قانون قيصر معضلة الأسد وحلفائه الإيرانيين

2020.06.21 | 00:00 دمشق

download.jpeg
+A
حجم الخط
-A

في كانون الأول الماضي، أصدر الكونجرس الأميركي قانون حماية المدنيين السوريين المعروف باسم قيصر، كناية عن الاسم المستعار للمصور العسكري السوري السابق، الذي انشق عن نظام الأسد عام 2014، وسرّب 55 ألف صورة لـ11 ألف سجين قتلوا تحت التعذيب في أقبية مخابرات نظام الأسد.
وفي منتصف الشهر الحالي من هذا العام، دخل قانون قيصر حيز التنفيذ، لتشمل الدفعة الأولى من عقوباته 39 شخصاً وكياناً، بينهم رأس النظام بشار وزوجته أسماء.
ورداً على تطبيق قانون قيصر، قال وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، في مقابلة صحفية له في موسكو، الثلاثاء 16 يونيو 2020، إن "طهران ستحاول تعزيز التعاون الاقتصادي مع سوريا على الرغم من العقوبات الأمريكية التي تسمى قانون سيزار".
وبعد ذلك بساعات، أدان متزعم مليشيات حزب الله حسن نصر الله، في بيان مماثل، قانون قيصر، واصفاً إياه بأنه آخر حربة أميركية، وقال "إن حلفاء سوريا سيقفون بجانب هذا البلد في مواجهة الحرب الاقتصادية الأميركية".
صحيح أن قانون قيصر يستهدف نظام الأسد بشكل رئيسي، إلا أنه يضع روسيا وإيران وجهاً لوجه أمام العقوبات الأميركية، وعلى ما يبدو فإن أبعاد العقوبات المفروضة على النظام تتجاوز نطاق قدرات النظام الإيراني وحزب الله، خصوصاً أنها تصاحب حملة ضغط شديدة الوتيرة ضد إيران.

أيادي طهران مقيدة لمساعدة نظام الأسد
جميعنا يعلم مدى تضرر الاقتصاد السوري من الحرب التي استمرت تسع سنوات في جميع أنحاء البلاد، لكن في العام أو العامين الماضيين، تدهور الاقتصاد السوري بشكل دراماتيكي، على الرغم من تحول المعادلات العسكرية لصالح نظام الأسد، وبسط سيطرته على مساحات كبيرة من سوريا، وهذا الانهيار حدث حتى قبل أن يقر الكونجرس الأميركي عقوبات قيصر في كانون الأول الماضي.
عندما اندلعت الثورة السورية في عام 2011، كان كل دولار أمريكي يعادل 50 ليرة سورية تقريباً، حتى وصل هذا الرقم لحوالي 600 ليرة لكل دولار في منتصف العام الماضي.
ومنذ شهر كانون الأول الماضي، حين تم إقرار قانون قيصر، وإمضاؤه من قبل الرئيس الأميركي دونالد ترامب بعد عدة أيام، وصلت قيمة الدولار في سوريا لحدود غير مسبوقة (حوالي 3 آلاف ليرة سورية لكل دولار).

بطبيعة الحال فإن الانخفاض غير المسبوق في قيمة العملة السورية والوضع الاقتصادي المتدهور في سوريا، نابع من عاملين أو ثلاثة عوامل أخرى قبل سريان الآثار النفسية لعقوبات قيصر على الاقتصاد السوري.
سياسة الضغط القصوى والعقوبات الأميركية المكثفة ضد إيران والوضع الاقتصادي المتدهور في لبنان وحالة شبه الإفلاس التي تعاني منها العديد من بنوك لبنان، وكذلك أزمة فيروس كورونا.
صحيح أن روسيا لعبت دوراً محورياً في استعادة الاستقرار العسكري والأمني ​​للنظام، إلا أن تقديم الدعم المالي والاقتصادي والعسكري الأكبر كان من نصيب إيران، التي تشير التقديرات أنها قدمت ما بين 30 مليار دولار و 105 مليارات دولار من المساعدات لسوريا في السنوات السبع الأولى من الحرب.

في الآونة الأخيرة، شكل انخفاض معدلات تصدير النفط الإيراني إلى مستويات غير مسبوقة بسبب العقوبات الأميركية الرامية لتصفير النفط الإيراني، وتدني أسعار برميل النفط عالمياً ضربة قاصمة للاقتصاد الإيراني الذي تعتمد ميزانيته العامة على صادرات النفط والغاز والمنتجات البتروكيماوية بشكل أساسي.
بلغة الأرقام، كما صرح العديد من المسؤولين الإيرانيين، جعلت العقوبات الأميركية الشاملة اقتصاد إيران يواجه نمواً سلبياً بنسبة 7 في المئة في عام 2019، وخفضت من إيراداتها النفطية من 80 مليار دولار في العام إلى 8 مليارات دولار فقط.
لذلك، بعيداً عن تصريحات جواد ظريف، ليس لدى طهران فرصة تذكر لمواصلة مساعدة حكومة بشار الأسد، خاصة أن عقوبات قانون سيزار ستستهدف كل سبل التعاون والمساعدة التي يمكن أن تقدمها طهران أو موسكو لدمشق.
في ظل هذه الظروف، ستؤدي عقوبات قانون سيزار المفروضة ضد نظام الأسد، وهي العقوبات الأشد منذ بداية الثورة السورية، إلى تفاقم الوضع الاقتصادي والاجتماعي في سوريا، وفي الوقت ذاته، سيواجه الدعم الإيراني لنظام الأسد، الذي انخفض بشكل ملحوظ في العامين الماضيين، المزيد من العقبات والمشكلات.

فنزويلا اليوم هي سوريا الغد؟
بعد دخول قانون قيصر حيز التنفيذ، أصبحت هذه الدول الثلاث (سوريا، إيران، وفنزويلا)، من ضمن قائمة الدول الخاضعة لسياسة الضغط القصوى والعقوبات الأميركية، التي تهدف إلى خلق تغيير في هيكل السلطة في هذه البلدان، بشكل أساسي من خلال تكثيف السخط الشعبي العام أو تنشيط جماعات المعارضة داخل حكومات هذه البلدان.
من ناحية أخرى، سيكون لروسيا، التي يخضع اقتصادها لعقوبات دولية أقل من إيران، فرصاً أقل لتقديم المساعدة والتبادل التجاري مع النظام في ظل العقوبات الأميركية الجديدة، ناهيك عن أن بعض دول الخليج العربي، التي حاولت مؤخراً إعادة فتح علاقتها مع نظام الأسد، تلقت تحذيراً أميركياً بالامتناع عن تقديم أي تعاون أو مساعدة للنظام.
لقد أظهرت تجربة إيران وفنزويلا أن الشركات (الرسمية وشبه الرسمية) الروسية وغيرها سترجح تعليق التعاون التجاري والحصول على إعفاء أميركي من العقوبات على خطر الإقدام على التعاون مع طهران وكاراكاس، الأمر الذي لن يختلف كثيراً في حالة سوريا.

فنزويلا اليوم تعاني وفقاً للأرقام الصادرة عن المؤسسة الدولية (الاقتصاد التجاري) أوTrading Economics ، من معدل تضخم يبلغ 45 ألفاً في المئة في العام الحالي، ووصلت فيها معدلات البطالة لمستويات غير مسبوقة، في حين أن الفقر العام هو اللون الأكثر وضوحاً في هذا المجتمع الذي مزقته الأزمة.
في كل يوم تحدث حالات وفاة في فنزويلا نتيجة الجوع الشديد، في حين ارتفع معدل وفيات الأطفال الرضع مرتين خلال مدة قصيرة، ويضطر الآباء إلى ترك أطفالهم ووضعهم بجوار دور الأيتام بسبب الفقر وعدم القدرة على إطعامهم.

مع تطبيق قانون قيصر، سيتخذ استخدام أداة العقوبات المشددة في السياسة الخارجية الأميركية بعداً جديداً، وسيوضع النظام في موقف واجهته الأنظمة في كل من فنزويلا وإيران (بالإضافة إلى كوريا الشمالية وكوبا)، ورأت تجلياته الاقتصادية المدمرة على الداخل قبل سنوات، طبعاً هنا مع فارق وحيد ومهم، وهو أن النظام يعاني من تداعيات حرب استمرت تسع سنوات، ولم يخرج منها حتى الآن.
صحيح أن هذه الضغوط الأميركية لم تؤتِ أكلها حتى الآن، وصحيح أن الأنظمة الثلاث السابقة التي تخضع للعقوبات الأمريكية القصوى لم تأتِ حتى الآن لطاولة المفاوضات وفق الشروط الأميركية، لكن الظروف المعيشية المتدهورة في مجتمعاتها والسكتات القلبية التي أصابت عمليات التنمية في تلك البلاد ستجعل من الصعب على حكومات هذه البلدان الاستمرار والبقاء على رأس السلطة.
لن ينفع نظام الأسد بعد اليوم نظريات مثل "التوجه نحو الشرق"، أو انتظار الدعم الروسي والإيراني، كما لم ينفع النظام الإيراني شعارات "اقتصاد المقاومة" التي ينادي بها في مواجهة العقوبات الأميركية، وكذلك لن ينفع حكومة مادورو في فنزويلا انتظار حدوث تغيير في رئاسة البيت الأبيض أو انتظار حدوث تغيير جذري في سياسات الولايات المتحدة.
كل هذه الآمال والتطلعات والنظريات لا يبدو لها أي أساس واقعي، بل إن رفض التفاوض وعدم الخضوع للشروط الأميركية من قبل أنظمة الدول الثلاث (سوريا، وإيران وفنزويلا)، يضعها يوماً بعد يوم في موقف أضعف أمام أي مفاوضات مستقبلية، ويفسح المجال للولايات المتحدة لممارسات نهج أكثر تشدداً معها.