icon
التغطية الحية

اعتداءات أنقرة.. السوريون ضحايا خطاب المعارضة العنصري في تركيا

2021.08.12 | 21:14 دمشق

اعتداءات أنقرا- تلفزيون سوريا
من الاعتداءات على السوريين في أنقرة 11-08-2021 (رويترز)
إسطنبول- أحمد طلب الناصر
+A
حجم الخط
-A

قضى اللاجئون السوريون المقيمون في منطقة (ألتن داغ) بالعاصمة التركية أنقرة، ليلة أمس، الأربعاء- الخميس، بحالة من الرعب والهلع المتنامي من جراء الاعتداءات التي شنّها العشرات من الشبّان الأتراك واستهدفوا فيها محال ومنازل وممتلكات السوريين احتجاجاً على مقتل مواطن تركي بعد طعنه على يد شاب سوري يقيم في المنطقة.

وتواصلت حالات الاعتداء لتشمل حيي (أوندر) و(أولو بيه) ابتداء من الساعة التاسعة من مساء أمس الأربعاء، وذلك بعد انتشار نبأ وفاة الشاب التركي (أميرهان يالجين) الذي تعرّض للطعن على يد شاب سوري أثناء شجار اندلع مساء الثلاثاء بين مجموعتين من السوريين والأتراك في حي (باتال غازي) بمنطقة (ألتن داغ) في أنقرة.

"آخر ليلة للسوريين"

طالبة سوريّة في جامعة أنقرة وتقيم في منطقة ألتن داغ، تقول لـ موقع تلفزيون سوريا إن "الاعتداءت استهدفت مناطق تجمّع السوريين في ألتن داغ، وكانت أعداد المحتجين كبيرة جدًا" مضيفة أنهم "هجموا بوحشية فكسروا وخرّبوا المحال وحرقوا محتويات بعضها، بينما أقدمت فئة على سرقة بعض المحتويات".

وأوضحت أن قسماً آخر من المحتجين "داهموا منازل الناس وألقوا عليها الحجارة وهم يرددون: "هذه آخر ليلة للسوريين هنا". وأضافت: "بعض المشاركين كانوا يدلّون مجموعات المحتجين على منازل ومحال السوريين لمداهمتها".

وتقدّر إحدى اللاجئات السوريات المقيمات في الحيّ (طلبت عدم الكشف عن اسمها) أن عدد المشاركين فاق الـ1500 محتجّ، بحسب ما أفادت لـ موقع تلفزيون سوريا. مضيفة أن السلطات لم تتمكن من التدخّل في بداية الأمر نظراً لاندفاع المعتدين واكتفوا بالقول لهم: "توقفوا عن التخريب".

واستمرت أعمال العنف والاعتداءات حتى الساعة الـ2 ليلاً بحسب الطالبة التي أكّدت وقوع إصابات بين السوريين وخصوصاً الأطفال. وتختم بالقول: "رغم ما حصل، فإن غالبية أهالي المنطقة من الأتراك لم يشاركوا في الاعتداءات والتخريب، وكانوا يطلبون من المحتجين الكفّ عن ذلك".

ويقدّر عدد اللاجئين السوريين المقيمين في (بتال غازي) التي يبلغ عدد سكانها 50 ألفاً، بنحو 10 آلاف شخص، بحسب هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) التي نقلت عن سكان الحي قولهم إن المشكلات مع السوريين ازدادت بشكل خاص في السنوات الأخيرة، وأنهم لم يعودوا يريدون مهاجرين في حي بتال غازي.

ونقلت الـ بي بي سي أيضاً عن أحد المواطنين الأتراك في الحي قوله "إن السوريين مرتاحون للغاية عند فتح وإغلاق المحال التجارية. يقسمون متجراً واحداً إلى ثلاثة ويؤجرونه بثلاثة متاجر مختلفة. البلدية أو محافظ المنطقة لا يمنعون ذلك، بل على العكس، يتغاضون عنه. إنهم لا يدفعون الضرائب. أو الحصول على تراخيص، لكنهم يبيعون كل أنواع الأشياء في هذه المحلات".

اعتداءات على السوريين وممتلكاتهم

نقل موقع "يورو نيوز" عن سيدة سورية تعرض بيتها للرشق بالحجارة أنها ما تزال مصدومة من الحادثة. وقالت السيدة إنها كانت خائفة للغاية عندما سمعت صراخ الحشود المتجمعة في الشارع: "هل هذا المنزل سوري أم تركي؟" وذلك بقصد الهجوم عليه.

وأوضحت السيدة أن الشرطة حضرت إلى مكان الحادث لكنها لم تتدخل، فقالت: "أريد أن تتدخل الدولة. لكن ما الفائدة. أعلم أن شيئًا لن يحدث" وفق الموقع.

وأضافت أنها كانت تخشى الخروج، موضحة أنها لم تخرج اليوم من المنزل وقالت: "لم أذهب إلى السوق. كيف سأخرج؟ وكيف سأحصل على حليب لطفلتي؟ أنا خائفة جداً".

 

 

وانتشرت عشرات الصور والتسجيلات المصوّرة على مواقع التواصل الاجتماعي تُظهر حالات الاعتداء ، ولم تقتصر على صفحات الناشطين السوريين والأتراك المستنكرين لها فحسب، بل انتشرت عبر صفحات وحسابات أطراف المعارضة التركية والمحرضين على العنصرية ضد السوريين.

 

 

وفي تغريدة على حسابه في تويتر، وصف الكاتب والصحفي التركي "يوسف قبلان" ما جرى في ألتن داغ من مهاجمة منازل وسيارات ومتاجر السوريين بأنه "نموذج حقير للفاشيين الغربيين".

 

 

بينما دعا أحد المواطنين الأتراك السلطات التركية بمحاسبة ما وصفهم بـ "المشرّعين" والمحرضين لأعمال العنف لأنهم "الجناة الحقيقيون" بحسب وصفه، في إشارة إلى كل من السياسي التركي المعارض والمحرّض على العنصرية ضد السوريين (أوميت أوزداغ) وزعيمة حزب "الجيد" (ميرال أكشنار).

القبض على مثيري الشغب والاعتداءات

ونشر حساب ولاية أنقرة على تويتر تغريدة أشار فيها إلى "انتهاء بعض المظاهرات والأحداث التي جرت في منطقة ألتين داغ نتيجة لهدوء مواطنينا والعمل الجاد لقواتنا الأمنية. يرجى من شعبنا عدم تصديق الأخبار والمنشورات الاستفزازية".

 

 

من جهتها، قالت صحيفة "hurriyet" التركية إن قوات الأمن التركية ألقت القبض على 76 شخصاً شاركوا في حملات العنصرية والاعتداء على أملاك السوريين في منطقة ألتن داغ بالعاصمة أنقرة.

وقالت مديرية الأمن بأنقرة في بيان لها إن 38 من المعتقلين لديهم سوابق جنائية لجرائم مختلفة.

وأضافت: "بعد الحادث المؤسف الذي وقع في العاشر من الشهر الجاري في منطقة ألتن داغ، نشر أشخاص مشاركات "غير واقعية" على وسائل التواصل الاجتماعي من أجل استفزاز مواطنينا".
وتابعت أنه "تم القبض على 76 شخصا تبين تورطهم في حوادث الاعتداء، مضيفة أنّ 38 من المقبوض عليهم مقيدون مسبقاً بتهم تتعلق بالنهب والإصابة المتعمدة والسرقة وحيازة المخدرات والاتجار بها".

 

 

تصريحات متفاوتة للسياسيين الأتراك

 وكتب نائب رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم (عمر جيليك) في تغريدة، اليوم الخميس: "نحن لا نسمح لأي شخص في بلدنا بالقيام باستفزازات تحت ستار اللاجئين، كما لا نسمح لأولئك الذين يحاولون إثارة الكراهية ضد اللاجئين. تجربتنا التاريخية كافية لحماية المظلوم والقضاء على كل أنواع المخططات الفوضوية".

 

 

أما (ليلى شاهين أسطة) النائبة أيضاً لرئيس حزب العدالة والتنمية، فقالت في تغريدة لها على تويتر: "إن مهاجمة الأطفال الأبرياء بالاستفزازات أمر غير معقول".

وأضافت أنه "لا يمكن أن تُنسب الجريمة التي يرتكبها شخص ما إلى أشخاص آخرين. كل مذنب سينال العقوبة اللازمة. أولئك الذين يحاولون زعزعة وحدتنا لا ينبغي منحهم فرصة".

من جانب آخر، كتب رئيس حزب الشعب الجمهوري المعارض (كمال كليتشدار أوغلو) في تغريدة له على تويتر مساء أمس بالتزامن مع أعمال العنف: "سنحل مشكلة اللاجئين هذه؛ وبالطبع سنفعل ذلك بحس سليم. سنرسل ضيوفنا بالطبول والكلارينيت. يرجى التزام الهدوء والثقة".

 

 

اللجنة السورية التركية المشتركة: نعمل على تحويل ملف اللجوء من سياسي إلى إنساني

بدورها، قالت مديرة الاتصال في "اللجنة السورية – التركية المشتركة" التابعة للائتلاف السوري المعارض، إيناس النجار، إن الحادثة الفردية "تمّ استغلالها سياسياً بشكل كبير، والليلة الماضية كانت قاسية جداً على السوريين في ألتن داغ".

وأضافت في حديث خاص لـ موقع تلفزيون سوريا: "نحمّل المسؤولية لجميع المحرّضين على الفتنة من خلال إطلاقهم خطابات الكراهية والعنصرية ضد اللاجئين السوريين. فالرعب الذي عاشه السوريون بأطفالهم ونسائهم وشيوخهم ليلة البارحة، هو أشدّ من القتل".

وأوضحت النجار بأن اللجنة السورية التركية المشتركة تتابع القضية قانونياً لمحاسبة كل من المحرضين وإيقافهم عند حدّهم عبر القانون. وأشارت إلى أن اللجنة أجرت العديد من الاتصالات مع مختلف الأطراف الفاعلة في الحكومة التركية حتى تم وقف الاعتداءات.  

وأكّدت مديرة الاتصال في اللجنة أن "المسؤولين الأتراك دخلوا المنطقة بعد إيقاف الاعتداءات وتمكنوا من توثيق جميع الأضرار ووعدوا بتقديم التعويض لجميع المتضررين. كما تمكّنا من زيارة الطفل السوري المصاب مع عائلته (إبراهيم هدهد) والاطمئنان عليهم".

وأشادت النجار بموقف مؤسسة الهلال الأحمر التركي "لإنقاذها سيدة سورية"، بالإضافة إلى مواقف العديد من المواطنين والمسؤولين الأتراك الذين تضامنوا مع السوريين في المنطقة وطالبوا بمحاسبة جميع المعتدين عليهم "وكانت لهم مواقف إيجابية في التصدي للحملة العنصرية".

ودعت السوريين المقيمين في تركيا إلى ضبط النفس وعدم الانجرار إلى استفزازات بعض الأطراف التركية التي تتقصد إثارة المشكلات، وأن يتم التعامل معها من خلال إبلاغ السلطات التركية.

وختمت: "الفتنة جداً كبيرة، ويجب أن نكون يقظين وواعين للمسألة، ونحن نعمل الآن من أجل تحويل ملف اللجوء في تركيا من ملف سياسي إلى إنساني، وهي الحالة الطبيعية" بحسب تعبيرها.

الخطاب العنصري ضد السوريين في تركيا

وأخذ خطاب الكراهية والعنصرية ضد السوريين منحى تصاعدياً منذ انتخابات البلدية الأخيرة في تركيا، في آذار 2019. وبلغ ذروته بعد إعادة التصويت على رئاسة بلدية إسطنبول في حزيران من العام نفسه وفوز ممثل حزب الشعب الجمهوري المعارض، أكرم إمام أوغلو. حيث أدّت التصريحات العنصرية التي أطلقها ممثلون عن حزب الشعب والحزب "الجيد" إلى إثارة أحداث شغب واعتداءات ضد السوريين وممتلكاتهم انطلقت من منطقة (إيكي تلي) غربي مدينة إسطنبول.

وما لبثت أن انتشرت أعمال العنف ضد السوريين لتشمل ولايات أخرى من بينها أضنة وغازي عنتاب وأورفة، بالتزامن مع  إطلاق حملة أمنية واسعة ضد السوريين المخالفين الذين يحملون "بطاقة الحماية المؤقتة" (كيملك) صادرة عن ولاية غير إسطنبول، وضد غير الحاصلين على البطاقة أساساً، وترحيل عدد منهم إلى سوريا.