أوراق من الصندوق الأسود للاجئين في أوروبا

2023.06.15 | 07:30 دمشق

أوراق من الصندوق الأسود للاجئين في أوروبا
+A
حجم الخط
-A

عندما دخلتُ إلى قاعة امتحان الفحص النظري لشهادة قيادة السيارة عام 2018 كنتُ نسيتُ هاتفي النقال مفتوحاً، وبعد دقائق من بدء الامتحان اكتشف المراقب ذلك حيث أجبته صادقاً حين سألني، فألغى لي الامتحان واعتبرني راسباً. ولاحقاً وصلتني غرامة مالية واجبة الدفع. بعد يوم من هذا الحادث كنتُ أروي لجاري السوري اليزيدي ما حدث معي. مع أني شخصياً لم ألجأ نهائياً للغش طول حياتي في سوريا. شرح لي مطولاً الكثير من أساليب الغش التي يلجأ لها مهاجرون، منها وضع كاميرات مع سماعات أذن مخفيتين، في مقدمة الرأس لقراءة أسئلة الجهاز، وإخفاء كل هذه الأدوات بطريقة معينة مثل ارتداء طاقية على الرأس، وفي غرفة في منزل هناك شخص يتابع إرسال الأجوبة لاسلكياً للشخص الذي يتمّ امتحانه. عشرات وربما مئات البشر حصلوا بالغش على شهادة قيادة السواقة في القسم النظري، ودفعوا مبالغ مالية تصل لـ 2000 يورو عن كل حالة. وفي زمن انتشار وباء الكورونا زاد الغش لأن ارتداء القناع كان إجبارياً فوجد هؤلاء في القناع طريقة لإخفاء أدوات الغش.

مصيبة تفكير هؤلاء، أنهم يتذاكون حينما يستغلّون النظام الأوروبي العام حيث التعامل مع البشر يكون عن طريق القانون والقواعد القانونية، ولايدركون أنهم يعيشون في بلاد صناعية، كل تفصيل في الحياة يتم العمل عليه إحصائياً ورقمياً وأنّ المعلومات بالنهاية تصل لوسائل الإعلام.

ومازلت أذكر منذ عدة سنوات كنت في زيارة أصدقاء مهاجرين، وجاءهم فجأة خبر مؤسف حيث قام أحد الرجال من أقاربهم بقتل زوجته. قام هؤلاء بإخفاء الأمر عليّ لحظتها. في اليوم التالي قرأت الخبر باللغة الألمانية، لأن نشر خبر الجريمة هو أحد أصول العمل القانوني.

منذ مدة قصيرة عرفتُ بشكل مباشر عن حالات غش تحدث في امتحانات دورة اللغة الألمانية حيث يتمّ تسريب أسئلة الامتحان قبل يومين من الامتحان مقابل دفع مبالغ لشخص يعمل مدرساً للغة الألمانية وهو من أصول مهاجرة. إضافة إلى أنه في عدد من الدورات يقوم المتدربون أنفسهم بتسجيلات صوتية للدروس دون علم المعلّمة، ويتناقلونها عن طريق مجموعات واتس آب مغلقة. وحينما ناقشتهم بالأمر كان ردهم ينتمي لثقافة أنه كله عند العرب صابون، وأن لا تدّقق علينا.

ومن يقرأ في علوم الطب النفسي يعرف أن أخطر أنواع المرضى النفسيين هم من يعتقدون أنهم لا يحتاجون للعلاج. كما أن قسماً كبيراً من المهاجرين ما زالوا ينظرون لموضوع العلاج النفسي بشكل سيئ، ويخشون من اعتبار ابنهم مجنوناً

بحكم عملي منذ أكثر من أربع سنوات في مدرسة ثانوية ألمانية كمساعد مدرس أعرف حالات كثيرة تخص الأمراض النفسية بين السوريين، فهناك شاب أتى قاصراً لألمانيا وقام بعملية لمّ شمل لأهله وعاش وحده سنوات ومنذ سنوات لم يغادر غرفته، يعيش حالة اكتئاب حادة ويقوم بضرب أخته الأصغر منه بالعمر. وعندما علمت موظفة العمل الاجتماعي في المدرسة بالحالة، قامت باستدعاء الأهل للمدرسة لتتعرف إلى كل هذه التفاصيل. والوالد المستعد للتعاون في علاج ابنه قال لنا: نحن كلنا نعاني نفسياً بسبب حالة ابني الكبير الذي تجاوز الآن العشرين عاماً. ومن يقرأ في علوم الطب النفسي يعرف أن أخطر أنواع المرضى النفسيين هم من يعتقدون أنهم لا يحتاجون للعلاج. كما أن قسماً كبيراً من المهاجرين مازالوا ينظرون لموضوع العلاج النفسي بشكل سيئ، ويخشون من اعتبار ابنهم مجنوناً، كما ينظر عادة المجتمع المتخلف للأمر.

طالبة أخرى أعرفها تماماً، منذ سنوات تعيش بشكل صامت في المدرسة ونادراً ما نسمع صوتها في غرفة الصف، وحين التقت المعلمة بأهلها وعرضوا الاتصال بمنظمة للمساعدة النفسية، رفضوا الأمر.

نشر عدد من الكُتّاب مقالات مهمة تخص الخوف الذي يعيشه السوريون ونقلوه معهم إلى بلاد اللجوء، والحقيقة أن الجانب الآخر للخوف هو العدوان والعنف الذي نقله السوريون وغيرهم من مهاجرين معهم، والدليل هو ما حدث منذ عدة أيام في فرنسا حيث ركض المجرم "عبد المسيح" في حديقة ونحر أطفالا بعمر سنوات ومازال الغرب بكامله مذعوراً من هذه الجريمة والكوكب بكامله الآن يعرف أنّ جنسية القاتل "سوري". وقبل هذه الجريمة المروّعة بأيام قام مجرم آخر، سوري الجنسية بتحطيم زجاج 241 سيارة في هامبورغ طوال شهرين والخسائر بمئات آلاف اليوروهات، منتقماً بذلك من القانون ومن البلد، الذي حرمه من قيادة سيارته، التي كان يقودها وليس معه شهادة قيادة سيارة.

يعتبر القانون كل جريمة فردية ومن الخطأ الأخلاقي إطلاق نعوت توصيفية من خلال معرفة جنسية الجاني، ولكن كيف يمكن لنا الآن حجب هذه المعلومة في واقع يومي من خلال وسائل التواصل/ حيث تنتشر فيه الأخبار خلال ثانية ويقرأ الخبر ملايين البشر خلال دقائق.

أما عن العمل بالأسود أي العمل في اقتصاد الظل، والقانون يمنع ذلك وهناك عقوبات رادعة، يمكن أن تصل لمستوى الترحيل. حيث التهرب الضريبي في هذا العمل والاحتيال على الدولة من خلال الدخول في دورات اللغة والإعداد للعمل، ثم يعمل هؤلاء بعد الظهر بالأسود. فقطاع المطاعم يحتل القسم الأكبر من العاملين بالأسود والاحتيال على الرقابة الضريبية، حيث يجري تسجيل العامل بمعلومات وعقد عمل براتب جزئي، بينما يقوم العامل بالعمل دواما كاملاً. إضافة إلى انتشار التهرب الضريبي في دكاكين السوريين المنتشرة بكثرة في بريمن وغيرها في ألمانيا، حيث البائع يرغم الناس على الاستماع لآيات من الذكر الحكيم في حين  يسرق الدولة الألمانية علنا من خلال البيع المباشر بدون فاتورة. لأن البيع بفاتورة يعني حتماً دفع الضريبة. وإذا دققت مع أحدهم أراك الوجه الأصفر الحاقد.

علينا الاعتراف بأمراضنا وأن نرفع الصوت عالياً ونعلن نحن تلك الحقائق المخزية، على أمل أن يتغير هؤلاء. والتغيير يبدأ من التكيف والعمل واحترام هذه المجتمعات الأوروبية التي فتحت أبوابها وقلوبها للناس

من عدة أعوام زرت بلجيكا، ومعظم من التقيت بهم من السوريين يعملون بالأسود وبعضهم يتباهى بهذا الوضع المخزي، وإن نصحت أحدهم بالبحث عن عمل نظامي يجيبك حازماً بأنه لا فرص عمل هنا للمهاجرين.

أعرف أن أحزاب اليمين السياسي الأوروبي يستغلون هذه الحقائق ليحصلون على أصوات أكثر في العملية الانتخابية، "ولمن يريد الصيد في الماء العكر أنا من الذين انتخبت في الانتخابات الأخيرة في مقاطعتي الحزب الاشتراكي الديمقراطي وقريباً سأكون أحد أعضائه"، ولكن علينا الاعتراف بأمراضنا وأن نرفع الصوت عالياً ونعلن نحن تلك الحقائق المخزية، على أمل أن يتغير هؤلاء. والتغيير يبدأ من التكيف والعمل واحترام هذه المجتمعات الأوروبية التي فتحت أبوابها وقلوبها للناس.

لست بحاجة هنا للتذكير بكتلة أخرى من المهاجرين وخاصة الشباب، ممن التحقوا بكل صنوف التعليم والعمل. وهؤلاء أثبتوا بأعمالهم وتعليمهم وشهاداتهم أنهم يستحقون التفاخر والعيش والحصول على أكبر قدر من احترام مجتمعاتهم الجديدة، وأكثر من خمسة آلاف طبيب سوري يعملون الآن في المشافي الألمانية قدم معظمهم في عام 2005 خير دليل على كلامي.

إعلامياً نحتاج نحن لإبراز أمراضنا وعيوبنا ونقدها، وأن نعلي من قيمة العمل أياً كان نوعه أو شكله وأن نقول نحن لمن نقل معه نظرية المؤامرة بأن هذه المجتمعات والدول لا تتآمر عليك يا صديقي المهاجر. والعمل أياً كان هو شرف لك. ولا أحد يتآمر عليك وحين تتقن اللغة وتكّف عن أساليب الغش والخداع ستفتح لك أبواب العمل والحياة.

ويبدو أن كثيرا من هؤلاء يحتاجون للتذكير بأن الإنشاء الفارغ والتلاعب اللفظي باللغة لا يخفي الأمراض وأن سياسة النعامة وطمر الرؤوس في الرمال لن يكون نافعاً في مجتمعات حضارية غربية تؤمن بالعلم والعمل والأرقام والحقائق. وعلينا تذكير هؤلاء بأن الأموال التي تقدمها الدول للعاطلين عن العمل قادمة من دافعي الضرائب. وأن دافعي الضرائب يعرفون كل ما ذكرته أنا هنا، وأن المال لا يهطل من السماء.