أميركا وإيران والوقوف على حافة الهاوية.. حرب أم تفاوض؟

2019.09.30 | 10:07 دمشق

ltbl_lyrny_0.jpg
+A
حجم الخط
-A

ما يزال احتمال حدوث تصادم عسكري أو حرب شاملة بين الولايات المتحدة وإيران مطروحاً على الساحات السياسية الدولية منذ عام ٢٠٠١، لكن على الرغم من هذه الفترة الزمنية الطويلة نسبياً، فإن التوترات العديدة الحاصلة بين الطرفين لم تؤد بشكل مفاجئ إلى مواجهة عسكرية بين الجانبين حتى الآن.

وعلى الرغم من أن الحكومة الأميركية استجابت ذات مرة لإسقاط الحرس الثوري الإيراني للطائرة الأمريكية المسيرة إلى حد مهاجمة بعض المنشآت الإيرانية، لكن هذه الاستجابة ووجهت بقرار ترمب الذي أوقف الهجمة العسكرية في اللحظة الأخيرة.

وفي الوقت الحالي أيضا، يبدو أن ترمب ما يزال يرفض استخدام الخيار العسكري في مواجهة إيران، حتى بعد استهداف الأخيرة لمنشآت نفطية سعودية، وثبوت تورطها في تلك العمليات التخريبية، وفقا للتقارير العديدة الصادرة من أجهزة الاستخبارات الأمريكية.

 

كيف يمكن فهم سياسة ترمب حيال إيران؟

إن رفض ترمب لتوجيه ضربة عسكرية لإيران يعود في المقام الأول لنتاج وجهة نظره الشخصية المعارضة للقيام بعمليات عسكرية أمريكية جديدة، وهذا الأمر هو ما ناور عليه في حملته الانتخابية، حيث أوضح أن حكومته لا تعتبر الحرب والصدام العسكري بمثابة استراتيجية سياسية، بل يمكن استخدامها كأداة للضغط فقط.

لكن إذا وضع ترمب في موقف محرج، فإنه لن يتردد في استخدام الوسائل العسكرية المماثلة للهجوم الصاروخي الذي نفذه ضد نظام بشار الأسد في عام ٢٠١٧.

كما أن ترمب يريد تقليل مشاركة الولايات المتحدة في معادلات الشرق الأوسط، لذلك تجده يرفض الصراع العسكري - ولو المحدود- مع إيران، لأن ذلك سيؤدي لزيادة الوجود العسكري للولايات المتحدة وفتح جبهات أخرى في المنطقة.

السبب الآخر الذي يدفع ترمب لمعارضة توجيه ضربة عسكرية ضد إيران، واكتفائه بالقيام بإجراءات مثل "زيادة العقوبات ضد إيران"، و"الهجمات الإلكترونية السايبرية"، و"تقوية القدرات الدفاعية للمملكة العربية السعودية"، هو عدم انغلاق باب مفاوضات الوساطة الفرنسية الرامية لإيجاد حل من أجل بدء مفاوضات جديدة.

المخاوف الرئيسية لترمب والأجهزة العسكرية والأمنية الأمريكية هي من الدخول في حرب ذات أبعاد مستقبلية وغير مؤكدة في الشرق الأوسط من شأنها أن تزيد الصراع العسكري في أفغانستان والعراق وربما سوريا.

 

ماذا لو حدثت الحرب؟

إن التوترات الأخيرة وقيام إيران باستهداف المنشآت النفطية السعودية جعل من قدوم الطرفين في الوقت الحالي إلى طاولات المفاوضات أمراً مستبعداً.

وعلى عكس الترهات والمبالغات التي صدرت على لسان القائد العام للحرس الثوري الإيراني، حسين سلامي، بتدمير دول الخليج العربي في حال نشوب الحرب، إلا أن التقييمات الواقعية تشير إلى أن تلك الدعايات هي جزء من شخصيته المخادعة الرامية لتعزيز النظام في الحرب النفسية.

من جهة أخرى، فإن جعبة إيران ليست فارغة، ويمكن أن يؤدي الصراع العسكري معها إلى حرب استنزاف طويلة للولايات المتحدة مثلما حدث مع طالبان.

قد يكون سيناريو المواجهة العسكرية هو أن الهجوم الأمريكي الأولي سيستهدف المراكز والمنشآت والقواعد الإيرانية من خلال تنفيذ سلسلة من الهجمات الجوية والصاروخية ضدها.

وفي المقابل تستهدف إيران السفن والقواعد الأمريكية، من خلال استخدامها لقواربها السريعة وغواصاتها وصواريخها.

ومن الممكن أيضا أن يقوم حزب الله بمهاجمة إسرائيل، أو أن يستهدف الحشد الشعبي القواعد الأمريكية في العراق، أو أن يقوم الحوثيون اليمنيون بتصعيد هجماتهم على المملكة العربية السعودية.

وحينها ستقف المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين وإسرائيل إلى جانب الولايات المتحدة في هذه الحرب.

ومن غير المرجح أن تتدخل روسيا في الصراع العسكري وتكتفي فقط بمحاولة عرقلة التحركات الأمريكية في مجلس الأمن الدولي.

لكن توسيع نطاق الحرب سيزيد من مستوى التدخل العسكري الأمريكي واستخدام أسلحته الواسعة النطاق.

ونتيجة لذلك، ليس أمام إيران خيار سوى خيار الهزيمة في الحرب المباشرة على المدى المتوسط، وإذا أرادت مواصلة مقاومتها، فسوف يتم تدمير البنية التحتية الاقتصادية والدفاعية لإيران تماماً.

ولكن ما يجعل الولايات المتحدة وحلفاءها الإقليميين عرضة للخطر على المدى الطويل هو الحاجة إلى الحفاظ على مستوى عال من الوجود العسكري لمواجهة العمليات العسكرية غير المنظمة لإيران والمليشيات التابعة لها، والتي يمكن أن تضعف التفوق العسكري الأمريكي.

وعلى المدى المتوسط والطويل ستواجه الحكومات في المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة والبحرين ظروفًا أكثر تشدداً، وسيتعرض نموها الاقتصادي وأمنها للخطر.

زيادة أسعار النفط وتعطيل عبور الوقود الأحفوري وضغوطه على الاقتصاد العالمي على المدى القصير والمتوسط هو أحد المخاوف الكبيرة للولايات المتحدة والتي تشترك فيها أوروبا والصين.

كما أن أوروبا أيضا ستكون عرضة للهجرة المتزايدة.

 

ما الذي يحدث حقيقة؟

بما أن الاستراتيجية الحالية للولايات المتحدة ترمي لتقليل الوجود العسكري في الشرق الأوسط، كان التركيز الرئيسي لجهود السلطات العسكرية والدبلوماسية لإيران لردع أي غزو أمريكي محتمل يتمثل في إيصال رسالة مفادها أن "أي صدام محدود سيؤدي إلى حرب شاملة".

بطبيعة الحال، فإن احتمال قيام إيران باتخاذ إجراءات انتقامية ضد أي ضربة عسكرية أمريكية محتملة أمر غير مؤكد، لكنها تميل إلى إفهام المسؤولين الأمريكيين أن يأخذوا هذا الاحتمال في حساباتهم على محمل الجد.

في الواقع، ترى الولايات المتحدة الأمريكية وإيران نفسيهما في مرحلة ما قبل التفاوض، وتسعيان من خلال استخدام الأدوات المختلفة تغيير ظروف التفاوض المستقبلي لصالحهما.

الأداة الأساسية للحكومة الأمريكية هي العقوبات القاسية وفرض العزلة السياسية والاقتصادية على إيران.

أما بالنسبة لإيران، فتسعى من خلال اللعب بورقة ميليشياتها إحراج الولايات المتحدة في المنطقة والعالم، كخلق خلل في مسار انتقال الطاقة في الخليج العربي، ورفع أسعار النفط في العالم مثلاً.

وبما أن قدرة النظام الإيراني على مقاومة العقوبات، وخاصة فيما يتعلق بأثرها التجميعي لاحقاً، أمر مشكوك فيه، فإن نظرة النظام الإيراني إلى مفاوضات محتملة وقبول شروط الاتفاق الجديد سيكون بمثابة "شر لا مفر منه" بالنسبة له.

 

متغيرات عديدة ورؤية ضبابة:

إن الامتناع الأمريكي عن تنفيذ ضربة عسكرية لإيران أمر مشروط، وإذا تجاوزت الأعمال الهجومية لإيران والمليشيات التابعة لها عتبة التحمل الدولي، فإن المواجهة العسكرية قد تكون حتمية.

في الوقت الحاضر، هناك جماعات وشخصيات في الحزب الجمهوري، مثل جون بولتون والسيناتور ليندسي غراهام، يعتبرون أن رفض ترمب التعامل العسكري مع إيران يشجعها على اتباع نهج هجومي وعدائي.

حتى أن بعض منتقدي ترمب في الحزب الديمقراطي يعتقدون بأن سياسة العقوبات القاسية فشلت في تغيير سلوك النظام الإيراني، وأنه يجب عليه إما العودة إلى طاولة المفاوضات أو القيام بعمل عسكري ضد إيران.

بطبيعة الحال، فإن مراقبة تحركات النظام الإيراني وأذرعه في المنطقة تدل على أنه يدرك هذه الحقيقة جيداً، ففي أعقاب هجوم منشآت أرامكو، سعى النظام الإيراني إلى احتواء التوترات، ومنعها من الانحدار نحو مستويات خطيرة.

تصريحات رئيس اللجنة الثورية العليا التابعة للحوثيين حول هذه المسئلة كان واضحاً جداً، حيث اقترح تعليقًا مشروطًا للعمليات ضد المملكة العربية السعودية على أراضيها، واقترح السلام والتفاوض.

وبعد يوم ظهر حسن روحاني الرئيس الإيراني للواجهة ليقول: «نمد يد العون نحو الجارة ومستعدون للعفو عن أخطائهم الماضية... سنحمل معنا إلى الأمم المتحدة هذا العام مبادرة هرمز للسلام».

إن وجود متغيرات مختلفة وعديدة يجعل من الصعب التكهن بالمستقبل، ولكن كما أن احتمال حدوث صدام عسكري موجود، هناك احتمال يفرض نفسه بقوة بأن اقتراب الطرفين من المواجهة العسكرية يمكن أن يسرع من المفاوضات وإبرام صفقة بينهما، وذلك بسبب ارتفاع تكاليف المواجهة العسكرية لمستويات عالية بالنسبة للطرفين.