icon
التغطية الحية

"إفادة سكن" للسوريين تشعل جدلاً في لبنان.. ما علاقة مفوضيّة اللاجئين؟

2023.09.29 | 06:40 دمشق

آخر تحديث: 29.09.2023 | 06:40 دمشق

إفادة سكن لبنان
+A
حجم الخط
-A

عاد ملف اللاجئين السوريين في لبنان إلى الصدارة، مع اندلاع جولة جديدة من السجال حول آلية عمل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، و"تعديها على السيادة اللبنانية" وهو الاتهام الذي تصدّر منابر السياسيين وخطاباتهم على منصات التواصل الاجتماعي أخيراً.

وجاء الاتهام عقب انتشار صورة عن "إفادة سكن" للاجئة سوريّة حصلت عليها من قبل المفوضية السامية لشؤون اللاجئين (UNHCR). قيل إنّها صادرة عن المفوضية خلافاً للقوانين، ليتبيّن لاحقاً أنها جزء من "بروتوكول" بين المفوضية والأمن العام بدأ تنفيذه، عام 2016، لتنظيم حصول اللاجئين المسجّلين في لبنان على إقامات قانونية.

انتهاك للسيادة؟

عزّزت هذه الوثيقة الهواجس اللبنانية حول "مؤامرة" الديمغرافيا والهوية اللبنانية، في ظل تدفُّق هائل عبر طرق التهريب لآلاف السوريين إلى لبنان، خلال الأسابيع الماضية، ومطالب لبنانية بإعادة النازحين السوريين إلى بلادهم.

واعتبر ناشطون وسياسيون لبنانيون أن منح المفوضية "إفادة سكن" للسوريين هي بمنزلة "انتهاك" للسيادة اللبنانية، على اعتبار أن الجهة التي يُفترض أن تمنح هذه الإفادات ترتبط بوزارة الداخلية والدولة اللبنانية، عبر المختار الذي عادةً يتبع تسلسليّاً إلى الإدارة العامة عبر القائم مقام.

تنديد وهجوم على مفوضية اللاجئين

جرى تداول الوثيقة على نطاق واسع عبر مواقع التواصل، ودخل نوّاب على الخط، لما وصفوه خرق المفوضية للسيادة اللبنانية.

وكان اللافت هو شنّ "حزب الله" هجوماً ضد المفوضية، خاصةً ما جاء على لسان نائب الحزب إبراهيم الموسوي، الذي قال في تصريح غير مسبوق: "مفوضية اللاجئين تعتدي على السيادة اللبنانية وتصدر إفادات سكن للنازحين السوريين.. يجب عدم الاكتفاء بإدانة هذا الانتهاك الخطير في حق البلد وأهله، المطلوب اتخاذ إجراءات فورية في حق المفوضية لردعها، وكذلك المبادرة الجدية إلى قرار سيادي رسمي وطني عام لوقف تدفق النازحين والبدء بإعادتهم".

من جانبها، انتقدت النائبة اللبنانية غادة أيوب - عضو تكتل "الجمهورية القوية" - منح "إفادات السكن" للسوريين عن طريق المفوضية، قائلةً: "لا سيادة للدولة اللبنانية، ولا من يسهر على تطبيق القوانين فيها، ولا من يصون الدستور ويحمي الشعب اللبناني من تعسف مسؤوليه، ولا من يحاسب".

وأضافت: "أنت في دولة تخلّت عن حقوقها السيادية في تشرين الأول 2016 لجهات خارجية مقابل تقديمات عينية للدولة اللبنانية لتعزيز قدراتها على أداء مهامها في عملية ضبط دخول الرعايا العرب والأجانب، ومن ضمنهم السوريون المسجّلون كنازحين وتنظيم وجودهم على الأراضي اللبنانية".

كذلك، قال نائب حزب القوات اللبنانية رازي الحاج إنّ "أحكام مذكرة التفاهم تاريخ 9 أيلول 2003 حول التعامل مع المتقدمين بطلبات اللجوء إلى مكتب المفوضية، لا تخول الأخيرة إصدار وإعطاء إفادات سكن".

وتابع: "يعتبر إصدار هكذا مستندات تعدٍّ صارخ على القانون والسيادة الوطنية، ولهذا السبب تواصلت مع وزير الداخلية بسام المولوي ومدير عام الأمن العام اللواء إلياس البيسري طالباً منهم أخذ الإجراءات اللازمة بهذا الخصوص".

الحكومة تتحمل المسؤولية

في تصريح لموقع تلفزيون سوريا، قال "الحاج" إنّ "ما نثيره اليوم هو أنه لا يحق للحكومة اللبنانية التنازل عن حق معطى للمخاتير بإصدار إفادات السكن، وهو موجب قانوني ودستوري وسيادي فلا يحق للحكومة أن تتنازل عنه بأي اتفاقية".

وتابع: "الحكومة تتحمل مسؤولية أي اتفاقية تبرمها، ولكن ثمة أمور تتعلق بالسيادة اللبنانية وترتبط بالقانون اللبناني الذي منح مرجعية معينة - أي المخاتير - بإعطاء إفادات السكن، بالتالي لا يمكن لأي حكومة أن تتجاوز حد السلطة بتجيير صلاحية معطاة لسلطات منتخبة محلية إلى مفوضية أو إلى أي منظمة أخرى".

وفيما يتعلق بملف اللاجئين، أشار "الحاج" إلى أنّ "الحكومة لا تملك أي سياسة عامة تخص الوجود السوري الفوضوي في لبنان، رغم أنه ثمة تهديد لكل من الهويتين السورية واللبنانية على حد سواء"، مردفاً: "ثمة فئة لا تريد إعادة اللاجئين إلى وطنهم بسبب التغيير الديمغرافي الذي فعلوه في سوريا، لكن كل هذا لا يعطي الحق للحكومة اللبنانية أن تتخلّى عن حقوقها السيادية".

هل الوثيقة قانونية؟

رغم الجدل الافتراضي الكبير الذي تسبّبت به هذه الوثيقة، تبيّن أنها ليست جديدة وهي مرتبطة بـ"بروتوكول" معمول به منذ 2016، بحسب مصادر لبنانية مواكبة لملف اللاجئين السوريين، مشيرةً إلى أنّ هذا النموذج "جرى تنسيقه في وقت سابق"، والهدف منه "ضبط الوضع القانوني للاجئين الذين وصلوا إلى البلاد بين عامَي 2011 و2015".

وبحسب المعلومات "لا يمكن قراءة رموز QR التي تظهر أعلى الإفادة إلا من قبل الأمن العام اللبناني فقط، وذلك للتحقّق من صحة المعلومات المذكورة في الإفادة".

المحامية والحقوقية اللبنانية ديالا شحادة، أوضحت في حديث لموقع تلفزيون سوريا، أنّ "إفادة السكن في لبنان تصدر عن المختار بموجب القوانين المرعيّة، وتخوّل صاحبها الحصول على مجموعة من الخدمات العامة، أبرزها الاستحصال على جواز سفر من المديريّة العامة للأمن العام، بالإضافة إلى خدمة نقل القيد، وغير ذلك من الخدمات الأساسيّة والضروريّة".

وتابعت: "المفوضية تعطي الإفادة بطلب من الأمن العام، الذي كان يجدّد الإقامات للاجئين السوريين استناداً لاستمارة الاعتراف بهم كلاجئين، لكن هذا الأمر تسبب بإشكالية للاجئين الذين يعيشون في المخيمات، نتيجة لصعوبة الاستحصال على إفادة سكن، فلا مختار مخصص للمخيمات".

وفي الوقت نفسه ثمة طابع رسمي كون نسبة كبيرة من اللاجئين يراجعون الأمم المتحدة لتجديد الإقامة والاعتراف بهم كلاجئين (علماً أنّها وثيقة تعطى لها زمن محدّد)، لذا كانت المفوضية تعطي إفادة سكن باعتبار أنها مَن تمتلك البيانات الخاصة باللاجئين، وبالتالي تكون العملية سهلة على كل الجهات".

وأشارت "شحادة" إلى أنّ "إفادات السكن من المفوضيّة، يمكن وضعها ضمن الإطار التنظيميّ لوجود اللاجئين السوريين، ولا قيمة لها كمستند قانونيّ في لبنان، والمفوضيّة، سبق أن وقعت مذكرّة تفاهم مع الدولة اللبنانيّة بهذا الخصوص لرعاية شؤون اللاجئين، وبالتالي يمكن وضع ذلك في خانة تدابير المفوضيّة، في حين أنّ الدستور اللبناني يمنع منحهم هذه الصّفة".

ورأت أنّ "ثمة موجة سياسية تحاول استغلال قضية اللاجئين لمضايقة المجتمع الدولي بهدف زيادة المساعدات المالية، فإمّا زيادة المساعدات (علماً أنّه ليس من الخطأ النقاش بشكل مباشر لزيادتها)، وإما إيجاد حل إنساني طويل لإعادة اللاجئين إلى بلدهم".

توضيح المفوضية

علّقت المفوضية قائلةً إنّ "إفادة السكن وثيقة أساسية للاجئين المسجّلين لديها، ليتمكنوا من الحصول على إقامة قانونية في لبنان، ثم الاستفادة من الخدمات الأساسية، كتسجيل أطفالهم في المدرسة، وتؤمّنها المفوضية بناء على اتفاقية مع السلطات اللبنانية وبدعم منها".

وعليه، فإن صدور إفادات سكن دورية للسوريين ولمدة عام واحد مقرونة بتجديد إقامتهم، روتين قائم كجزء من البروتوكول بين المفوضية والأمن العام منذ العام 2016، وتهدف لضبط الوضع القانوني لأولئك الذين وصلوا إلى البلاد بين عامي 2011 و2015، تاريخ توقّف المفوضية عن تسجيل اللاجئين بطلب من الدولة اللبنانية.

سجال دائم بين الدولة اللبنانية والمفوضية

ليست المرة الأولى التي يندلع فيها السجال حول آلية عمل المفوضية العليا، فأخيراً كان السجال بينها وبين وزير الشؤون الاجتماعية من جهة ورئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي من جهة ثانية، حين وافق الأخير على "دولرة" المساعدات للاجئين باتفاق بينه وبين المفوضية حصراً، ضارباً بعرض الحائط رأي وزير الشؤون الاجتماعية هكتور حجار الذي اعترض على الموضوع.

وأثير في وقت سابق، رفض المفوضية تقديم "الداتا" عن اللاجئين في لبنان، وحقيقة امتلاكها المعلومات الكافية والوافية بأدقّ التفاصيل عن أماكن سكن وأعداد السوريين، وهو ما لا تملكه الدولة اللبنانيّة، وما زاد الطين بلّة انتشار صورة لـ"إفادة" سكن صادرة عن المفوضيّة، فهل تتحول "إفادة سكن السوريين" إلى معركة جديدة مع المفوضيّة؟

مطالبات بالترحيل

يذكر أن لبنان لا يكفّ عن المطالبات بدعم أممي للاجئين لديه، وعن مساعدة دولية لإعادة السوريين، كما السلطات اللبنانية نظّمت عبر جهاز الأمن العام، حملات إعادة للاجئين بعنوان "العودة الطوعية" للسوريين إلى بلدهم، غير أنّ منظمات حقوق الإنسان تعتبر هذه العودة قسرية.