إدلب: رسائل حرب أم مؤشرات سلام؟

2020.04.22 | 00:10 دمشق

fe795245-a7ac-4211-aaec-8bba8577e821.jpeg
+A
حجم الخط
-A

اختلفت ردود الفعل تجاه الزيارة الأخيرة لوزير الخارجية الإيراني جواد ظريف إلى دمشق، وتباينت القراءات للرسائل التي يحملها إلى النظام، بين من يعتقد أن طهران تريد استئناف العمليات العسكرية في إدلب، ومن يرى أنها تسعى لتكثيف الضغط على النظام من أجل تثبيت خطوط الاشتباك والحفاظ على وقف إطلاق النار.

والواقع أن كل قراءة تعتمد على معطيات محددة، وبالنسبة لمن يعتقد أنها "زيارة حرب"، فإن الخروقات المستمرة لقوات النظام والميليشيات الداعمة لها للهدنة الحالية، إضافة إلى التحشيد المكثف لهذه الميليشيات على عدد من جبهات ريف إدلب تعتبر مؤشرات واضحة على هذا التوجه، أضف إليه الرؤية السائدة لدى هذا الطرف في أن إيران غير راضية بالأصل عن اتفاق التهدئة الحالي بين روسيا وتركيا، والذي وضع حداً للحملة العسكرية الأخيرة على إدلب، وأنها تسعى جاهدة لتقويض هذا الاتفاق والمضي قدماً في إنجاز الحل العسكري بشكل كامل.

ويتناقض ذلك بلا شك مع الرغبة الروسية الظاهرة في الحفاظ على هذه الهدنة وإلزام النظام بعدم خرقها، حيث عبر العديد من وسائل الإعلام والصحفيين والديبلوماسيين الروس المقربين من الكرملين عن هذا التوجه مؤخراً، وآخرهم السفير السابق ألكسندر اكسينيوك الذي يعمل حالياً مستشاراً لدى المجلس الروسي للشؤون الدولية، وهو مركز يقدم استشارات لوزارة الخارجية، حيث وجه الدبلوماسي الروسي رسائل حازمة وانتقادات لاذعة لنظام الأسد، بعد سلسلة من التقارير واستطلاعات الرأي التي نشرت في موسكو خلال الأيام الأخيرة الماضية، وكانت كلها تصب في هذا الاتجاه.

وإذا كانت الرسائل الروسية السابقة على ما كتبه اكسينيوك بدت غير مباشرة في هذه النقطة (عسكرياً) وركزت على الفساد داخل النظام، فإن السفير الروسي في مقاله الذي نشره الموقع الإلكتروني لنادي فالداي للحوار، الذي أسسه الرئيس فلاديمير بوتين وبات يعد أرقى منتدى للحوار الاستراتيجي في روسيا بدا أكثر تركيزاً وصراحة في هذا الجانب، حيث تطرق إلى "خطاب الانتصار" الذي يتبناه النظام، ومواصلة التلويح باستكمال القتال، ورأى أن النظام يتحدث "بلغة منفصلة عن الواقع".

اكسينيوك لفت في مقاله الذي نشره الأحد إلى أنه "ورغم النجاح التكتيكي الذي حققته الحملة العسكرية على إدلب بدعم من القوات الجوية الروسية، فإنها كشفت عن حدود ما هو ممكن... فخلال سنوات الحرب، تكبدت قوات النظام خسائر كبيرة في العدة والعتاد، وخارت صلابة قوات النخبة القادرة على القتال"، مضيفاً أن "حديث النظام عن استعادة السيطرة على كامل الأراضي السورية لا يتناسب مع قدراته الاقتصادية ولا توجهات حلفائه ولا مع الوضع على الأرض".

من الواضح إذن أن هناك رغبة روسية في الحفاظ على الوضع القائم، لكن ما هو غير واضح بالفعل الموقف الإيراني ونوايا طهران التي لا يمكن بالوقت نفسه التقليل من أهمية المعطيات التي تشير إلى أنها ليست بوارد استئناف القتال، على الأقل في الوقت الحالي، وإن كانت تريد إبقاء التوتر قائماً.

فالخسائر الاقتصادية الفادحة التي تعرض لها النظام الإيراني منذ مطلع هذا العام نتيجة تشديد العقوبات الأمريكية عليه، والتي تضاعفت بشكل رهيب مع انخفاض أسعار النفط وتفشي وباء كورونا في البلاد، عوامل لا بد وأنها ستفرض كبح جماح اندفاع الصقور في طهران، خاصة إذا ثبت أن موسكو ليست متحمسة بالفعل للخيار العسكري، الأمر الذي سيقلل بنسبة كبيرة فرص نجاح أي هجوم جديد لقوات النظام وميليشياته على إدلب.

وما يعزز أكثر من حظوظ توقع استمرار التهدئة، الاتفاق الذي توصلت إليه هيئة تحرير الشام والنظام مؤخراً من أجل افتتاح معبر تجاري جديد في مدينة سراقب، وعلى الرغم من اضطرار الطرفين لتأجيل تنفيذ هذا القرار، فإن ذلك يبقى مؤشراً مهماً على إرادة مشتركة في الحفاظ على الجغرافيا العسكرية الحالية.

يبقى أمر أخير جدير بالملاحظة، وهو استمرار تركيا في إرسال المزيد من قوات الجيش إلى إدلب وريفها، الأمر الذي يجعل السؤال التالي محقاً، وهو أنه طالما لن يكون هناك قتال، فلماذا تواصل أنقرة تعزيز قواتها هناك؟

ما من شك أن تركيا التي لا تقل حرصاً على تثبيت وقف إطلاق النار عن روسيا، وانجاح الاتفاق الموقع بينهما، تخشى في الوقت ذاته من شن النظام أي هجوم مباغت، على ضعف هذا الاحتمال، إلا أنها تخشى في الوقت ذاته أيضاً أي أعمال عدائية من قبل بعض التنظيمات الجهادية الرافضة للهدنة وللوجود التركي في إدلب بالأصل.

أكثر من مؤشر صدر عن هذه الجماعات خلال الفترة التي تلت توقيع اتفاق وقف إطلاق النار الأخير مع روسيا، لكن أخطرها التصريح المنسوب للمنظر الجهادي (الفلسطيني الأردني) الشهير أبو محمد المقدسي، والذي تداولته حسابات مقربة من تنظيم حراس الدين على مواقع التواصل الاجتماعي يوم الثلاثاء.

المقدسي الذي يعتبر مرجعية أساسية لدى التنظيم الذي يقدم نفسه كفرع للقاعدة في سوريا، وكذلك لدى تنظيمات جهادية أخرى تتفاوت في القدرة والحجم، اعتبر أن "الطاغوت الصائل الذي يغزوك ليبطل جهادك أو ليوقفك أو ليفرض عليك علمانيته أو ليفرض عليك قرارات الأمم الملحدة.. أو ليفرض عليك أستانا هو عدو صائل تنطبق عليه جميع أدبيات الجهاد والثورة والتحرير التي تتحدث عن وجوب دفع الصائل"..

تهديد، أو على الأقل تحريض هو الأكثر مباشرة، هذا إذا أهملنا سلسلة تهديدات سابقة صدرت عن ملثمين تحمل نفس الخطاب، أو تصريحات مواربة لقادة في بعض تلك الجماعات، الأمر الذي يؤكد أن تركيا ستكون أمام مهمة معقدة من أجل تفكيك هذه القنبلة الموقوتة التي تهدد اتفاقاتها وقواتها أيضاً في منطقة إدلب، دون أن تضطر إلى استخدام القوة، وهي معادلة في غاية الصعوبة بطبيعة الحال، لكنها لا تقل خطورة عن لجوء النظام وحلفائه إلى نسف الهدنة تحت أي ذريعة، وعليه فإن إرسالها المزيد من الحشود العسكرية هي من باب الردع كما يبدو أكثر منه من باب الاستعداد للحرب، التي لا يبدو أن أي من الأطراف يريدها حالياً مهما تحدث عنها.