أعراض فقدان الأمل

2022.08.20 | 06:35 دمشق

أعراض فقدان الأمل
+A
حجم الخط
-A

أبعد من خيبة أمل ما يحصل في قلوب وعقول السوريين المعارضين من التصريحات التركية التي بدأت تتلمس طريق دمشق كحل نهائي للصراع السوري، والتي يبدو أنها ستأخذ طريقها إلى بعض التوافق حول الأعداء من الإرهابيين وإن اختلفت وجهات نظر الطرفين في ذلك، وهذا ما يعني مزيداً من التنكيل بالسوريين ومجزرة الباب -التي راح ضحيتها 15 شهيداً بينهم نساء وأطفال- ما هي إلا دليل على مكافحة الإرهاب من وجهة نظر النظام المتبعة منذ أكثر من عشرة أعوام.

الأتراك يرون الأمر من باب مصلحتهم القومية والداخلية فهم على أعتاب استحقاقات مصيرية، فتركيا لن تفرط بعلاقاتها مع روسيا لأجل عيون السوريين الطامحين بمزيد من الضغط على النظام للقبول بمسار سياسي عادل أقرته الأمم المتحدة، وكذلك لن يسمح حزب العدالة والتنمية للأحزاب المنافسة باستثمار الورقة السورية في الصراع على السلطة التي اشتدت حدتها في الآونة الأخيرة، وموجات التحريض العنصري نالت من أرواح كثير من السوريين بذرائع اقتصادية واجتماعية، ولم يستطع حزب العدالة أن يعالج بل استمرت حمى الترحيل بالتصاعد في صفوف الناشطين وسواهم.

الرئيس التركي ذهب اليوم إلى ما يمكن اعتباره خطوة متقدمة باتجاه النظام من باب الجدوى التي يحققها الحوار السياسي

الخطاب الذي كان يراهن عليه المعارضون هو أن لا تذهب السلطة التركية أكثر من التعاون الأمني المعلن عنه مع النظام، وأن لا تأخذ التصريحات الأخيرة هذا الشكل الذي يشي باقتراب ما كانوا يخشونه، ومن أجل ذلك نلحظ هذا التخبط الغريب في المنشورات والآراء، وسيل الاتهامات بالعمالة لتركيا أو في الجانب الآخر من يرى أنها لا تتعدى مناورة من الداعم لتمرير الانتخابات القادمة وقطع الطريق على أحزاب المعارضة التي تتحدث منذ سنوات عن ضرورة الجلوس مع الأسد لأنه الحل الوحيد الحقيقي لأزمة سوريا، والضامن لعودة ملايين السوريين إلى أراضيهم لتخفيف الأعباء التي ألحقوها بالاقتصاد التركي- وهنا مغالطة كبيرة ساهم فيها حزب العدالة والتنمية- ومن ثم سيعود الضامن إلى سياسته السابقة في اعتبار النظام هو السبب الوحيد في الحرب التي دمرت سوريا وشردت شعبها.

الرئيس التركي ذهب اليوم إلى ما يمكن اعتباره خطوة متقدمة باتجاه النظام من باب الجدوى التي يحققها الحوار السياسي، وهذا لم يجد نفعاً سواء بشكله المباشر أو عن طريق الوكلاء، وهنا يقول أردوغان: (نحتاج إلى تأمين خطوات متقدمة مع سوريا، ولا يمكن قطع الحوار السياسي أو الدبلوماسي بين الدول أبداً إذ يجب أن تكون هناك دائماً مثل هذه الحوارات في أي لحظة)، وهنا يرى بعض المحللين أن توافقاً روسياً تركياً قد تم التوصل إليه حول آلية جديدة للتواصل بين النظام والمعارضة التي تحتضنها تركيا لإنشاء تفاهمات خارج القرارات الدولية وحسابات السوريين في شمال البلاد والمعارضين لهذا التوجه، وهذا ما سيجدد الدعوات لخروج مظاهرات مناوئة لمثل هذا الاحتمال الكبير.

الوقائع تقول إن على السوريين ساسة ومتثقفين وناشطين أن يجترحوا حلاً يقترب من الرمد بديلاً عن العمى

من أجل ما تقدم تشهد ساحة المعارضة السورية هذا الجدل الحاد حول إمكانية الخروج من هذا المأزق وسط اتهامات متبادلة للهيئات السياسية بالعجز تارة والتواطؤ تارة أخرى، ومناشدات للفصائل بضرورة أن تقف موقفاً يتوافق مع الأهداف التي خرج من أجلها السوريون، وإلا فالمصائر واضحة أمام أعين الجميع.

لم يعد ممكناً -بعد عشر سنوات من الصراع بشكله العسكري والسياسي، وبعد كل هذه التبدلات في المواقف والتموضع الدولي والعربي- الركون لحالة رومنسية حالمة، وأن الوقائع تقول إن على السوريين ساسة ومتثقفين وناشطين أن يجترحوا حلاً يقترب من الرمد بديلاً عن العمى، وهذا ليس من قبيل اليأس وابتلاع الخيبة ولكن للتخفيف من أعراض فقدان الأمل التي يتلمسها كل من ينظر في وجه أي سوري أو يسمع ما يقول.