icon
التغطية الحية

أكرم إمام أوغلو.. سيرة ذاتية لسياسي على عجلة من أمره

2023.05.09 | 22:00 دمشق

كمال كليتشدار أوغلو وأكرم إمام أوغلو
كمال كليتشدار أوغلو وأكرم إمام أوغلو
 تلفزيون سوريا ـ عبد الناصر القادري
+A
حجم الخط
-A

بعد نجاحه برئاسة بلدية إسطنبول عام 2019، بدا أكرم إمام أوغلو مرتاحاً في حواره مع موقع قناة "بي بي سي التركية"، وأجاب عن سؤال هل تخطط لتكون رئيساً لتركيا في عام 2023؟ بقوله: "الله أعلم".

بعد نحو 4 سنوات، وتحديداً في 7 أيار 2023 تعرض رئيس بلدية إسطنبول أكرم إمام أوغلو للاعتداء بالحجارة من قبل محتجين في ولاية أرضروم الواقعة في الشرق التركي والتي تضم خليطاً عرقياً متنوعاً من أتراك وأكراد وأرمن وشركس.

ونشر إمام أوغلو على حسابه في "تويتر"، مقطع فيديو يظهر فيه قيام مواطنين برشقه بالحجارة ، خلال التجمع الذي يقيمه "تحالف الأمة" المعارض في أرضروم. ما دفعه لإلغاء التجمع الانتخابي الذي كان يقوده.

من جانبها، قالت ولاية أرضروم، إن إمام أوغلو، تقدّم بطلب إذن حول اعتزامه إجراء زيارة لأصحاب المحال التجارية في المدينة، دون التطرق لتنظيمه تجمعاً انتخابياً، وهو ما أكّدته بلدية الولاية أيضاً في بيان منفصل.

من جهته اتهم وزير الداخلية سليمان صويلو، إمام أوغلو بترتيب الهجمات عليه، وأن ذلك كان للتأثير على التجمع الانتخابي الضخم الذي نظمه حزب العدالة والتنمية في إسطنبول وبلغ عدد المشاركين فيه أكثر من 1.7 مليون شخصاً في واحد من أكبر التجمعات الانتخابية بتاريخ تركيا.

وتم استقبال إمام أوغلو من قبل عدة آلاف قبالة مطار صبيحة بالطرف الآسيوي من إسطنبول بعد عودته من أرضروم 

وبغض النظر عن ملابسات ما جرى ومن يتحمل مسؤولية ذلك، هناك سؤال مطروح ما الذي يفعله رئيس بلدية إسطنبول في ولاية تبعد عن مقر عمله أكثر من 1200 كيلومتر؟ ببساطة الرجل يقود حملة انتخابية لصالح مرشح المعارضة الرئيسي كمال كليتشدار أوغلو إلى جانب كونه أحد نواب الرئيس السبعة في حال فاز بالانتخابات.

محافظ في معقل "العلمانية"

بداية من كنيته، كان إمام أوغلو شكلاً جديداً لحزب الشعب الجمهوري "العلماني" والمحسوب على اليسار الديمقراطي، ويعبر عن توجهات جديدة قرر الحزب أن يخاطب بها عموم الناخبين في تركيا، من خلال تقديم محافظين ومحجبات بعد عداء تاريخي طويل معهم مُنجَراً لخطاب العدالة والتنمية (يمين الوسط المحافظ).

وقبل أسبوعين من انتخابات 2019 المحلية، جلس "إمام أوغلو" في جامع أيوب سلطان (أحد أهم الجوامع بالنسبة للأتراك) وانفتحت أمامه نسخة من القرآن الكريم ليبدأ في قراءة آيات من سورة "يس" من أجل أرواح المدنيين الذين قُتلوا في الهجوم الإرهابي العنصري على جامع النور في نيوزيلندا.

ورغم أن أنصار العدالة والتنمية شعروا بالرجل مقلداً ضعيفاً للرئيس التركي الذي قرأ القرآن في الكثير من جوامع تركيا، وفي ساحاتها أيضاً، إلا أنها تعد سابقة من نوعها أن يقرأ مرشح لحزب الشعب الجمهوري القرآن الكريم وفي أبرز حواضن العدالة والتنمية ببلدية أيوب سلطان بإسطنبول.

تعَلَمَ أكرم إمام أوغلو قراءة القرآن في صباه بمدينة طرابزون التي ولد فيها عام 1970، وهي من المدن المحسوبة على المحافظين ويفوز بها العدالة والتنمية بسهولة بالانتخابات البلدية والبرلمانية وتصوت بأغلبية كبيرة لصالح رجب طيب أردوغان بانتخابات الرئاسة.

تخرج إمام أوغلو في قسم إدارة الأعمال في جامعة إسطنبول، وحاز على ماجستير في الموارد البشرية (خلال رئاسته لبلدية بيليك دوزو)، وأسس شركة إنشاءات عام 1992 ليشغل منصب رئيس مجلس إدارتها.

لعب كرة القدم وكرة السلة كهاوٍ في نادي طرابزون سبور، ثم نادي بيليك دوزو عام 2009، تزوج عام 1995 من ديليك كايا إمام أوغلو، وهي ناشطة في حقوق المرأة وتعليم الأطفال وذوي الاحتياجات الخاصة، ولديهما 3 أطفال.

انضم إمام أوغلو الذي يعيش في منطقة "بيليك دوزو" الجديدة في إسطنبول (أصبحت بلدية مستقلة عام 2008)،  لحزب الشعب الجمهوري عام 2009، حيث كان ميالاً لأفكار مصطفى كمال أتاتورك بعد المرحلة الجامعية، لكن قيادة الحزب رفضت ترشيحه لرئاسة البلدية، فعُين رئيساً لمقاطعة تابعة لحزب الشعب، ثم قُدم لمنصب عمدة بلدية "بيليك دوزو" عام 2014، وفاز بها بعدما بذل مجهوداً انتخابياً كبيراً.

ورغم أن النهضة العمرانية لبيليك دوزو قامت على يد حزب العدالة والتنمية، إلا أن انتقال جزء كبير من مناصري حزب الشعب الجمهوري إلى تلك المناطق الحضرية الجديدة جعل الحزب يفكر بشخصية جديدة تقود البلدية، وبالفعل كسب إمام أوغلو المعركة في عام 2014 بنسبة 50.85% من الأصوات بفارق ألف صوت فقط.

 

هل من يفوز بإسطنبول يفوز بتركيا؟

يعد دخول المعترك السياسي بشكل عام صعباً لما يحمله من تنافس وصراعات علنية وخفية، إلا أن الوضع في تركيا يحمل خصوصية مضافة تجعل السياسة على درجة عالية من الاستقطاب لأسباب هوياتية وأيديولوجية وتاريخية، في دولة عاشت عقوداً طويلة من الانقلابات العسكرية ولم تأخذ حظها من الديمقراطية إلا في فترات يسيرة من عمر الجمهورية التي أتمت قرنها الأول عام 2023.

ولعل إمام أوغلو الذي يعد مادة دسمة في عالم الأخبار، قرر أن يدخل هذا المعترك بكل مافيه محاولاً أن يصعد إلى القمة بسرعة، فهو من أسرع الشخصيات السياسية في تركيا صعوداً، حيث لمع اسمه منذ رشحته المعارضة ممثلة بحزب الشعب الجمهوري وحزب الجيد وحزب الشعوب الديمقراطي لرئاسة بلدية إسطنبول في مواجهة مرشح العدالة والتنمية بن علي يلدريم عام 2019، وحقق فوزاً بسيطاً بعدة آلاف، إلا أن إعادة انتخابات بلدية إسطنبول الكبرى حققت له فوزاً أكبر يتجاوز نصف مليون صوت ليفوز بإسطنبول التي يقول عنها الرئيس أردوغان: "من يفوز بإسطنبول يفوز بتركيا".

وينقسم الشارع التركي منذ 3 سنوات حول أكرم إمام أوغلو بشكل كبير بخصوص نجاحه أو فشله في قيادة إسطنبول أكبر وأهم المدن التركية، فحاكم هذه المدينة تصل صلاحياته التنفيذية لحجم دول وإن اقتصرت على المشاريع الاقتصادية والخدماتية والتنموية والتجارية.

ولكن مؤشرات عديدة قد تشير إلى أن هذه الشخصية التي حققت فوزاً مهماً لم تحقق المرجو منها في قيادة المدينة شديدة الأهمية، ودخل كذلك في سجالات سياسية تتجاوز منصبه.

الفشل في إدارة الأزمات

ويبدو أن "زهر النرد" الذي لعب لصالحه في وصوله إلى رئاسة إسطنبول خانه بعد فترة بسيطة من الفوز عبر فيضان في مدينة إسطنبول سبق أن حذرت الأرصاد الجوية من شدته قبل أيام من حصوله، إذ كان إمام أوغلو يقوم في عطلة بعد أقل من شهرين، إلا أن  الأمر  تكرر في حوادث طبيعية أخرى كان أشدها في العاصفة الثلجية التي حصلت عام 2022، حيث بقي مئات الآلاف من سكان المدينة في العراء والبرد والثلج دون طعام أو شراب أو تدفئة حتى الصباح وتدخل وزارة الداخلية والمواصلات.

هذه الحادثة فتحت أبواب جهنم على رئيس البلدية الذي كانت حملته قائمة على أن "كل شيء سيكون جميلاً" (Her şey çok güzel olacak)، خصوصاً أن تسريبات مقاطع مصورة أظهرت كاسحات الثلج تفتح الطريق له في أثناء ذهابه إلى مطعم سمك لتناول طعام العشاء مع سفير المملكة المتحدة في تركيا، وقسم كبير من سكان المدينة عالق في الطرقات.

ورغم أنه في أثناء الكوارث يجب على جميع مؤسسات الدولة العمل والتنسيق لمساعدة الشعب، إلا أن المسؤولية الأولى تقع على البلديات التي تم تحذيرها من عاصفة ثلجية قوية ولم تتخذ الإجراءات اللازمة لذلك.

وعلى هذا المنوال كان إمام أوغلو يتصدر الأخبار بين الحين والآخر، وإن تم تصيُد أخطائه أكثر من غيره بأي بلدية في عموم تركيا من قبل الصحف الموالية للحكومة في البلاد.

وفي 14 كانون الأول 2022، صدر حكم غير نهائي ضد إمام أوغلو بتهمة إهانة أعضاء المجلس الأعلى للانتخابات، بعد أن وجه لها شتائم عام 2019 بسبب إعادة الانتخابات المحلية التي فاز فيها، مع الحكم عليه بالسجن لمدة عامين وسبعة أشهر مع فرض حظر سياسي يمنعه من الترشح للانتخابات خلال الفترة نفسها، بالطبع استأنف إمام أوغلو الحكم، وجمع أنصاره أمام بلدية إسطنبول للتنديد بالحكم.

هذا الجدل المستمر بالنسبة لشخص يجد مقاسه أكبر من حجم رئيس بلدية إسطنبول، ورغم عدم إكماله لفترته الانتخابية ببلديته بدأ ينظر إلى سدة الحكم، وفق عشرات التقارير التركية التي تؤكد أنه بحث عن أي دعم لترشحه لمنصب الرئاسة خلال السنوات الأربع الماضية.

طموح متعثر

ولعل غياب التناغم بين الحكومة ورئيس البلدية الذي أخذ إسطنبول من يد العدالة والتنمية بعد ربع قرن من الهيمنة عليها، والتي كانت محطة الصعود الأولى للرئيس التركي رجب طيب أردوغان، يعود إلى الطموح السياسي بسقف مرتفع أكبر من حجم إمام أوغلو نفسه، مع الحالة التي أصيب بها عبر الإشارات إلى أن المعارضة التركية تجهزه للانتخابات الرئاسية للفوز على أردوغان لتشابه التدرج السياسي بين الرجلين، وإن اختلف كثيرون مع مثل هذه الرؤية للفوارق الكبيرة بينهما.

بقي اسم إمام أوغلو على لائحة الصدارة لأبرز المرشحين المحتملين للرئاسة التركية خلال العامين الماضيين، وأشار لذلك بشكل غير مباشر في أكثر من خطاب وتغريدة على حسابه الرسمي بتويتر، وزاد من احتمالية ذلك الدعم الكبير الذي قدمته له ميرال أكشنر زعيمة حزب الجيد ( أقصى اليمين) طالبة من زعيم حزب الشعب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو ترشيحه، (أو ترشيح رئيس بلدية أنقرة منصور يافاش) باعتبار أن فرص إمام أوغلو أو يافاش للفوز بالرئاسة أكثر بكثير في مواجهة  الرئيس أردوغان الذي ما زال يحتفظ بجزء كبير من الشعبية والحضور في عموم تركيا.

على عجلة

لم يكن اسم أكرم إمام أوغلو ليُطرح على طاولة الانتخابات لو لم يكن يريد ذلك ويسعى له، حيث ترك اهتمامه بإسطنبول منصباً على البحث عن أي طريقة للترشح للرئاسة، إلا أن عدم وجود حلفاء أقوياء داخل أروقة الحزب حال دون ذلك، خصوصاً مع أدوات السيطرة التي يمتلكها كليتشدار أوغلو في حزب عريق مثل حزب الشعب الجمهوري.

ولعل أردوغان كان يفضل كليتشدار أوغلو مرشحاً للرئاسة أكثر بكثير من إمام أوغلو لتقليل نسب المخاطرة في الانتخابات، خصوصاً مع فارق السن (53 عاماً)، وباعتباره من خلفية محافظة مشابهة لأردوغان وإن اختلف حجم الكاريزما والتأثير.

في المقابل كان لزعيمة حزب الجيد رأي  آخر حينما قلبت الطاولة السداسية وانسحبت اعتراضاً على ترشح كليتشدار أوغلو لمنصب الرئاسة باعتباره لا يملك أوراق الربح على أردوغان، ثم عادت إليها لتفرض إمام أوغلو ومنصور يافاش على الطاولة كنائبين للرئيس في محاولة لحفظ ماء الوجه أمام مناصري الحزب أولاً، ومن أجل أن يكون لها يد في حال فاز كليتشدار أوغلو بالرئاسة، فتصعد عبر إمام أوغلو إلى مبتغاها.

ومن المرجح أن إمام أوغلو لو ركز جهوده على إسطنبول التي تعد تركيا الصغيرة في تنوعها القومي وانقسامها الهوياتي واصطفافها الأيديولوجي خلال ولايته عليها، ونجح في إدارتها،  فهل من الممكن أن يكون الاسم الأبرز لانتخابات 2028؟  البعض يقول ربما هو على عجلة من أمره، وآخرون في صفه ينظرون إلى الأمر وفق قاعدة "إذا هبت رياحك فاغتنمها".