إيران و"نبع السلام"... الطبع غلب التطبع

2019.11.01 | 14:51 دمشق

0f00841a-b12c-4e85-92bf-b9d9ac30309f_16x9_1200x676.jpg
+A
حجم الخط
-A

انتقد الرئيس التركي رجب طيب أردوغان ما وصفها بالأصوات المزعجة الصادرة من إيران تجاه عملية "نبع السلام" لإقامة منطقة آمنة للاجئين، خالية من الإرهابيين شمال سوريا، وطلب من نظيره الإيراني حسن روحاني إيقاف تلك الأصوات كونها تسبب الإزعاج له ولرفاقه في القيادة التركية.

ما قاله الرئيس أردوغان يكاد يختصر الموقف الإيراني من عملية "نبع السلام"، حيث غلب الطبع التطبع. فالدولة الإيرانية تبنت رسمياً لهجة دبلوماسية هادئة ولم ترفع حدة اللغة أو السقف السياسي تجاهها، بينما خرجت تصريحات مناقضة من الدولة الموازية لا الثورة لأن معادلة الثورة والدولة انتهت منذ سنين طويلة، أي منذ انتهاء الحرب العراقية الإيرانية، وتولى هاشمي رفسنجاني رئاسة الجمهورية، وفي الحد الأدنى منذ تزوير انتخابات 2009 ووضع المرشح الفائز مير حسين موسوي وقادة المعارضة في السجن، ثم الإقامة الجبرية، علماً أن الدولة الموازية التي تتحكم فعلاً بالقرار هي من أدارت الحملة السياسية والإعلامية ضد عملية "نبع السلام" عبر تصريحات لمسؤولين مقربين منها، وآخرين سعوا لإرضائها كما عبر ذراعها المتمثل بالحشد الشعبي الإعلامي من مقره المركزي في بيروت.

الموقف الإيراني الرسمي أي موقف الرئيس روحاني وحكومته جاء هادئاً لعدة أسباب

يعرف روحاني وحكومته أن ليس من مصلحتهم إغضاب أو استفزاز تركيا التي تعارض العقوبات ضدها، كما أنها وقفت مراراً إلى جانب إيران في اللحظات الصعبة

منها أن إيران نتيجة لسياسات الدولة الموازية والمتنفذة، وعجز روحاني شخصياً عن تنفيذ سياساته وبرامجه باتت مستنزفة في عدة جبهات ولا تريد الانشغال في معارك وجبهات أخرى، رغم تورطها في سوريا، لكنها تبدو بالعموم بعيدة نسبياً عن الشمال السوري ومستجداته.

إلى ذلك يعرف روحاني وحكومته أن ليس من مصلحتهم إغضاب أو استفزاز تركيا التي تعارض العقوبات ضدها، كما أنها وقفت مراراً إلى جانب إيران في اللحظات الصعبة، كما قال الرئيس أردوغان وهي تمثل متنفسا محتملا أو ساحة يمكن أن تخفف طهران عبرها الضغوطات والعقوبات الاقتصادية ضدها.

ثمة معطى آخر في الحسابات السياسية لروحاني والدولة الإيرانية يتمثل بالنظر للعملية بصفتها تعبير عن الأزمة بين تركيا وأميركا، وهي أي إيران مستفيدة من الخلافات بينهما في الحالتين، ربما اعتقدت أو فهمت أن موقف تركيا أقوى كما أن الانسحاب الأميركي من الشمال السوري هناك سيصب لصالحها في ظل صراعها المستجد والمحتدم مع أميركا.

سبب آخر يكمن في واقعية حكومة روحاني وحساباتها الباردة المستندة إلى قناعاتها أنها لم تعد لاعبا – رغم ضجيج وصخب الحشد الشعبي الإعلامي - مركزيا ومؤثرا في سوريا بعد فشلها في حماية نظام بشار الأسد ومنع سقوطه هي وحشودها الشعبية، واستجدائها الاحتلال الروسي الذي أخذ المكانة القوية لإيران في مناطق النظام نيابة عنها، وبالتالي فإن المشهد في سوريا يحسم نتيجة تفاهمات ثنائية بين تركيا وأميركا وروسيا وحتى معادلة أستانا التي تبدو ثلاثية شكلياً، إلا أنها في الواقع أقرب إلى صيغة 2 + 1 كما اتضح في كل التفاهمات الثنائية المتعلقة بإدلب، ثم المنطقة الآمنة شرق وغرب الفرات التي تم التوصل إليها بين موسكو وأنقرة.

بناء على ما سبق كله جاءت اللهجة الإيرانية الرسمية هادئة حتى مع تحفظها الخجول تجاه العملية، إلا أن ذلك جاء على قاعدة تفهم الحاجات والمصالح التركية، وحقها في محاربة الإرهاب دفاعاً عن أمنها.

من هنا، نصل إلى السؤال عن مصدر وأسباب الأصوات الإيرانية المزعجة ضد العملية حسب تعبير الرئيس أردوغان، كما عن قدرة روحاني على إيقافها، ولماذا سمح بها ولم يمنعها أصلاً.

الدولة الموازية المتنفذة صاحبة القرار الفعلي يقودها مسؤول الحرس الثوري قاسم سليماني الرئيس الفعلي للبلاد، وواضع السياسات الإيرانية في الحوض العربي، الإسلامي الممتد من المغرب العربي إلى المشرق، الإسلامى تحديداً فى شرق المتوسط وهي تتصرف بذهنية إيديولوجية تاريخية موتورة تعتقد أن أي حضور ونفوذ لتركيا يأتي على حسابها وضد مصلحتها، مع مزيج من التفكير الفارسي والصفوي كونها دولة قومية مذهبية حسب التوصيف الدقيق للمفكر الإسلامي العبقري حسن الترابي رحمه الله.

لا ينفصل عما سبق حقيقة أن تركيا تتصرف بعقل وحدوي جامع، بينما إيران تتصرف بعقل أقلوي تقسيمي. فكرة التقسيم ولو غير المعلن حاضرة دوماً في سياساتها الإقليمية. هنا فقط يمكن تذكر مصطلح سوريا المفيدة الذي وضعته أساساً الدولة الموازية، وروجت له مع أبواقها من الحشد الشعبي الإعلامي في بيروت، وهو مصطح انفصالي مذهبي يشبه مصطلح سوريا المتجانسة لبشار الأسد، وأي عمل ناجح لتركيا ينهي الأفكار التقسيمية والانفصالية يؤذي إيران ومشروعها. هذا النفس التقسيمي – ذهنية الغرباء – كان سببا أو أحد أسباب تماهي إيران مع الغزاة والاحتلالين الأمريكي في العراق والروسي في سوريا.

من هنا تعتقد الدولة الموازية أن زيادة قوة تركيا تؤدي مباشرة للانتقاص من إيران ومشروعها الاستعماري وإمبراطوريتها الوهمية الفارسية، مع الانتباه إلى حقيقة أن اضطرار تركيا للعمل العسكري في سوريا والعراق يمثل استثناء في سياساتها الخارجية العربية الإسلامية تحديداً، القائمة أساساً على القوة الناعمة في أبعادها وجوانبها المختلفة، بينما لا تملك إيران سوى الحديد النار الدم والدموع لفرض حضورها ونفوذها.

تشنج الدولة الموازية التي يقودها سليماني وحشوده الشعبية الطائفية

دولة سلطة سليماني الموازية المتنفذة غير متأكدة من إستفادة نظام الأسد جراء العملية وتعتقد أن الفائدة ستذهب للروس المستعدين دوماً لبيع النظام وحتى إيران نفسها

تجاه عملية "نبع السلام" ناتج كذلك عن فضحها الضعف الإيراني والعجز عن التأثير على الأحداث في ساحات يقودها سليماني مباشرة، رغم البروباغندا السياسية الإعلامية التي تتبجح بأنها القوة الإقليمية الأكبر في المنطقة.

إلى ذلك فإن دولة سلطة سليماني الموازية المتنفذة غير متأكدة من استفادة نظام الأسد جراء العملية وتعتقد أن الفائدة ستذهب للروس المستعدين دوماً لبيع النظام وحتى إيران نفسها، كما يكتب مراراً في صحفها مواقعها ومنابرها الإعلامية.

العلاقة القوية مع بي كا كا بجناحيه في سوريا والعراق مثلت كذلك أحد أسباب موقف دولة سليماني الموازية تجاه "نبع السلام" كونها كانت حاضرة دوماً في ترتيب الأوضاع بينه وبين النظام، وحتى المشاركة إلى جانبه ضد الثوار السوريين وتركيا في معارك تل رفعت منبج عفرين في سوريا. كما فعلت مع التنظيم الإرهابي نفسه في معارك سنجار وتل عفر بالعراق، وهي حتى من دفعت وتدفع رواتب لأعضاء التنظيم، أيضاً عبر حشدها الشعبي العراقي.

أما فيما يخص روحاني فهو لا يملك القدرة على إيقاف الأصوات المزعجة، ولم يملك القدرة على منع صدورها أصلاً. هو يعي أن السياسات الخارجية الفعلية – حتى الداخلية - بشكل عام، والإقليمية بشكل خاص، ترسم بشكل كامل من سليماني ودولته الموازية بتماهي تام مع مكتب على خامنئي المريض المعزول مع تساؤل عمن يقود من هو أو سليماني.

في العموم أكدت الأصوات المزعجة ضعف وعجز روحاني، الازدواجية الإيرانية مع قوة الدولة الموازية المتنفذة وتحكمها الفعلي بالقرار العام. أما من الناحية التركية الإقليمية فلم تكن أكثر من ضجيج مزعج في الخلفية، علماً أنها أكدت كذلك تراجع الدولة الموازية خارجياً، عجزها عن التأثير على العملية أو عرقلتها، كما مجريات الأحداث في سوريا بشكل عام.