عادة ما يثير "الصحافي" الإسرائيلي إيدي كوهين الجدل في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي المختلفة. كوهين الذي يتحدث ويكتب العربية بطلاقة غرّد منذ أيام قائلاً إن بشار الأسد سيرحل عن السلطة في تموز القادم، وأن فهد المصري سيكون الرئيس القادم لسوريا.
قبل تحليل أو محاولة فهم خلفيات وأهداف تغريدته الأخيرة، لا بد من إلقاء نظرة على شخصية كوهين نفسه وأسباب وأهداف حضوره في وسائل الإعلام المختلفة بقديمها وجديدها كاتباً ومحللاً للتطورات في العالم العربي، ومتباهياً بل متبجحاً بما يحدث في دولته وكيانه مقابل الاستبداد والتراجع والانهيار في العالم العربي.
إسرائيل هي دولة فريدة بالمعنى السلبي، دولة معسكرة بالمعنى الكامل للكلمة، ولا شك أن عبارة جيش له دولة؛ لا دولة لها جيش، هي عبارة صحيحة تماما مثل عبارة ديموقراطية لليهود ويهودية للعرب - وكما يقول أخواننا في الأراضي المحتلة عام 1948 - دولة تمارس التمييز العنصري ضد من يفترض أنهم مواطنوها - كما نص على ذلك قانون القومية سيء الصيت - بينما تمارس الفصل العنصري ضد المواطنيين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة عام 1967، وتساوم غزة على استعادة أسراها لدى حماس مقابل تزويدها بأجهزة التنفس الصناعي ومستلزمات أخرى لمواجهة جائحة كورونا. دولة كهذه يخجل بالتأكيد أي إنسان حرّ وشريف من التباهي بها، ناهيك عن الدعاية لها.
إسرائيل هي دولة فريدة بالمعنى السلبي، دولة معسكرة بالمعنى الكامل للكلمة، ولا شك أن عبارة جيش له دولة؛ لا دولة لها جيش، هي عبارة صحيحة
في إسرائيل أيضاً تتحكم الأجهزة الأمنية والرقابة العسكرية بمعظم ما يكتب تحديداً فيما يتعلق بالعلاقة - الصراع مع العرب والفلسطينيين، ولا يمكن تصور أن يكتب كوهين ويثير الجدل، ويخوض المعارك بحرية تامة معبراً عن قناعاته وآرائه الشخصية فقط. وبناء عليه لا أشك لحظة أن ثمة من يملي عليه ما يقول ويكتب، أو على الأقل الخطوط العريضة فيما يشبه الإرسال الشهير من جهاز سامسونج نظام السيسي لأدواته وأبواقه الإعلامية. النظام نفسه الذي يتباهى كوهين بالعلاقة معه، أو بالأحرى تبعيته للدولة العبرية الاستعمارية العنصرية.
من هنا يمكن الاستنتاج أن كوهين يمثل النسخة غير الرسمية لأفيخاي أدرعي الناطق باسم جيش الاحتلال الذي يكتب ويتحدث بالعربية أيضاً، معبراً عن المواقف والسياسات الرسمية للاحتلال، وساعياً لتجميل وجهه البشع وبناء جسور وصلات مع الجمهور العربي لإزالة حاجز العداء، والتعاطي مع إسرائيل كدولة طبيعية في المنطقة يمكن الاتفاق والاختلاف معها، علماً أن هذا أحد أهم وأدق التعريفات لمصطلح التطبيع.
يتباهى أفيخاي أدرعي بما يعتبره حكمة ومسؤولية الحكام العرب وذهابهم نحو التعاون الثنائي مع إسرائيل لمواجهة التحديات الإقليمية المشتركة، باعتبارها دولة طبيعية ما يتناقض"شكلاً" فقط مع ما يكتبه كوهين بشكل فظّ غير دبلوماسي ورسمي عبر السخرية من هؤلاء الحكام، وحتى وصفهم بالأدوات والعملاء، وأيضاً من أجل بناء الجسور والصلات مع الجمهور العرىي، ولكن عبر قناة التفافية غير رسمية.
إذن مثل أدرعي يسعى كوهين للحوار والتطبيع مع الجمهور العربي لكسر وتجاوز حالة العداء تجاه دولته الاستعمارية باعتباره صحافي وباحث صاحب وجهة نظر يمكن الاتفاق أو الاختلاف مع أرائه ومواقفه هنا أو هناك.
إضافة إلى التطبيع يهدف كوهين إلى بثّ الإحباط في العالم العربي عبر التركيز على إنجازات إسرائيل وتفوقها بما يعني اليأس من إمكانية هزيمتها، وبالتالي ضرورة الاعتراف بوجودها بل بتفوقها وقيادتها، واعتبارها نموذجا يحتذى به. هنا أيضاً ثمة اختلاف شكلي عن أدرعي الرسمي الدبلوماسي الحذر والخبيث الذي يتحدث عن الشراكة والتنسيق والتعاون في معظم الأحيان.
من زاوية أخرى يسعى كوهين لبث الفتنة أو بالأحرى تأجيجها في العالم العربي من زاوية أن إسرائيل ليست سبباً مركزياً في أزمات المنطقة المتفاقمة، وإنما جزءاً من الحل.
وهنا تحديداً يتجاهل كوهين بمنهجية حقيقة اصطفاف إسرائيل في مربع الفلول والثورات المضادة وعدائها للثورات العربية الأصيلة التي خرج فيها الشباب للميادين من أجل المطالبة بحقوقهم الطبيعية في دول مدنية وديمقراطية لكل مواطنيها. الثورات التي تم التآمر والانقلاب عليها وصبغها بالدم من قبل حلفاء إسرائيل في العالم العربي الذي يتباهى كوهين بالعلاقة معهم أو حتى بتبعيتهم وعمالتهم لكيانه الاستعماري.
أما استغلال كوهين – وحتى أدرعي نفسه - سياسات وممارسات إيران الدموية في العالم العربي، وتباهيها باحتلال أربع عواصم عربية للتقرب من الشباب العربي الغاضب فيتجاهل حقيقة حدوث ذلك بضوء أخضر أمريكي، وعدم ممانعة إسرائيلية خاصة لجهة تدمير إيران للعراق وسوريا وإخراجهم من الصراع العربي الإسرائيلي – وزير الخارجية البريطانى السابق جاك سترو قال علناً إن إيران تعاونت مع إسرائيل لتدمير العراق - إضافة إلى تعاون حلفاء إسرائيل العرب، وبالأحرى أدواتها مع أداة إيران "بشار الأسد" والسعي لتعويم نظامه وإكسابه الشرعية عبر إعادته إلى الجامعة العربية مرة أخرى.
الآن بالعودة إلى تغريدته الأخيرة عن بشار الأسد فقد أراد كوهين الإيحاء وإعطاء الانطباع بأنه الخبير العارف ببواطن الأحداث وبكواليسها لإضفاء أهمية وهالة حول ما يكتب ويقول، ولتصديق رواياته وتحليلاته حول أحداث ومستجدات المنطقة.
كوهين سعى في السياق لإضفاء هالة حول إسرائيل أيضاً وقدراتها الخارقة، وأنها تملك تحديد مصير الأسد ونظامه أو على الأقل مطلعة على ما يجري بخصوصه والرسالة جلية، هنا أيضاً لجهة تضخيم صورتها ودورها للتمسح بها والتقرب منها.
كلام أو توقع كوهين بالأحرى يتضمن كذلك ابتزاز واضح لبشار الأسد من أجل مزيد من الخضوع لإسرائيل التي حمت نظامه لسنوات وفق سياق الحديث والقادرة على إسقاطه أيضاً وقتما شاءت.
أما الحديث عن فهد المصري فيندرج ضمن تصوير إسرائيل وكأنها صانعة الرؤساء لابتزازه وانتزاع مزيد من التنازلات منه، وتكريس الانطباع عن تبعيته لإسرائيل التي بالتأكيد سترشح وتدعم أحد رجالها أو عملائها بالأحرى.
كلام كوهين يمثل رسالة إلى آخرين أيضاً لتقديم أوراق اعتمادهم، ونيل رضى الدولة العبرية، إذا ما أرادوا الوصول للرئاسة أو حتى لعب دور مهم في الساحة السياسية للإيحاء أن ذلك منوط بالمرور عبر الباب الإسرائيلي تحديداً.
كلام كوهين يمثل رسالة إلى آخرين أيضاً لتقديم أوراق اعتمادهم، ونيل رضا الدولة العبرية
نجد ما يؤكد تبعية كوهين لجهات إسرائيلية رسمية وتلقيه تعليمات منها، في تزامن حديثه مع الغضب الروسي تجاه بشار الأسد بعد تلقيه رشوة من حاكم الإمارات محمد بن زايد لانتهاك وكسر التفاهم الروسي التركي الأخير لوقف إطلاق النار في إدلب، الحملة الروسية ضد بشار الأسد من جهات شبه رسمية تشبه حملة كوهين، وتهدف أيضاً إلى ابتزازه وإجباره على الخضوع وعدم اللعب خارج قواعد اللعب التي تفرضها راعيته روسيا.
في الأخير وباختصار لا بد من التأكيد على معطيين مهميين الأول أن بشار الأسد ميّت إكلينيكياً من الناحية السياسية بعدما حدّد الشعب السوري مصيره، ورسم نهايته، لكن موعد الدفن لم يأتِ بعد إنما هو حتمي وليس إسرائيل بالتأكيد من تقرر ذلك، إنما القوى الكبرى أمريكا وروسيا مع حضور ما لتركيا - ليس لإيران مكان هنا أيضاً - ولكنها أي هذه القوى لا تستطيع أن تفرض رئيساً أو زعيماً على الشعب السوري العظيم و الثائر، الذي قدم تضحيات تاريخية وهائلة لتحويل بشار إلى جثة سياسية.
أما المعطى الثاني فيتمثل بالتعاطي مع كوهين "وأمثاله" من منطق العداء لا التطبيع، ومتابعة ما يقول ويكتب ضمن متابعة عامة لما يكتب ويقال في إسرائيل لكن دون الوقوع في الفخ أو إعطائه أكثر مما يستحق.