icon
التغطية الحية

إيكونوميست: كيف تسببت حرب بوتين بزعزعة الاستقرار العالمي

2022.12.29 | 18:03 دمشق

صورة تجمع بين الرئيس التركي والإيراني والروسي
صورة تجمع بين الرئيس التركي والإيراني والروسي
Economist - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

عندما يتصارع فيلان، ينسحق العشب بين أرجلهما أو كما يقول المثل بالعامية الدارجة: "الضعيف بيروح بين الرجلين"، ولكن ما الذي يحدث عندما يهاجم دب ضخم مخلوقاً ضعيفاً ثم يخرج من تلك المنازلة بأسوأ حال؟ للأسف لا يوجد مثل شعبي يصف هذه الحالة. ومع ذلك، يعتبر هذا السؤال حاسماً بالنسبة للقوى ذات القوة المتوسطة في عام 2023، وذلك لأن الضربات القاسية التي وجهتها أوكرانيا لفلاديمير بوتين غيرت الكثير من الحسابات الجيوسياسية.

قلق كازاخي

إن خسر بوتين، فإن بعض الدول التي تهاب روسيا مثل دول البلطيق، لن تخشاه كما كانت من قبل، في حين ستقلق دول أخرى لأنها لم تتوقع لروسيا الهزيمة. ثم إن بوتين لم يهدد كازاخستان بحياته بشكل مباشر، على الرغم من أنها مثلها مثل أوكرانيا، تشترك مع روسيا بحدود طويلة ولديها أقلية ناطقة باللغة الروسية. إلا أن منتقدي بوتين من القوميين الروس صاروا يشجعونه على تقطيع أوصال تلك الدولة، واقتطاع جزء من أرضها بهدف "حماية" العرق الروسي من بطش غير موجود إلا في أوهامهم. وأكاذيب هؤلاء حول كازاخستان تشبه بشكل مخيف أكاذيبهم عن أوكرانيا، وأولها امتلاكها لمختبرات تجهز لحرب بيولوجية قريبة من الحدود الروسية مثلاً، وتخطيط أوكرانيا لحظر تعليم اللغة الروسية في المدراس، ولكن بصرف النظر عمن سينتصر في حرب أوكرانيا، أصبح لدى شعب كازاخستان سبب للقلق والتوتر.

ماذا سيحدث لدول التاج السوفييتي؟

يوحي الغزو الروسي لأوكرانيا بأنه لا دولة سبق وأن حكمتها موسكو ظلت آمنة، وعليه، فإن الدول التي يمكنها تمتين الأواصر مع حلف شمال الأطلسي ستنطلق لتمتن تلك العلاقات معه، وهذا ما تسعى إليه كل من جورجيا وملدوفا، في حين أن الدول التي لا تتوقع من حلف شمال الأطلسي أي مساعدة واقعية، مثل كازاخستان أو قيرغيزستان أو طاجيكستان، فستسعى لتعميق علاقاتها مع الصين، إذ في حال مد سكك حديدية وإقامة مصانع صينية على أراضيهم، يصبح احتمال غزو روسيا لتلك الدول بعيداً بحسب افتراضاتهم. إلا أن الأنظمة الوحيدة التي يرجح لها أن تتقارب مع روسيا في عام 2023 ستصبح منبوذة مثلها، وعلى رأسها إيران التي تحتاج لشريك ودود في مجال التجارة ولصديق في مجلس الأمن.

لوكاشينكو وبوتين قصة استبداد لا تنتهي

بيد أن الأنظمة التي تعتمد على الدعم الروسي سيتنابها قلق أكبر، فقد استطاع حاكم بيلاروسيا المستبد، ألكساندر لوكاشينكو، التمسك بالسلطة بفضل دعم بوتين له. وبالمقابل، سمح للأخير باستخدام الأراضي البيلاروسية كمنصة لانطلاق الهجمة الروسية على كييف عاصمة أوكرانيا، والتي فشلت بشكل مرعب. ولذلك صار لوكاشينكو متحمساً لعدم الخوض في وحل تلك الحرب أكثر، بما أن غالبية البيلاروسيين لا يؤيدونها، ويدفعهم ذلك للسخرية بشكل أكبر من رئيسهم الذي بقي بالسلطة بفضل الانتخابات المزورة، إلا أن بوتين لن يفتأ يضغط عليه.

ما مصير عمليات فاغنر في أفريقيا؟

أما في أفريقيا، فتدعم مجموعة فاغنر وهي شركة مرتزقة يديرها أحد أصدقاء بوتين المقربين، الحكومات المستبدة في كل من جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي، إلى جانب دعمها لأمير الحرب في ليبيا، وتلك العمليات تعتمد على تمويل ذاتي على الأغلب، وهذا التمويل يأتي عبر صفقات معادن مشبوهة. إلا أن قسماً من بلطجية فاغنر قد تم استدعاؤهم للقتال في أوكرانيا، وفي حال خسرت عمليات فاغنر في أفريقيا ذلك الدعم السري الذي تقدمه دولة روسيا، عندها ستحارب تلك المجموعة لتبقي عملاءها في السلطة.

أيام جميلة تنتظر الدول المصدرة للطاقة

وبالنسبة للدول المنتجة للطاقة فإنها ستكتشف بأن نفوذها الدبلوماسي يتعزز ويقوى طالما بقيت الحرب التي عطلت أسواق الطاقة قائمة. فالسعودية التي يأتيها المال من كل حدب وصوب لن تحس بعد الآن بذلك الضغط الذي يطالبها بتحسين سجل حقوق الإنسان لديها أو بتنويع مصادر الاقتصاد. في حين لابد وأن تشهد الدول الموردة لبدائل عن الغاز الروسي ازدهاراً كبيراً، إذ أخذت أوروبا تغدق الأموال على قطر بما أنها من الدول المهمة التي تصدر الغاز الطبيعي المسال، بل حتى مصر التي نشب بينها وبين قطر خلاف بسبب دعمها للإسلاميين، أصبحت اليوم تخطب ود قطر على أمل مدها بدعم مالي قطري.

اضطرابات بسبب أسعار الطاقة والغذاء

هذا وستسمر موجات السياسة بالارتفاع مع ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة، بعدما أسهم كل ذلك بخروج مظاهرات وقيام أعمال شغب في دول كثيرة، كما ساعد على إسقاط رئيس دولة سيرلانكا. وحتى لو أصبحت أسعار الغذاء معتدلة إلى حد ما خلال عام 2023، لا يمكننا إلا أن نتوقع ظهور اضطرابات في أماكن مثل باكستان وتونس حيث يلقي الشعب باللائمة على الحكومات التي خسرت شعبيتها وذلك بالنسبة لضعف قدرتهم الشرائية. ومن المحتمل بنسبة أكبر أن تظهر مشكلات في دول ساعدت فيها السياسات الاقتصادية السيئة على مفاقمة الدمار والخراب، ولابد أن يصل ذلك للانتخابات التي ستسودها حالة من التوتر والتي من المقرر لها أن تجري في عام 2023، كما سيحدث في نيجيريا وتركيا.

الحالة التركية

تعبر تركيا عن حالة استثنائية، إذ يأمل الرئيس التركي رجب طيب أردوغان على المستوى الدبلوماسي أن يستغل فرصة الحرب في أوكرانيا بصرف النظر عما يمكن أن تؤول إليه الأمور، إذ في حال خسارة بوتين وتعرض روسيا لضعف شديد، سيفتح الفراغ في السلطة مجالات تهم تركيا، مثل سوريا وجنوبي القوقاز، وفي حال دعم روسيا للاضطرابات في أرمينيا، فسيزيد أردوغان من دعمه لأذربيجان التي تحارب أرمينيا على جزء من الأراضي.

وفي حال طالت حرب أوكرانيا، سيواصل أردوغان اللعب على كلا الحبلين، إذ سيتوقع من موسكو أن تكافئه بأسعار رخيصة للغاز عند استقباله للأموال الروسية والسياح الروس. كما سيبيع المزيد من الأسلحة لأوكرانيا، وسيطالب الغرب بمنحه الثقة بعد حرمانه للسفن الحربية الروسية من عبور البحر الأسود. ولكن في حال خسارة أردوغان في الانتخابات التي من المقرر لها أن تجري في حزيران المقبل، فمن المرجح لمن سيأتي بعده أن ينتهج المسار نفسه في السياسة الخارجية.

عموماً، فإن المذلة التي يتعرض لها بوتين في أوكرانيا ستنشر القلق بين المستبدين في كل مكان وستخوفهم من شن حروب هدفها الفتح والغزو، وسيتضاعف هذا الخوف والقلق في حال أدت هزيمة بوتين في أوكرانيا إلى سقوطه. والأهم من كل ذلك هو أن ذلك سيدفع كل دولة تدعم أوكرانيا لمضاعفة ذلك الدعم وزيادته، إذ لا خير في أي عدوان ويجب ألا ينظر إليه أحد على أن الخير كامن فيه، لأن السلام لابد وأن يشمل العالم بشكل أكبر على المدى البعيد في حال خسارة بوتين في تلك الحرب.

المصدر: Economist