icon
التغطية الحية

إيكونوميست: عندما يصعّد بوتين فعلى العالم أن يجاريه

2022.03.10 | 14:22 دمشق

لافتة مناهضة للغزو الروسي لأوكرانيا
لافتة مناهضة للغزو الروسي لأوكرانيا
إيكونوميست - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

أدهشتنا أوكرانيا ببطولتها وصمودها، إذ خلال الأيام الأولى للحرب، ضعفت القوة العسكرية لفلاديمير بوتين أمام شجاعة الشعب الذي شن هجومه عليه، ففي وجه غزو بوتين، اكتشف الشعب الأوكراني بأنه على استعداد للموت من أجل فكرة، وهي أن عليهم أن يختاروا مصيرهم وقدرهم بأنفسهم، ولا بد أن ذلك عصي على الفهم بالنسبة لديكتاتور لا يرى سوى نفسه ومصالحه، أما بالنسبة لبقية شعوب العالم، فقد تحول ذلك إلى مصدر إلهام.

ياليت تلك الشجاعة التي أبداها الشعب الأوكراني خلال هذا الأسبوع كانت كافية لإنهاء القتال ووضع حد له، ولكن للأسف، لن ينسحب الرئيس الروسي من أوكرانيا بسهولة، إذ منذ بداية الحرب، أوضح بوتين بأن هذه الحرب قائمة على التصعيد، ولعل كلمة "تصعيد" ألطف مما كشفه الواقع القذر الذي يمكن أن يتحول إلى وضع كارثي. وذلك لأن كلمة تصعيد في أقسى حالاتها وأكثرها توحشاً تعني بأنه مهما فعل العالم، سيظل بوتين يهدد بمزيد من العنف والدمار، بما أنه أعلن عن ذلك بكل وضوح، حتى وإن كلفه الأمر استخدام السلاح النووي.

ولهذا يصر بوتين على ابتعاد العالم عن الساحة في الوقت الذي يسن فيه سكينه ويهيأ الذبيحة لمصيرها.

إلا أن هذا التقهقر ينبغي ألا يحدث، ليس فقط لأن ترك أوكرانيا لتواجه مصيرها فعل خاطئ، بل أيضاً لأن بوتين لن يقف عند هذا الحد، وذلك لأن التصعيد إدمان، فإذا سيطر بوتين اليوم، فلا بد وأن ينتقل بعد ذلك إلى جورجيا، ومنها إلى مولدوفا، ثم غيرها من دول البلطيق، أي أنه لن يتوقف ما لم يقم أحد بإيقافه.

حرب قائمة على التصعيد

يعتبر التصعيد لب هذه الحرب لأنه يمثل الطريقة التي يحاول من خلالها بوتين تحويل الهزيمة إلى نصر، فقد أثبتت الموجة الأولى من غزوه بأنها فاسدة مثلها مثل العصابة التي خططت لها، حيث كانت شبيهة بكل الجهود التي بذلها في السابق لإخضاع أوكرانيا.

فبدا بوتين وكأنه مقتنع بالدعاية التي أطلقها وهي أن الأراضي التي يغزوها لا تمثل دولة حقيقية. ولهذا كان هجومه في البداية والذي بدأ بغارات واقتحامات فاشلة نفذتها مروحيات وقطعات مسلحة بأسلحة خفيفة أشبه بهجوم مفصل على قياس خصم ممكن أن ينهار من الداخل.

إلا أن الروح المعنوية للشعب الأوكراني انتعشت تحت النار، حيث تحول الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي إلى قائد حربي جسد شجاعة شعبه وروحه المتحدية.

بيد أن التفاؤل الذي يصيب تجار الحروب أصاب بوتين بالكسل والخمول، إذ كان على يقين من أن أوكرانيا ستنهار بسرعة لدرجة أنه لم يهيأ شعبه لتقبل تلك النتيجة، حيث أبلغ بعض الجنود بأنهم سيقومون بإجراء تدريبات هناك أو أنهم سيستقبلون استقبال الفاتحين والمحررين.

أما الشعب الروسي فلم يكن مستعداً لنزاع بين الأشقاء السلافيين، ولهذا تشعر شرائح كبيرة ضمن أوساط النخبة في روسيا بالخزي والعار، بعدما تم تطمينها بأنه لن تكون هناك أي حرب، كما أصبحت تلك النخب تخشى من تهور بوتين وطيشه.

لا مراعاة لبوتين بعد اليوم من قبل الغرب

ظن بوتين بأن الغرب الفاسد لابد وأن يراعيه على الدوام، إلا أن النموذج الأوكراني دفع بالحشود للخروج في مسيرات في عواصم الدول الأوروبية، أما الحكومات الغربية، فبعدما سمعت بما حدث، بدأت بفرض عقوبات قاسية، حيث عمدت ألمانيا إلى إرسال أسلحة مضادة للدبابات والطائرات، بعدما أعلنت قبل أسبوع فقط من بدء الحرب بأنها لن تقوم بإرسال أي أسلحة فتاكة، وبأن مشاركتها ستقتصر على إرسال الخوذ فقط، وهذا يعني أنها غيرت سياستها التي امتدت لعقود والتي اعتمدت على ترويض روسيا عبر الانخراط معها ومشاركتها.

بوتين يواصل التصعيد بالرغم من النكسات

بعد تعرضه لكل تلك الانتكاسات، بقي بوتين يصعد، حيث انتقل إلى مرحلة حصار المدن الكبرى في أوكرانيا، مع إصدار أوامر لجنوده من حملة الأسلحة الثقيلة والمدرعة بقتل الأهالي المدنيين في تلك المدن بصورة تعسفية، وتلك جريمة حرب بكل تأكيد.

أما في الداخل، فيحاول بوتين إخضاع الشعب الروسي عبر إطلاق مزيد من الأكاذيب وممارسة أقسى أنواع إرهاب الدولة منذ أيام ستالين. فيما يقوم بوتين مع الغرب، بإطلاق تهديداته بشن حرب نووية.

العقوبات لن توجع إلا إن كانت مدمرة

ولذلك ينبغي على العالم أن يقف في وجهه وأن يتصدى له، وحتى يتحلى العالم بمصداقية عليه أن يظهر استعداده لاستنزاف نظام بوتين وحرمانه من الموارد التي تعينه على شن الحرب وممارسة الانتهاكات بحق شعبه، حتى لو أرهق ذلك الاقتصاد الغربي.

فالعقوبات التي فرضت على بوتين بعد ضمه للقرم في عام 2014 كانت مليئة بالثغرات والتنازلات، ولهذا، بدلاً من أن تردع الكرملين، ساعدته في التوصل إلى نتيجة مفادها أنه بوسعه أن يفعل ما يحلو له دون أي عقاب.

وبالمقابل، فإن العقوبات الأخيرة التي فرضت في 28 من شباط الماضي، تسببت في انهيار قيمة الروبل الروسي، كما شلت النظام المالي لروسيا، ما يعني أنها كانت فعالة، لكونها مدمرة.

يكمن خطر التصعيد في أن ذلك يمكن أن يتحول بسهولة إلى اختبار لمن هو على استعداد وقدرة أكبر على الذهاب إلى أقصى الحدود، فلقد كانت الحروب الأخيرة غير متكافئة، إذ كان بوسع تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة ارتكاب أي جريمة، إلا أن قوتهما بقيت محدودة. كما كان بوسع أميركا تدمير الكوكب، ولكن أحداً لن يتخيل قيامها بذلك أمام عدو مثل طالبان في أفغانستان.

أما غزو أوكرانيا فهو شيء آخر ، لأنه بوسع بوتين أن يمضي في طريقه نحو الحرب الأخيرة بين الخير والشر بما أنه يريد من العالم أن يتخيل أنه مستعد لحرب من هذا النوع.

لا أحد يرجح فكرة استخدام بوتين لسلاح نووي في ساحة المعركة بكل تأكيد، إلا أن ذلك ليس بمستحيل، بعدما غزا هذا الرجل دولة جارة له، ولهذا يجب على العالم أن يردعه.

مواجهة أشد خطورة

قد يقول قائل: ما الفائدة من إنقاذ أوكرانيا بما أن ذلك لن يؤدي إلا لإثارة دوامة بوسعها أن تدمر الحضارة بأسرها، إلا أن هذا الخيار خاطئ، وذلك لأن بوتين أعلن عن رغبته بإخراج حلف شمال الأطلسي من الدول التي كانت في السابق في حلف وارسو، كما أنه يريد أن يخرج أميركا من أوروبا، وإذا خدمه التصعيد، فستصبح المواجهة التالية أشد خطورة، وذلك لأنه لن يصدق بعد اليوم بأن الغرب سيصمد على موقفه.

قد يرى آخرون بأن بوتين فقد صوابه، لذا لا فائدة ترجى من ردعه، وهذا صحيح، لأن أهدافه مقيتة كالوسائل التي يتبعها لتحقيق تلك الأهداف، كما أنه لا يضع مصالح روسيا الحقيقية نصب عينيه، ولكنه بالرغم من كل ذلك يفهم منطق القوة ويعرف كيف يحافظ عليها، لذلك لا شك أنه يفهم لغة التهديد التي يستخدمها بشكل كامل.

الهجوم على روسيا × دعم أوكرانيا

وبالمقابل، مايزال البعض راغباً بقطع الطريق على التصعيد، إذ يعتقد هؤلاء بأنه ينبغي إيقاف بوتين قبل فوات الأوان.

فمع انتشار صور المعاناة القادمة من خرائب المدن الأوكرانية، زادت الدعوات التي تطالب حلف شمال الأطلسي بأن يفعل شيئاً حيال ما يجري، كأن يقيم منطقة حظر طيران مثلاً، إلا أن فرض منطقة حظر طيران يتطلب إسقاط الطائرات الروسية وتدمير الدفاعات الجوية التابعة لروسيا، ولهذا يحتاج حلف شمال الأطلسي، بدلاً من ذلك، إلى الاحتفاظ بحد فاصل واضح بين الهجوم على روسيا ودعم أوكرانيا، مع عدم ترك أي مجال للشك في أنه سيدافع عن الدول الأعضاء فيه، وفي ذلك أفضل كبح للتصعيد.

إذا، ما الذي يمكن فعله لردع بوتين دون إحداث أي دمار؟ لا يمكن إلا للرئيس زيلينسكي وشعبه تحديد المدة الزمنية التي سيواصلون القتال خلالها، ولكن إن قام بوتين بمذبحة، عندها بوسع الغرب أن يشد الخناق عليه، إذ يمكن عند حظر النفط والغاز تدمير الاقتصاد الروسي. كما بوسع داعمي أوكرانيا إرسال أسلحة أفضل وأكثر إليها، وبإمكان حلف شمال الأطلسي نشر مزيد من جنوده في دول المواجهة الموجودة على خط النار.

دور الدبلوماسية في وقف التصعيد

وللدبلوماسية دور مهم هنا أيضاً، إذ خلال محادثات السلام التي أقيمت في بيلاروسيا في بحر هذا الأسبوع، بقيت روسيا تطلب أموراً تفوق كل وصف، إلا أنه لا بد من مواصلة المفاوضات، لأنها يمكن أن تجنب البلاد الوقوع في حرب استنزاف.

ولقد أحسن الاتحاد الأوروبي صنعاً عندما فتح ذارعيه للاجئين الأوكرانيين، الذين تجاوزت أعدادهم المليون نسمة، وذلك لأنه بوسع الملاذ الآمن أن يشد من عزيمة المفاوضين الأوكرانيين، وينطبق الأمر ذاته بالنسبة لعضوية أوكرانيا في الاتحاد الأوروبي.

بقيت الصين والهند على رفضهما لإدانة بوتين حتى الآن، ولكن من الممكن أن يبث بوتين عندما يقوم بتصعيد الأمور حالة من الذعر لديهما بما يكفي لدفعهما حتى تحاولا الحديث معه لإقناعه بالعدول عن ذلك.

أهمية المحاسبة على جرائم الحرب

ثمة أمور لا بد من القيام بها في الداخل الروسي، إذ ينبغي على القادة العسكريين الروس أن يعلموا بأنهم سيخضعون لمحاكمات على جرائم الحرب وذلك بالاعتماد على الأدلة التي قدمتها كثير من الهواتف الذكية، وكذلك الأمر بالنسبة لحاشية بوتين والمقربين منه، بعدما تورط من ينفذون أوامره بأمور كثيرة حتى يملؤوا من خلالها جيوبهم في ظل حكم اللصوص لا حتى يحصل كل منهم على تذكرة سفر إلى لاهاي.

ولهذا يمكن للغرب أن يؤكد لهم وبكل تروٍ بأنهم في حال إطاحتهم بالرئيس وإبعاده عن السلطة، عندها ستقلب صفحة روسيا لتبدأ بداية جديدة. ومهما كان الأمر مقززاً، إلا أنه ينبغي على الغرب أن يؤمن لبوتين طريقة يمكنه من خلالها التقاعد والابتعاد عن أضواء الشهرة، كما يفعل مع كل من يطلب اللجوء هرباً من إرهاب بوتين وظلمه.

قد يبدو انقلاب يقع في القصر شيئاً منطقياً أكثر في ظل تفشي الرعب مما فعله بوتين حتى الآن، فالاقتصاد أصبح يواجه كارثة ماحقة، والخسائر التي تكبدها الجيش الروسي في تزايد، والجارة أوكرانيا تذبح في نزاع قام لإرضاء شخص واحد، ولهذا ما يزال الشجعان من الروس ينزلون إلى الشوارع حتى الآن احتجاجاً على هذه الجريمة التي لطخت سمعة بلادهم، وذلك لأنهم يدركون في قرارة أنفسهم بأن حرب بوتين التي لم يكن هنالك أي داع لها لا يمكنه هو أو روسيا أن يخرجا منها منتصرين.

 المصدر: إيكونوميست