تدفع الأندية السورية للاعبي كرة القدم؟

2020.10.09 | 14:57 دمشق

695899127.jpg
هاآرتس- ترجمة وتحرير: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

"إنه يعاني من مصيبة"، هذا ما قاله لنا إياد السباعي رئيس نادي الوثبة في مدينة حمص السورية، ذلك النادي الذي أحرز المرتبة الثانية في الموسم الماضي لدوري كرة القدم في سوريا.

لم يكن السباعي يشير بقوله هذا إلى الأزمة الاقتصادية التي تعاني منها سوريا والتي بدأت قبل تسع سنوات مع بداية الحرب، بل كان يقصد بذلك أسعار السلع الأساسية التي قفزت مئات الأضعاف خلال العامين الماضيين.

ثم أخذ يرثي لحال كرة القدم السورية بعدما أصبح نجوم كرة القدم في سوريا يطالبون برواتب غير منطقية قبل افتتاح الموسم الثاني بعد ظهور فسحة الانتقال حيث أصبح بوسع اللاعبين تبديل الأندية.

وحول هذه النقطة يتحدث السباعي ويقول لمحطة France 24 الفرنسية: "أصبح اللاعبون الذين لعبوا معنا مرة مقابل مبلغ معقول يطلبون اليوم مبالغ فلكية، ويقولون لنا أن ذلك يعود لانخفاض قيمة العملة" أي العملة السورية. ويتابع: "تم نقل اللاعبين خلال العام الماضي مقابل مبلغ زهيد يعادل 35 مليون ليرة سورية" (أي 17500 دولار بسعر السوق السوداء). غير أن السباعي يرى اليوم بأن اللاعبين يطالبون برواتب تصل إلى 60 مليون ليرة (ما يعادل 30 ألف دولار) عن كل موسم".

وقد كلفت عملية بيع أحد النجوم لفريق آخر في السابق مبلغاً تراوح ما بين 70 ألف دولار إلى 80 ألف دولار عن كل موسم، ولكن اليوم قد يصل المبلغ إلى أرقام فلكية تصل إلى مليون دولار للموسم حسب ما ذكر السباعي. يذكر أن أندية النخبة في سوريا تعود ملكيتها للدولة، إلا أن جزءاً كبيراً من ميزانيتها يقدمه مانحون ومعجبون، بيد أن معظمهم أصبح يعاني الأمرين على المستوى الاقتصادي بسبب هبوط قيمة العملة السورية إلى حد كبير.

وفي الوقت الذي يعترف فيه اللاعبون في أرفع المستويات بأن أجورهم تعتبر أعلى من متوسط الأجور في سوريا، والتي تعادل 25 دولاراً في الشهر، يقولون بأنهم يطالبون اليوم برواتب أعلى بسبب خوفهم من المستقبل، نظراً لمدة احترافهم القصيرة نسبياً، وحاجتهم لادخار المال لليوم الأسود. إلا أن تفسيرهم الأساسي لذلك يقوم على فكرة أنهم ليس بوسعهم فقط أن يطلبوا تلك المبالغ، بل ويمكنهم أن يحصلوا عليها فعلاً.

هذا ولا تختلف الفقاعة المالية التي تحيط بأندية كرة القدم في سوريا عن تلك التي تقوم بحماية المقربين من النظام، أي كبار البيروقراطيين، لا سيما الوسطاء الذين يتلخص دورهم في تأمين السلع الاستهلاكية التي تعجز البلاد عن استيرادها بسبب العقوبات الدولية المفروضة على سوريا. وفي تلك العملية يحصل كل شخص على أكبر قضمة بوسعه أن يقضمها من تلك الكعكة. ثم إن براعة وعلاقات هؤلاء الوسطاء أصبحت على المحك مرة أخرى، ما دفعهم إلى البحث عن ثغرات في نظام العقوبات وذلك عبر التعامل مع شركات ورجال أعمال من خارج سوريا.

ومنذ شهر حزيران/يونيو المنصرم، أصبح الوسطاء في مواجهة تحديات جديدة، تتمثل بقانون قيصر الأميركي لحماية المدنيين في سوريا، والذي دخل حيز التنفيذ وأدى إلى فرض عقوبات جديدة على كل الشركات والأفراد الذين يقومون بأي نشاط تجاري مع النظام، ولكن، كما هو دأبهم، كلما كانت المشكلة أكبر كبر معها الأجر الذي يمكن لهؤلاء السماسرة أن يحصلوا عليه مقابل خدماتهم.

على حافة المجاعة

إن هذا النظام يعمل وفقاً لقانون الفيزيائي الفرنسي بليز باسكال وهو قانون الضغط المساوي في الشدة الذي خرج علينا به في القرن السابع عشر، إذ كلما زاد ما يحصله الوسطاء، قل ما يشتريه العامة، وذلك لأن العامة في هذه الحالة سيدفعون أكثر بكثير مقابل السلعة ذاتها. ولهذا تبدو العقوبات التي أعدت للإضرار بالنظام السوري وكأنها تزيد من آلام عموم الناس، وبوسعنا أن نتبين ذلك من خلال البيانات التي تشير إلى المواد التي قل توفرها في السوق والتي نشرتها وكالات إغاثية ومؤسسات تابعة لهيئة الأمم المتحدة.

إذ مؤخراً نشرت منظمة أنقذوا الأطفال وهي منظمة إغاثية تقريراً أوردت فيه بأن حوالي 700 ألف طفل في سوريا أصبحوا على حافة الجوع، في حين يعاني 4.6 آلاف طفل آخر من انعدام الأمن الغذائي إذ لم يتناول أي منهم تفاحة أو برتقالة منذ أكثر من ثلاثة أشهر.

وتبدو الأوضاع أسوأ في شمال شرقي سوريا، إذ لم يتناول ربع الأطفال القاطنين هناك حبة فاكهة منذ أكثر من تسعة شهور، كما أصبح اللحم الأحمر والأبيض من السلع التي يندر وجودها، ولهذا استعاض الأهالي عنها بالأرز والحبوب. ثم إن جميع المساعدات الغذائية التي تقدم للعائلات السورية لا تسد سوى 11% من احتياجاتها.

وفي الجنوب السوري، تمت إعادة فتح المعبر الحدودي بين سوريا والأردن بعد سنوات على إغلاقه، كما سمحت السعودية بمرور حوالي 200 شاحنة سورية عبر أراضيها وهدفها تصدير السلع والمنتجات. وقد ساعد تخفيف القيود على الحدود العاملين في مجال الزراعة والصناعة، إلا أن ذلك جاء على حساب المواطن السوري العادي، وذلك لأن الفلاحين يفضلون تصدير منتجاتهم بدلاً من بيعها في الأسواق المحلية، مما يتسبب بخلق حالات نقص جديدة بالنسبة للإنتاج، الأمر الذي يؤدي إلى زيادة إضافية في الأسعار.

هذا وتقوم الحكومة في سوريا اليوم بإعداد ميزانية عام 2021، وتقدم ما يبدو كأنه أرقام تدعو للتفاؤل، لكونها تدور حول تقديم معونة إضافية للمحتاجين، إلى جانب طرح ميزانية عامة تعتبر الأضخم في تاريخ سوريا، بما أنها تشتمل على حصة مناسبة في تمويل تنمية البنية التحتية والصناعة.

ولكن مع هذه الأرقام التي تشبه غيرها مما تنشره الحكومة لم تخف الخديعة على أحد. إذ يمكن القول أن هذه الميزانية ضخمة إذا عاينا الأرقام بالليرة السورية، حيث من المقدر أن تصل لأكثر من 9 مليارات دولار، ولكن ذلك حسب سعر الصرف الذي يعادل 434 ليرة للدولار. أما في الحقيقة، فبعد الهبوط الحر لليرة السورية التي وصلت إلى 1260 ليرة مقابل الدولار الواحد وبوجود سعر الصرف الحقيقي وانتشاره في السوق السوداء والذي وصل لأكثر من 2260 ليرة مقابل الدولار، تصبح القيمة الحقيقية لهذه الميزانية بحدود 3.5 مليارات دولار أميركي، وثلثها مخصص لتسديد الديون.

وقيل إن ميزانية التنمية ستعمل على تأمين 70 ألف وظيفة جديدة، إلا أن تجربة العام الماضي أثبتت بأن تلك التوقعات لا يمكن الاعتماد عليها. فمن بين 188 مشروعا وعدت به الحكومة، والذي من المقرر أن يطرح 8600 وظيفة جديدة، لم يتم تنفيذ سوى 16 مشروعا منها، كما لم تؤمن جميعها إلا 680 فرصة عمل.

"المعجزة" السورية

ما تزال سوريا تنعم بحدود الائتمان التي وضعتها إيران تحت تصرفها، غير أن مداها غير معروف. فالسوريون يشترون معظم القمح من روسيا مقابل حصول الأخيرة على عقود آجلة. ثم إن معظم العائدات التي تحصلها الحكومة من الرسوم والضرائب بالكاد تغطي أقل من نصف نفقاتها.

وهنا تكمن المعجزة التي لا يمكن تفسيرها: إذ كيف لدولة وضعها مثل وضع سوريا أن تظل قائمة من الناحية الاقتصادية، بل كيف ما يزال بوسعها أن تدفع رواتب جيدة للاعبي كرة القدم؟

إن هذه الفكرة بحد ذاتها تذكرنا بتساؤل مشابه طرح قبل عقدين من الزمان وذلك عندما أدركت الولايات المتحدة بأن العقوبات القاسية التي فرضتها على العراق لن تبعد الرئيس صدام حسين عن السلطة قدر أنملة، ولذلك قررت الولايات المتحدة بعدها أن تشن حرباً ضد هذا الرجل.

كما يتعين على مؤيدي العقوبات ضد إيران أن يواجهوا هذا التساؤل، فإيران دولة ما تزال تتمتع بإمكانات اقتصادية أكبر بكثير من تلك التي يتمتع بها كل من العراق وسوريا، حتى بعد فرض كل تلك العقوبات عليها.

المصدر: هاآرتس