icon
التغطية الحية

إدلب بين تهديدات النظام وتحضيرات الثوار لصد أي هجوم متوقع

2018.09.06 | 11:09 دمشق

من معارك فك الحصار عن مدينة حلب عام 2016 (إنترنت)
تلفزيون سوريا - عبدالله الموسى
+A
حجم الخط
-A

تكررت في الآونة الأخيرة تصريحات مسؤولي الدول المعنية بالشأن السوري، وتحديداً ضامني منطقة خفض التصعيد الرابعة في إدلب والأرياف المحيطة بها، دون أن يقدم هؤلاء المسؤولون أي جديد يعطي مؤشراً لثلاثة ملايين سوري في إدلب حول مصيرهم، وسط تهديدات حلف النظام "بضرورة محاربة الإرهاب، والقضاء على التنظيمات الإرهابية"، وتأكيد تركيا على ضرورة عدم شنّ أي معركة في المنطقة، والابتعاد عن الحل العسكري لإنهاء وجود هذه التنظيمات، التي لم تتوصل معها تركيا حتى الآن إلى تفاهم واضح.

تعزيز الجبهات تحسباً لمعركة مُرجّحة

ومنذ بدء تشكيل الجبهة الوطنية للتحرير من جميع الفصائل العسكرية ما عدا "تحرير الشام" برعاية تركية واضحة، بدأت مختلف مكونات الجبهة بتعزيز خطوط الدفاع مع قوات النظام لامتصاص الهجوم الأول في حال حصل ذلك.

وفي هذا السياق قال النقيب علي شاكردي عضو مجلس قيادة الجبهة الوطنية للتحرير لموقع تلفزيون سوريا، إن توحد الفصائل ضمن الجبهة الوطنية للتحرير ساهم بشكل فعال وسريع نحو مزيد من التنسيق لسد الخلل وتعزيز التواصل ضمن نقاط الرباط الممتدة من الساحل وحتى ريف حلب الغربي، حيث تم تشكيل 5 غرف عمليات هي غرفة عمليات الساحل، وغرفة عمليات حماة، وغرفة عميات ريف إدلب الجنوبي، وغرفة عمليات ريف حلب الجنوبي، وغرفة عمليات ريف حلب الغربي.

وأوضح شاكردي أن جميع الجبهات مع قوات النظام تشهد جهود مكثفة وكبيرة لتحصينها، وتشمل التحصينات تعزيز نقاط الحراسة والمراقبة وحفر الخنادق والأنفاق ورفع السواتر الترابية.

وأكد شاكردي عبر عمليات الرصد وجود تعزيزات لدى قوات النظام في مناطق متفرقة من خطوط الجبهة، وأن المعلومات لديهم ترجّح أن يشن النظام هجوماً قريباً

وأكد شاكردي عبر عمليات الرصد وجود تعزيزات لدى قوات النظام في مناطق متفرقة من خطوط الجبهة، وأن المعلومات لديهم ترجّح أن يشن النظام هجوماً قريباً، دون وجود تأكيد قطعي، "ومن هذا المنطلق وأخذاً بأسوأ الاحتمالات، تم تكثيف الجهود لخلق مزيد من التحصينات التي جعلت خطوط الجبهة الآن جاهزة لامتصاص أي هجوم محتمل".

ولم تقتصر التحضيرات لصد أي هجوم محتمل على تعزيز الجبهات فقط، فقد أفاد النقيب ناجي مصطفى المتحدث باسم الجبهة الوطنية للتحرير لموقع تلفزيون سوريا، أنه تم عقد اجتماعات مع فيالق الجيش الوطني بريف حلب الشمالي والشرقي، من خلال لجنة مُكلفة من قبل الجبهة، لمزيد من التنسيق بين الجهتين العسكريتين.

وأكد النقيب ناجي أن الجيش الوطني أبدى استعداده المشاركة بالمقاتلين والعتاد والذخيرة إلى جانب الجبهة الوطنية للدفاع عن إدلب والتصدي لأي هجوم محتمل على إدلب، وتم التفاهم على العديد من النقاط المبدئية.

وإلى جانب التحضيرات العسكرية، أفاد ملهم شامي من فريق "منسقو الاستجابة شمال سوريا" لموقع تلفزيون سوريا أن الجهات المدنية والمنظمات الإغاثية بدأت تجهيز الخطط اللازمة لتدارك الحالة الإنسانية الصعبة التي سيواجهونها في حال حصول أي هجوم قريب، مضيفاً أن "منسقو الاستجابة" ستعمل على وضع خطط للمأوى والغذاء والصحة والكيماوي.

بماذا تتميز إدلب عن غيرها من المناطق السورية؟

كان الشمال السوري في كل من حلب وإدلب من أكثر المناطق التي تلقت دعماً عسكرياً بالسلاح والذخائر، بحكم أن أغلب فصائلها من الجيش الحر كانت منضوية ضمن غرفة عمليات "الموم" التي قدمت تدريبات وسلاحاً نوعياً بالأخص الصواريخ المضادة للدروع، التي لعبت دوراً حاسماً في معارك كبيرة شهدها الشمال السوري منذ 2014 وحتى إعلان الولايات المتحدة إيقاف عمل الغرفة في أنقرة وتوجه الدعم الأمريكي والغربي إلى قوات سوريا الديمقراطية في شمال شرق سوريا لمحاربة تنظيم الدولة.

وبذلك باتت تركيا هي الدولة الوحيدة المعنية في الشمال السوري، ورغم تفاوت الدعم والنفوذ التركي بين مناطق ريف حلب الشمالي ومنطقة إدلب، إلا أن الفصائل العسكرية في إدلب بقيت تتلقى دعماً تركيا مادياً ومالياً، وأصبح النفوذ التركي في إدلب متنامياً بشكل أكبر خاصة بعد توقيع اتفاق خفض التصعيد بين ضامني أستانة الثلاث.

وبحكم الدعم العسكري الذي لم ينقطع عن المنطقة، وبحكم الكميات الكبيرة من السلاح والذخائر التي استولت عليها الفصائل من قوات النظام في معارك السنوات السابقة، باتت الفصائل العسكرية المختلفة في الشمال السوري تمتلك مئات العربات العسكرية والدبابات والمدافع الثقيلة، إلى جانب مئات صواريخ الـ م/د من نوع تاو وأنواع أخرى، فضلاً عن كميات كافية من الذخيرة الثقيلة وكميات أكثر من كافية من الذخائر المتوسطة والخفيفة.

باتت الفصائل العسكرية المختلفة في الشمال السوري تمتلك مئات العربات العسكرية والدبابات والمدافع الثقيلة، إلى جانب مئات صواريخ الـ م/د من نوع تاو وأنواع أخرى، فضلاً عن كميات كافية من الذخيرة

وبات آلاف المقاتلين الذين هجرهم النظام مع عائلاتهم من مختلف المناطق السورية إلى إدلب وحلب، في وضع أكثر جاهزية بعد أن قامت فصائلهم مؤخراً بتجهيز مقار ومعسكرات خاصة بهم في الشمال السوري، ما سيزود المنطقة بمزيد من المقاتلين للدفاع عنها.

ولا يمكن على الإطلاق مقارنة المناطق المحاصرة التي استولى عليها النظام وروسيا في محيط العاصمة دمشق ووسط سوريا وجنوبها مع الشمال السوري الذي يربطه بتركيا أكثر من 400 كم وأربعة معابر حدودية تدخل عبرها المواد الإغاثية والطبية والمواد الغذائية الرئيسية، ويدخل من خلالها المصابين بحالات حرجة لتلقي العلاج في المشافي التركية.

إضافة إلى كل ما سبق باتت منطقة إدلب بعد سيطرة الجيش الحر وتركيا على منطقة عفرين على اتصال جغرافي مع ريف حلب الشمالي الخاضع للحماية التركية، وفي هذا السياق يقول الناشط الإعلامي ورد فراتي أن "الروس يعتمدون في حربهم ضد الثوار السوريين بشكل كلي على القدرة التدميرية الفتاكة لسلاحهم ضد المدنيين وأحيائهم، وما يسببه ذلك من ضغط كبير على الثوار المقاتلين وكافة المجالات الخدمية الأخرى، وقد كانت كل من حلب وغوطة دمشق ودرعا شواهد على النهج الإرهابي للاحتلال الروسي".

الروس يعتمدون في حربهم ضد الثوار السوريين بشكل كلي على القدرة التدميرية الفتاكة لسلاحهم ضد المدنيين وأحيائهم، وما يسببه ذلك من ضغط كبير على الثوار المقاتلين

وأضاف أن ما يميز منطقة إدلب هو "إمكانية تجريد الروس من سلاحهم الأهم، ألا وهو قتل المدنيين، فالمنطقة مفتوحة اليوم على ريف حلب الشمالي (عفرين -الباب -إعزاز -جرابلس) والتي تعد منطقة تحت الحماية التركية، وبالتالي منطقة آمنة تماماً من عمليات القصف". ويعتبر ورد فراتي ذلك أن ذلك يمكن أن يغير موازين المعركة ضد الروس.

أما بخصوص المقاتلين الأجانب من التنظيمات الجهادية في إدلب وعلى الرغم من أن ملفهم يمثل التحدي الأكبر أمام تركيا التي تعهدت بإيجاد حل لهم، إلا أنه سيكون لهم دور كبير في مواجهة أي هجوم عسكري وذلك لعدم وجود خيار آخر أمامهم، فروسيا لا تقبل التفاوض معهم وتشدد مؤخراً في تصريحات زعمائها على ضرورة "القضاء عليهم". وكان لهذه التنظيمات دور كبير في المعارك الأخيرة التي شاركوا فيها ضمن غرفة عمليات "جيش الفتح" وكان آخرها معركة فك الحصار عن مدينة حلب أواخر عام 2016، لما تمتلكه من خبرات عشرات السنوات من التنظيمات الجهادية، فضلاً عن سلاح المفخخات القادر على خلق نوع من توازن القوى لاختراق تحصينات النظام القوية.

ويولي السوريون والدول المعنية بشأنهم اهتماماً بالغاً للمنطقة التي باتت آخر معاقل الثوار، وبات واضحاً أن تعقيد ملفاتها أكبر بكثير مما كان يتصور ضامنو خفض التصعيد، إذ يُعوّل ملايين السوريين فيها وآخرون خارجها على تمكّن تركيا من تحصيل اتفاق مناسب قدر الإمكان للجميع، يُجنّب المنطقة ويلات أي هجوم لحلف النظام عليها، ويحفظ للثورة إدلب التي انتفضت في بداية الحراك الثوري، والتي أصبحت لاحقاً مركز الثقل العسكري للثورة السورية، والمأوى الأخير لمئات آلاف المهجرين قسرياً.