icon
التغطية الحية

إعلام النظام يحرض على إدلب..القتل باللغة أولاً

2018.09.03 | 17:09 دمشق

شعار الإخبارية السورية التابعة للنظام(إنترنت)
تلفزيون سوريا-سامر قطريب
+A
حجم الخط
-A

في الحرب العالمية الثانية اتخذ العلم موقفا منحازا  إلى السلاح والدولة القومية، واندفع علماء الأنتروبولوجيا إلى إظهار انحطاط أصول وجذور الخصم العرقية، وبدأ علماء النفس بابتكار نظريات تفيد بأن الخصم مصاب بالجنون وهو يمثل كل شرور العالم، وبذلك أبعدت الحرب العلم عن الحياد.

كل ذلك كان لتبرير القتل وإقناع الجيوش بأن غايتهم نبيلة وهي تخليص البشرية من الشر، تعود هذه الممارسات إلى الحاضر بقوة مع دخول العمليات العسكرية لنظام الأسد عامها الثامن بدعم روسي يحاول لعب دور مخلص العالم من "الإرهاب" في سوريا.

اللغة أيضا تفقد حيادها وتصبح سلاحا جيدا للقتل والتصفية الجسدية على المستوى الفردي و الجماعي، خاصة عندما تديرها وسائل الإعلام التابعة للنظام الذي بدأ حرب إبادة علنية منذ لحظة اندلاع الثورة وحتى التطورات الأخيرة في إدلب. 

ولم يوفر النظام والروس لأجل ذلك وسيلة تذكر وفي المقدمة الإعلام وسياسيون يتامى خلفتهم وراءها حقبة الأسد في لبنان. 

حتى تقتل ببرودة وأنت وراء عدسة الكاميرا أو الشاشة وتنجو بفعلتك، عليك حيونة خصمك وتجريده من كل صفاته الإنسانية، وإذا قررت التخلي عن كل الضوابط الأخلاقية والمهنية بإمكانك تحويل عدوك إلى وحش، كما يفعل إعلام النظام الرسمي منذ ثماني سنوات، وأحدث حملات التحريض على العنف والقتل جاءت على لسان سالم زهران مدير مركز الارتكاز الإعلامي في لبنان، وذلك في حديثه عن إدلب.

يقول "زهران" في حوار على قناة الإخبارية السورية التابعة للنظام،" من سنة مع إختنا ربا هون كنا عم نقلها لتفهمي المشهد بإدلب بحاجة تفهمي تدوير النفايات كيف بصير..بنصح الإخبارية السورية وأنا ابن الإخبارية نعمل وثائقي عن تدوير النفايات والمسلحين وحقول كيف..".

يسهب"زهران" في حديثه عن عمليات تجميع السوريين والفصائل العسكرية المعارضة -باعتبارهم نفايات- في "منطقة جرود عرسال وبلدة قارة" وفرزهم إلى إدلب، حيث تنتظرهم هناك عمليات"الطحن" و"الدفن".

هكذا يتم التحضير النفسي لقوات النظام والميليشيات المساندة والموالية لها، لارتكاب عمليات القتل في إدلب باعتبار أن سكانها  "نفايات وإرهابيون" وليسوا بشرا، ويجري ذلك على المستوى السياسي، و النفسي عبر وسائل إعلام النظام الرسمية والموالية.

يدعو إعلام النظام عبر "زهران" وغيره من السياسيين إلى تطبيع المجتمع مع العنف، وتحويل العنف إلى جزء طبيعي منه، ليتقبل المجتمع السوري الذي قسّم بشكل غير علمي إلى معارض وموالي، حيث يعتبر المؤيد أن العنف ضرورة وحتمية لرد العنف المضاد عنه.

ما يدور الآن من تجريد سكان محافظة إدلب من إنسانيتهم ووصمهم "بالإرهاب" تمهيدا لقتلهم بمبرر أن "السلطة أمرت"بذلك، تنبأ به كتاب"حيونة الإنسان" للراحل ممدوح عدوان، الذي كشف كيف للديكتاتوريات أن تحول الإنسان إلى جلاد لأخيه.

يقول الكتاب في جزء منه "إن منفذ التعذيب بعد شحنه بفكر معين وعواطف وأحقاد خاصة، يشعر بأنه يؤدي خدمة خاصة "للسلطة التي يحترمها أويهابها أو يخافها"، أو للأيديولوجيا التي يؤمن بها، والسلطة هنا هي الحكومة أو الشعب أو الحزب أو الطائفة أو الجماعة الإثنية".

"الخصم الحر يجب أن يصنف على أنه"لا إنساني" كما يقول ديفد كوبر في ديالكتيك التحرر، وغير الإنساني يصبح غير إنسان، وبهذا يمكن تدميره تدميرا تاما من دون أي احتمال شعور بالذنب".

ورغم التحذيرات الأممية والدولية من كارثة إنسانية ومجزرة قد تحدث في إدلب، يستمر النظام وإعلامه في نشر خطاب الكراهية والتحريض متجاهلين كل ذلك، فالجريمة يمكن الدفاع عنها دوليا وهنا الإشارة إلى تأييد المبعوث الأممي إلى سوريا ستيفان دي مستورا للعملية العسكرية على إدلب، التي أصبحت سوريا الصغرى بما جمعت من سوريين هجرهم النظام ونازحين من مناطق عدة.

وبذلك يعمل النظام عبر إعلامه على تشكيل صورة جديدة للسوريين، المعارضين عموما والقاطنين في مناطق سيطرة المعارضة وهي بعنوان "السوريون الطيبون والأشرار"، وهو شرخ اجتماعي جديد قد يصعب على السوريين أنفسهم علاجه إذا ما نجح النظام بتنفيذ آخر فصوله في مدينة إدلب.

إدلب ليست الساحة الأولى لتطبيق نظريات التحريض والكراهية التي يمارسها إعلام النظام ضمن سياسته لتبرير القتل إجتماعيا، فقد سبقتها غوطة دمشق الشرقية وقبلها حلب التي قسّمت إلى شرقية وغربية، وعندما كانت براميل الموت تذبح السوريين في مناطق المعارضة أطفالا ونساء ورجالا؛ كانت الحياة تسير في قلب العاصمة دمشق وفي حلب "الغربية" وباقي مناطق سيطرة النظام!، وكان إعلام النظام يطبل للانتصارات و"لتطهير" البلاد.

ويبقى توصيف ممدوح عدوان في كتابه للواقع الذي يعيشه المجتمع السوري حاليا أفقا للتخيُّل وتركيب صورالآخر والإحساس به" أنت لاتشعر بالضرب حينما تكون حرا  أن ترده، أنت تشعر به هناك حين يكون فقط عليك أن تتلقاه، ولا حرية لك ولا قدرة لديك على رده هناك تجرب الإحساس الحقيقي بالضرب...بألم الضرب..لا مجرد الألم الموضعي للضربة ..إنما بألم الإهانة".