icon
التغطية الحية

أمومة ليست سهلة.. أمهات وجدات يربين أطفالاً مصابين بالتوحد

2024.03.31 | 17:18 دمشق

Canva.com
يعرف التوحد بأنه حالة عصبية مدى الحياة تظهر في مرحلة الطفولة المبكرة ـ (Canva.com)
إسطنبول ـ دانا المكي
+A
حجم الخط
-A

"بعد أن تخلت عنه عائلته أصبحت أنا جميع عائلته"، لم تتوقع الجدة سلمى أن تعاود مزاولة أمومتها لحفيدها سامي بعد تشخيصه بالتوحد ولكن صدمتها الأكبر كانت عندما رفض ابنها وزوجته رعايته وتركاه في حضن جدته لتقوم هي بتربيته.

وعلى الجانب الآخر، كان التوحد بالنسبة للأم رنيم تحديا كبيرا أمامها وأمام طفلتها الوحيدة سما، حتى تستطيع إحاطتها بكل المشاعر التي تحتاجها للتقدم خطوة إلى الأمام.

أم وجدة لطفل مصاب بالتوحد

تحدث موقع تلفزيون سوريا مع الجدة سلمى وبدأت بسرد القصة من بدايتها "ولد سامي قبل جائحة كورونا بعامين، كان قدومه هادئا جدا على عكس الجو العائلي الذي عاشه، داخل منزل أمه وأبيه في أحد أحياء إسطنبول، فقد كانت المشاحنات لاتنتهي، وزاد الأمر سوءا الحجر الصحي، صراخ ومشاكل وكثير من الأحداث المتوترة، وسامي لا يتفاعل مع أسرته التي لم تلحظ أنه لا يستطيع المشي ولا يتجاوب بصريا مع والديه".

تكمل الجدة سلمى أنه بعد إلحاح منها أقنعت ابنها أن يأخذ الطفل إلى اختصاصي ليتم تشخصيه إذا كان مصابا بمرض ما، فقد كانت تشك هي بمرض التوحد وذلك لمعرفتها بابنة جارتها التي لديها الأعراض نفسها، وبالفعل بعد عرضه على طبيب تم تشخيص سامي باضطراب النمو الشامل وهو من أنواع التوحد.

بداية الأمر حاول والدا سامي تقبل الوضع لكنهما لم يستطيعا مع كل تلك المشكلات من إيجاد حل وانتهى الأمر بانفصالهما ولم يقف الأمر هنا، فقد قرر كل طرف من الأم والأب بداية حياة جديدة لكن سامي لم يكن ضمن المخطط، فسافرت والدته إلى أهلها في السعودية أما أباه فقد هاجر إلى أوروبا، ليبقى الطفل في كنف جدته التي تقول: "أعاود اليوم مزاولة الأمومة من جديد أما وجدة".

وتضيف "كان الأمر صعبا فقد كان الطفل لا يستطيع المشي وكان لديه مشكلات في النطق وبعد بحثي المستمر عن مراكز تساعده وجدت مركزا خاصا بعد سنة لتأهيل وتعليم أطفال التوحد ولكن المشكلة كانت في اللغة فقد كان المركز تركيا ولغتي التركية ليست جيدة للغاية لذلك اضطررت في بداية الأمر أن أحضر مترجمة معي في الجلسات ولكنني قررت أن أطور من نفسي لاتمكن من فهم احتياجاته أكثر، واليوم يبلغ عمر سامي ستة أعوام وهو يمتلك صحة جيدة ويستطيع المشي والتحدث قليلا ولكني أخاف أن اتركه لأحد لذلك أدعوا الله دائما أن يطيل بعمري ليس من أجلي بل لأجله فقط".

"غيرت تخصصي الدراسي لأجل ابنتي"

تشارك رنيم وهي أم عمرها 30 عاما، من مواليد دمشق، تجربتها مع موقع تلفزيون سوريا وتقول: "الأمومة علمتني أن الحياة ليست طريقا واحدا والأم يجب أن تسلك جميعها لأجل أطفالها".

وتضيف "ابنتي سما تبلغ من العمر 5 أعوام وهي طفلتي الأولى والوحيدة، كان الأمر صعبا بالنسبة لي في البداية فأنا أكنز كثيرا من الخبرة عن الأطفال، ولكن كنت ألاحظ تفاعلها معي عندما أحاول إضحاكها وأراها كثيرة الشرود كما كانت تحرك يدها بشكل متكرر ذات الحركة وعلى مدار أشهر، بدأ الأمر يقلقني كثيرا وبدأت أبحث عن الأعراض في الإنترنت لأرى إن كانت طبيعية لكن المؤشرات والمعطيات كانت تخبرني عكس ذلك.

وتتابع "على ضوء ما جمعت من معلومات قررت أن أعرضها على طبيب مختص، ليتم تشخيصها وهي بعمر السنتين بمتلازمة "إسبرجر" أو كما يقولون طيف التوحد أخبرني الطبيب حينها أنه الأكثر اعتدالا بين أنواع التوحد حينها اكتشفت أن للتوحد أنواع لم أكن أعرف ذلك الأمر مسبقا".

استشارت رنيم اختصاصيين لتتعلم كيفية التعامل مع ابنتها لكنها لم تشعر بأن ذلك يكفي، فقررت العودة إلى الجامعة لدراسة اختصاص علم النفس الحركي لعلاج التوحد، رغم أنها أنهت سابقا سنوات دراستها كمهندسة معمارية.

وتصف تجربتها "صعدت السلم مع ابنتي سما خطوة خطوة، أتعلم بفضلها أكثر وأهذب لأجلها سلوكياتي وأضبط انفعالاتي لقد غيرتني كليا وأشعر بامتنان شديد لها وأخبرها بذلك على الدوام وأقول إنها هدية من السماء، نحرز اليوم تقدما ملحوظا نحن فريق وسما سبقتني إنها تحفظ اليوم أجزاء من القرآن الكريم، وتتمتع بذكاء قل نظيره، بل إنني لا أجده بين أقرانها من الأطفال وعلى الرغم من جميع الصعوبات والتحديات إلا أنني أسعى لاحتوائها هي وجميع أطفال التوحد الذين قد أستطيع مد يد العون لهم".

ما هو مرض التوحد؟

اضطرابات طيف التوحد -وتعرف اختصارا بالتوحد- هي حالة عصبية مدى الحياة تظهر في مرحلة الطفولة المبكرة، بغض النظر عن الجنس أوالعرق أوالوضع الاجتماعي.

وهي أيضا مجموعة من الاعتلالات المتنوعة التي تتصف ببعض الصعوبات في التفاعل الاجتماعي والتواصل، ولها سمات أخرى تتمثل في أنماط من الأنشطة والسلوكيات مثل صعوبة الانتقال من نشاط إلى آخر والاستغراق في التفاصيل، وردود الفعل غير الاعتيادية على الأحاسيس، وفقا لمنظمة الصحة العالمية.

اختصاصية أطفال التوحد رحمة عبود أكدت لموقع تلفزيون سوريا عدم وجود سبب واحد لاضطراب طيف التوحد، وأن هناك العديد من العوامل المختلفة التي تجعل الطفل أكثر عرضة للإصابة به، بما في ذلك العوامل البيئية والبيولوجية والوراثية أو المعاناة من مضاعفات عند الولادة، أو ولادة الطفل لأبوين كبيرين في السن.

كما لفتت أن جائحة كورونا والحجر أسهما أيضا في تطوير حالة التوحد عند الأطفال وأيضا الأطفال والنساء الذين خرجوا من الحرب في سوريا، وخاصة المناطق التي تعرضت للقصف بالمواد الكيميائية مما ينعكس سلبا على النساء والمواليد.

كانت تجربة التعامل مع أطفال التوحد بالنسبة لرحمة صعبة في بداية الأمر خاصة أنها تأثرت نفسيا مع الحالات التي تتعامل معها، في المراحل الأولى كانت تفكر بمصير هؤلاء الأطفال وتراودها أسئلة كثيرة عن أطفالها في المستقبل "ماذا لو كان ولدوا متوحدين؟".

هواجس كثيرة رافقتها في بداية الأمر وأيضا مصاعب صحية وبدنية فمن أكثر الصعوبات التي واجهتها هي العدوى المستمرة من الأمراض التي ينقلها الأطفال، فأجسادهم تحمل مستوى منخفض من المناعة، كما أن التعامل مع كافة النماذج من الأطفال ليس بالأمر السهل فقد تعرضت عدة مرات للضرب من الأطفال سواء كان عن طريق الخطأ أو لضبط ردة الفعل.

ولكن على الرغم من جميع المصاعب تشير رحمة إلى حبها لتلك المهنة والأطفال كما أنها تسعد جدا عندما ترى أحد الأطفال يبدأ بالتحسن والتواصل بشكل أفضل لتسعى أن تعطي كل ما لديها لكل الأطفال والذين يحتاجونها.

وأخيرا تشير الاختصاصية النفسية أمنية على أهمية استيعاب هذه الشريحة من الأطفال وتقبل حالتهم مهما كانت صعبة وعدم اليأس وعدم النظر بالشفقة اتجاه أطفال التوحد وتشدد على أهمية دعم العائلة للطفل بجميع الأشكال لأن المراكز وحدها لا تكفي ولأن الخطوة الأولى والأخيرة تبدأ من العائلة وتنتهي عندها.

(بطلب من المتحدثين لم تذكر أسماؤهم كاملة)