أوكرانيا.. تسوية دبلوماسية أم نذر عالمية ثالثة!؟

2022.02.16 | 05:25 دمشق

1843024.jpg
+A
حجم الخط
-A

منذ آذار عام "2014" تعتبر أوكرانيا "روسيا" دولة محتلة لقسم من أراضيها بعد أن ضمت شبه جزيرة القرم إليها، وقيامها بدعم المتمردين الانفصاليين في إقليم "دونباس" الذين يطالبون بالانفصال والاستقلال عن "كييف". إلا أن "موسكو" تنفي هذا الأمر بالمطلق بحجة أن عملية "استعادة الوحدة" بين القرم وروسيا أتت كنتيجةٍ حتميةٍ لاستفتاء "تقرير المصير" الذي أجري في شبه الجزيرة الواقعة في البحر الأسود، نافية ضلوعها في الحرب الأهلية في" دونباس"، ومؤكدة على أنها من الدول الضامن لاتفاقات "مينسك" للتسوية وليست طرفا فيها.

بدايات الخلاف والحرب المنسية الروسية الأوكرانية

بعد ضم "شبه جزيرة القرم" إلى روسيا، دعا الانفصاليون الموالون لروسيا في "دونباس" إلى إجراء استفتاء تقرير المصير أسوة بالقرم وأعلنوا بشكل أحادي وبدعم روسي عن قيام ما يعرف بـ "جمهوريتي دونيتسك ولوغانسك الشعبيتين"، مما أدى إلى اندلاع "الحرب الأهلية" في ربيع "2014"، والتي ذهب ضحيتها حتى الآن أكثر من "13" ألف قتيل ونزوح ما لا يقل عن "1.4" مليون من سكان دونباس داخلياً، وفرار أكثر من "75" ألفاً على الأقل إلى روسيا.

مما لا شك فيه أن خروج "أوكرانيا" من الفلك الروسي في عام "2013" بعد سقوط نظام الحكم الموالي لها (الرئيس يانوكوفيتش) وتحول النظام السياسي الجديد لكييف إلى "خصم" لموسكو وإلى "حليف" للولايات المتحدة وأوروبا الغربية وتحول "أوكرانيا" في عام "2014" إلى نموذج "الدولة القومية" بلا رجعة بعد قطعها طريقا طويلا نحو التكامل مع الغرب وصل إلى حد إعفاء المواطنين الأوكرانيين من تأشيرات السفر إلى دول الاتحاد الأوروبي. كل هذا مجتمعا شكل هزة وهزيمة "جيوسياسية" من الصعب على "روسيا" التسليم والاستسلام لها بسهولة وخاصة أن "موسكو" كانت تخطط وتعتقد بأن "أوكرانيا" يجب أن تبقى "تابعة" لها وتدور في فلكها بمعركتها مع "خصومها" (الغرب وواشنطن)، لا أن تصبح تهديدا أو "واجهة" تهديد متقدمة لأمنها القومي. ولعلّ أكثر ما أثار قلق "موسكو" هو السعي الذي تنتهجه "كييف" للالتحاق بركب حلف شمال الأطلسي عبر خطوات باتت عملية وواضحة المعالم لجميع المتابعين والمراقبين.

إن "روسيا" ترى أن أي تمدّد لحلف شمال الأطلسي يعني التمدد الأميركي إلى قرب حدودها مع أوكرانيا وهو ما يعتبره الكرملين "خطا أحمر"، ولذلك تتعامل موسكو بـ "عدوانية" مع "كييف"، باعتبارها أصبحت _أي كييف_ واجهة لمعركة كبرى تظن وتقدّر "روسيا" أنها تستهدف أمنها القومي ومجالها الحيوي. ولذلك يطالب "الكرملين" بضمانات أمنية موثوقة بعدم انضمام "أوكرانيا" إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو) خوفا من نشر صواريخ أميركية على الأراضي الأوكرانية في حال تم قبول عضوية "كييف" في الحلف الاطلسي. 

طبول الحرب تقرع ونذر حرب لا تبقي ولا تذر تقترب

من خلال الحشد والحشد المضاد والمناورات والتدريبات والتحضيرات الواسعة، وما رافقه من تصعيد وتعنت في المواقف بين موسكو من جهة وواشنطن والغرب من جهة ثانية، ومع تدفق ترسانات الأسلحة الأميركية والغربية الحديثة المتنوعة (صواريخ م/د جافلين وصواريخ ستنجر م/ط) وغيرها من العتاد المتنوع الحديث الذي تم تزويد الجيش الأوكراني به، فالواقع التكتيكي والاستراتيجي يقول إن الحرب إذا اشتعل أوارها وبدأت "روسيا" عملياتها العسكرية ضد "أوكرانيا" فإن كل الدلائل السياسية والعسكرية تشير أن هذه الحرب لن تكون مجرد "نزهة" قصيرة للقوات الروسية أو ستكون كالسابق وبالسهولة النسبية التي سيطرت من خلالها "موسكو" على إقليم "دونباس" وشبه جزيرة القرم في آذار "2014".   

رغم إنكار موسكو ونفيها وجود أي نية لها باجتياح "أوكرانيا" بل وادعائها أن الذي يجري ليس بأكثر من "بروبوغاندا" وتصعيد إعلامي غربي وأميركي مفتعل! ولكن عمليا فإن الموقف الميداني مع كل الدلائل والمؤشرات التكتيكية والاستنفارات والحشود العسكرية الضخمة وكل هذه المناورات الواسعة (عزيمة الاتحاد) التي تقوم بها القوات الروسية والبيلاروسية بالذخيرة الحية في البر والبحر والجو تشير وتنذر عن قرب اندلاع مواجهة واسعة مفتوحة الاحتمالات. مواجهة قد تعرف روسيا وتعلن بدايتها ولكن بالتأكيد لن يكون لها أن تعرف امتداداتها أو نهاياتها ونتائجها والمشاركين فيها والكوارث التي ستخلفها.

السيناريو التكتيكي والاستراتيجي الروسي المحتمل لغزو أوكرانيا

من خلال التصعيد والحشد الروسي الكبير لترسانته في البحار وعلى خطوط الجبهات المتعددة مع أوكرانيا فإن أي سيناريو هجومي محتمل قد تقوم به موسكو لاجتياح أوكرانيا سيمر بالخطوات التالية:

  1. هجوم إلكتروني وسيبراني روسي على أجهزة التحكم بالمنشآت الحيوية الأوكرانية كمحطات الكهرباء أو الغاز والمطارات والبنى التحتية وغيرها وشلها وسيكون الهدف من ذلك إحداث الفوضى والاضطرابات والخلل داخل المجتمع الأوكراني ومحاربتهم نفسيا.
  2. قيام روسيا بالترافق مع الهجوم البري والجوي بتفعيل أجهزة الحرب الإلكترونية بكل أنواعها على برمجيات الأسلحة الدقيقة ووسائط الدفاع الجوي والرادارات للقوى البرية والبحرية والجوية الأوكرانية بهدف التأثير عليها وإصابتها بالخلل أو شلها وإخراجها من المعركة. 
  3. من خلال التحشدات العسكرية الروسية شرقا وشمالا وجنوبا ومن شبه جزيرة القرم وبحريا من البحر الأسود فالمخطط الاستراتيجي والعملياتي الروسي سيكون هدفه مع بداية العمليات وبلا أدنى شك محاولة إطباق الحصار البري والبحري على الحدود الأوكرانية من ثلاثة جبهات والتضييق عليها وعزلها تماما عن الخارج.
  4. قبل بدء الهجوم البري سيكون هناك فترة محددة لتمهيد ناري كثيف تقوم به المدفعية والمدفعية الصاروخية والراجمات والطيران المتنوع على بنك أهداف الأفضلية الأولى (مراكز القيادة والسيطرة الأوكرانية ومرابض المدفعية والصواريخ، وطرق الإمداد والمؤخرات.. الخ).
  5. بمرافقة الطيران المقاتل والقاذف (سو 35، سو 57 ) وحوامات الدعم الناري المباشر (كاموف 52 وغيرها) تبدأ عمليات برية روسية واسعة يكون الهجوم الرئيسي فيها على الأغلب انطلاقا من الجبهة الشرقية (إقليم دونباس) ومن عدة محاور واتجاهات وستستخدم روسيا بالتأكيد المتمردين الانفصاليين في الإقليم المدعوين منها كرأس حربة في هذا الهجوم المحتمل.
  6. بالتأكيد وللمساعدة والتخفيف عن اتجاه الهجوم الرئيسي الروسي والمتوقع أنه سيكون من الجبهة الرخوة (إقليم دونباس) ولتثبيت القوات الأوكرانية في مواقعها ومنعها من الإسناد والمناورة من اتجاه إلى آخر أثناء حدوث الهجوم فسيكون هناك محاور هجوم ثانوية أو تضليلية روسية تكون منطلقاتها من الجبهة الشمالية والجنوبية الشرقية ومن شبه جزيرة القرم حيث تتواجد أيضا تحشدات عسكرية كبيرة.
  7. من الوارد جدا حدوث عمليات إنزال جوي خلف الخطوط الأوكرانية لتأمين رأس جسر وتأمين الهجوم الرئيسي القادم من الجبهة وأيضا للقيام بعمليات تخريب ضد المنشآت الحيوية الأوكرانية وضرب خطوط الإمداد.

ختاما.  في الواقع، تريد روسيا أن يعود الناتو إلى حدود ما قبل عام 1997. فهي لا تريد توسعه باتجاه الشرق وازدياد نشاطه في دول أوروبا الشرقية. وهذا يعني رغبتها في سحب الوحدات العسكرية القتالية للناتو من بولندا وجمهوريات البلطيق، وعدم نشر صواريخ في دول مثل بولندا ورومانيا وبالتالي إذا كان هدف روسيا الوحيد كما تقول هو إبعاد الناتو عن حديقتها الخلفية لنزع فتيل هذه الأزمة، فليس هناك ما يشير إلى نجاحها في هذا الأمر. إذ رفضت الدول الأعضاء في حلف الناتو بشكل قاطع أي محاولة لتقييد حركتها في هذا الصدد. فقد قالت نائبة وزيرة الخارجية الأميركية ويندي شيرمان إننا: "لن نسمح لأي شخص أن يعرقل ويحد من سياسة الباب المفتوح للناتو". وإن روسيا لا تملك حق النقض، ولا يحق لها التدخل في هذه العملية. "إذاً" فهل يكون هذا التعنت في المواقف بين الناتو وروسيا سيغلق أبواب الدبلوماسية وتفتح أبواب الحرب والجحيم وتنغمس روسيا في حرب استنزافية أفغانية أخرى أو بنجر العالم إلى أتون خطر نشوب حرب عالمية نووية ثالثة لا تبقي ولا تذر تعيد الكون إلى ظلمات العصور الوسطى والعصر الحجري.