icon
التغطية الحية

إيكونوميست: السنة التي تغير فيها كل شيء في الشرق الأوسط من دون أن يتغير شيء

2024.01.03 | 15:47 دمشق

جو بايدن برفقة بنيامين نتنياهو - المصدر: الإنترنت
جو بايدن برفقة بنيامين نتنياهو - المصدر: الإنترنت
The Economist - ترجمة: ربى خدام الجامع
+A
حجم الخط
-A

بالعودة إلى شهر شباط الماضي، أي قبل تسعة أشهر ودهر من الزمان، قدم دبلوماسي خليجي توقعاته التي بناها على ثقة كاملة ويقين بما سيحدث خلال العام المقبل، ذكر فيها أن الشرق الأوسط تعب من النزاعات، لذا فإن خفض التصعيد والدبلوماسية سيأتيان على رأس القائمة خلال هذا العام، خاصة بعد اكتشاف أعداء الأمس لمزايا صناعة السلام اليوم، وعلّق على ذلك بقوله: "إنها لحظة التغيير بالنسبة للمنطقة برمتها".

وقد أصاب في الجزء الأخير مما قاله، وهذا أضعف الإيمان، إذ إن هجوم حماس على إسرائيل في السابع من تشرين الأول الماضي، وما أعقبه من عدوان إسرائيلي على غزة، تسبب بقيام أشد نزاع دمويةً بين الشعب الفلسطيني وإسرائيل منذ عام 1948، كما دفع هذا النزاع المنطقة نحو حافة الحرب الموسعة التي استقطبت كلاً من أميركا وإيران ومقاتلين أتَوا من أربع دول عربية على أقل تقدير.

نزاع إقليمي يهز العالم 

قبل تشرين الأول، كان بوسع إسرائيل التباهي بعلاقاتها التي تحسنت مع دول المنطقة، إلا أن الشعوب العربية باتت تستشيط غضباً اليوم، ولذلك أصبحت إسرائيل منبوذة مجدداً بين جيرانها. ولم يتوقع أحد أن تهزَّ الحرب حركة الشحن والملاحة العالمية، بَيد أنها يمكن أن تهدد بعدم انتخاب ترامب عند ترشحه مجدداً للانتخابات الرئاسية الأميركية.

أي أن النزاع الفلسطيني-الإسرائيلي، الذي بدا هاجعاً معظم الوقت حتى مرحلة قريبة، قد عكَّر صفو العالم بأسره، ويبدو أنه سيغيّر وجه الشرق الأوسط برمّته، أو لعله لن يفعل كل ذلك، إذ بدلاً من إعادة رسم شكل المنطقة، قد يعزز هذا النزاع مشكلات الشرق الأوسط القديمة ويزيدها تعميقاً.

سعي فاشل نحو شرق أوسط مستقر

قبل ما يسميه الإسرائيليون بالسبت الأسود أي هجوم السابع من تشرين الأول، كان هنالك توجه جدّيّ يدفع نحو خفض التصعيد في المنطقة، ففي شهر آذار الماضي أبرمت السعودية اتفاقية لتخفيف التوتر مع عدوتها اللدودة إيران، وجرى توقيع الاتفاقية في الصين التي لم تلعب في السابق سوى دورٍ محدودٍ في دبلوماسية الشرق الأوسط.

بعد ذلك، وتحديداً في شهر أيار، وافق السعوديون على السماح للديكتاتور بشار الأسد الذي أغرق سوريا بالدم، باستعادة مقعده في الجامعة العربية، ثم سعت دول الخليج ومصر لإصلاح ما ساء من علاقات مع قطر وتركيا، بعدما نأى الجميع عنهما لسنوات طويلة بدعوى دعمهما للإسلام السياسي.

على الرغم من العنف الدائر خلال الأشهر القليلة الماضية، صمدت تلك الانفراجة إلى حد بعيد، وعلى الرغم من أن الجميع تربطه صلات متينة بالولايات المتحدة، وعدة دول منها لديها علاقات طيبة مع إسرائيل، لم تعد دول الخليج تتعرض لهجمات يشنها أعوان إيران، كما لم تتعرض إسرائيل لأي هجمة من أي دولة عربية، بل فقط من العناصر الفاعلة التي لا تمثل دولاً والتي تتمتع بقوة ونفوذ شديدين بشكل يمنع حكومات الدول من السيطرة عليها.

وهكذا وعلى مدار عقود بقيت السمة الأساسية التي تُميّز الشرق الأوسط هي انتشار حالة ضعف الدولة فيه، فإذا استثنينا الدول الست الأعضاء في مجلس التعاون الخليجي، وهذا المجلس ما هو إلا نادٍ يضمّ ملكيات نفطية مستقرة، نكتشف أن المنطقة ما تزال تضم دولاً فاشلة أو في طور الفشل، والحرب لم تفعل سوى أنها بيّنت ذلك بشكل أوضح.

فرئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي اعترف بكل صراحة بأن القرار ليس بيده بالنسبة لخوض بلده الحرب مع إسرائيل، لأن الأمور بيد حزب الله، تلك الميليشيا التي تدعمها إيران والتي تحولت إلى حزب سياسي، ولهذا فإن الهجمات التي يشنها الحزب بشكل يومي على إسرائيل دفعت الأخيرة لنشر آلاف من الجنود على حدودها مع لبنان. وفي اليمن، أجبرت ميليشيا الحوثيين التابعة لإيران مئات من سفن الشحن على عدم الإبحار في البحر الأحمر.

وبالرغم من ذلك، لم يمنع ما قام به كلا الطرفين إسرائيل من شنّ هجوم مدمّر على غزة، كما لم يجبر أميركا على المطالبة بوقف إطلاق النار أو سحب قواتها من الشرق الأوسط، صحيح أنهما جعلَا إسرائيل تدفع ثمناً غالياً، وكذلك الأمر بالنسبة لأميركا والاقتصاد العالمي، إلا أن الثمن الأغلى هو الذي ستدفعه شعوب تلك الدول، وهي شعوب بالأصل تعاني بسبب ضعف الحوكمة، وهذا ما قد يهدد اليوم بتحول النزاع إلى نزاع إقليمي.

تميل الدول الضعيفة إلى خلق اقتصاد ضعيف مثلها، ولهذا فإن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي الذي انتخب لدورة ثالثة في انتخابات كلها تمثيل ودجل جرت في شهر كانون الأول الماضي، قد يشكر كلَّ من صوتوا له عبر خفض قيمة العملة للمرة الرابعة خلال عامين. وفي شهر تشرين الثاني اتفق الأردن مع صندوق النقد الدولي على برنامج بقيمة 1.2 مليار دولار أميركي ليحل محل الترتيبات السابقة التي ستنتهي صلاحيتها في آذار من عام 2024.

نعيد ونكرر بأن الحرب في غزة لا بد أن تُفاقِم هذه المشكلة، فقد تراجعت الحجوزات السياحية ليس فقط في إسرائيل، بل أيضاً في مصر، كما علّقت بعض شركات الطيران الغربية رحلاتها إلى لبنان بل حتى إلى الأردن، وهجمات الحوثيين على سفن الشحن لا بد أن تضرّ بعائدات قناة السويس المصرية وترفع الأسعار في الدول العربية التي تعتمد على الاستيراد والاستهلاك، وعدد كبير منها يشتكي أصلاً من التضخم.

سيزيد النزاع أيضاً من الهوة الفاصلة بين دول الخليج وباقي دول المنطقة، فمن زاروا دول الخليج خلال هذا الخريف بالكاد شعروا بأن منطقة الشرق الأوسط تعيش فترة اضطرابات، إذ كانت الفنادق والمطاعم تعج بالناس في دبي التي استضافت قمة المناخ وحضرها كثيرٌ من الناس. أما الشعب السعودي فقد تزاحم على مدن الملاهي والمباريات الرياضية وغيرها من الأمور الترفيهية التي قدّمتها المملكة ضمن مهرجان الترفيه السنوي.

لم تقم البحرين ولا الإمارات اللتان أقامَتا علاقات دبلوماسية رسمية مع إسرائيل بقطع تلك العلاقات رداً على حرب غزة، كما أن الإمارات كانت من الدول القليلة التي لديها شركات طيران تابعة للدولة لم تقطع رحلاتها إلى تل أبيب منذ اندلاع الحرب، وقد تمَّ ذلك كقرار دبلوماسي أكثر منه تجاري. وما تزال لدى السعودية النيّة بالتطبيع مع إسرائيل على طريقتها الخاصة، على الرغم من صعوبة تحقيق ذلك في المستقبل القريب.

أميركا غارقة حتى أذنيها في المنطقة

طوال معظم فترته الرئاسية، حاول بايدن أن يتصرف وكأن أميركا قد غسلت يديها من الشرق الأوسط، ولهذا رغب في التركيز على أوروبا وأكثر منها آسيا، إلا أن تورّطه في الشرق الأوسط لم ينته، إذ منذ السابع من تشرين الأول، أرسلت أميركا بارجتين حاملتين للطائرات والآلاف من الجنود إلى المنطقة، وقام الدبلوماسيون الأميركيون بزيارات مكوكية بين إسرائيل والعواصم العربية في محاولة لمنع توسع الحرب، ولمناقشة ما سيحدث بعدها، وأقامت البحرية الأميركية تحالفاً دولياً لتأمين سفن الشحن عند مرورها بالبحر الأحمر.

وفي كل ذلك عودة لأميركا إلى سابق عهدها، إلى تلك القوة الخارجية التي لا ينازعها أي منازع منذ أمدٍ بعيد في المنطقة، ولكن خلال السنوات القليلة الماضية نوقشت فكرة تعدد الأقطاب في الشرق الأوسط، ولكن في خضمّ أسوأ أزمة تشهدها المنطقة منذ عقود، صارت كلٌّ من روسيا والصين تلعب دوراً يتجاوز مسألة تعيير الغرب بنفاقه الجلي.

عززت الحرب في الأرض المقدسة نزعة التعنت بدلاً من أن تعمل على تراجعها، ولهذا يأمل المتفائلون بأن تخلق الحرب فرصة لتسوية دائمة بين الإسرائيليين والفلسطينيين، بيد أن استطلاعات الرأي تشير إلى عكس ذلك، إذ في تقرير نشرته أهم جهة فلسطينية متخصصة باستطلاعات الرأي في كانون الأول الماضي تبيّن بأن 72% من الشعب الفلسطيني في الضفة الغربية وغزة يرى بأن حماس أصابت عندما هاجمت إسرائيل في السابع من تشرين الأول، على الرغم من العواقب المريعة التي نجمت عن ذلك الهجوم. وفي استطلاع للرأي أجراه معهد الديمقراطية بإسرائيل، وهو مركز أبحاث لا يتبع لأي حزب، ذكر 52% من اليهود الإسرائيليين أنَّ على إسرائيل ألا تسعى للعمل على حلّ الدولتين عقب الحرب.

من المبكّر أن نتوقع كيف ومتى ستنتهي الحرب في غزة، ولكن حتى الآن، لم ترسم هذه الحرب حدودَ المنطقة، كما فعلت الحروب في عام 1948 و1967 و1973، ولم تسقط أية أنظمة، على الرغم من احتمال إسقاطِها لحماس في غزة ولحكومة بنيامين نتنياهو في إسرائيل بمرور الوقت، أي أن كل ما فعلته هذه الحرب هو سحق أيّ أمل بالحديث عن شرق أوسط جديد كونها عرّت المشكلات القديمة التي لم تُحَل في المنطقة.

المصدر: The Economist