icon
التغطية الحية

أسعار مغرية وأموال مشبوهة.. شركات "القابضات" تثير مخاوف أهالي ريف دير الزور

2022.07.23 | 06:53 دمشق

مدخل دير الزور
لافتة طرقية لمدخل دير الزور (الإنترنت)
غازي عنتاب - عبد العزيز الخليفة
+A
حجم الخط
-A

تنشط بشكل لافت ومثير للقلق شركات محلية في منطقة الشعيطات بريف دير الزور الشرقي، تقوم على شراء ممتلكات الأهالي بضعف الثمن، ولكن الدفع آجل، أي البيع بالأجل، وفق عقد صوري ودفعة أولى.

تعرف هذه الشركات في المنطقة باسم "القابضات" القائمون عليها أشخاص لا يعرف عنهم أنهم من أصحاب الثروات سابقاً، الأمر الذي أدى إلى حالة من الإرباك لدى الأهالي بين الثمن المغري والخوف من تعرضهم للنصب والاحتيال.

استدعت هذه الظاهرة الآخذة بالاتساع في الفترة الأخيرة، تدخل الخطباء وأئمة المساجد وإصدارهم فتاوى تحرم البيع وفق هذه الطريقة التي يكتنفها الكثير من الغموض.

ويحذر ناشطون محليون على صفحات التواصل الاجتماعي من تعرض أهالي المنطقة لعمليات نصب واحتيال جماعية، ومخاوف من عمل أصحاب هذه الشركات لصالح مشاريع خارجية.

وبحسب الناشطين، هناك مخاوف من حدوث فتنة عشائرية بين أهالي المنطقة، بين أهالي البائعين وأصحاب الشركات، الأمر الذي دفع بعض العائلات لإصدار بيانات براءة من أبنائها الذين يديرون مثل هذه الشركات.

كيف تعمل الشركات القابضة؟

للوقوف على هذه الظاهرة الغريبة وحيثياتها تحدث موقع "تلفزيون سوريا" مع عدة مصادر محلية من منطقة الشعيطات التي تشهد انتشار أعمال "الشركات القابضة".

وبحسب المصادر الخاصة، يتحفظ الموقع على ذكر الأسماء، ظهرت هذه الشركات في العام 2017 مع شركة "الكذني" لصاحبها محمد الحسن العبد الكذني في بلدة الكشكية، وانتقلت الفكرة من هناك فيما بعد إلى منطقة الشعيطات حيث شهدت أوج توسعها.

تعمل هذه الشركات على شراء كل ما يباع من دراجات نارية وسيارات وأراض ومنازل، بموجب عقود يؤجل فيها الدفع لفترة تمتد من شهر إلى ستة أشهر بحسب العقد، الذي يقوم على تيسيره مندوب مرتبط بالشركة، على أن يدفع للبائع مبلغ يفوق السعر الحقيقي للسلعة المباعة يقدر بضعف ثمنها الحقيقي في السوق.

وتوضح المصادر، أن السعر الحقيقي للدراجة النارية على سبيل المثال في المنطقة يصل إلى 500 دولار أميركي تقوم الشركات بشرائها بمبلغ يصل إلى 1100 دولار، بعقد آجل.

مثال آخر، تباع الشاحنة الصغيرة من نوع هونداي "H100" بمبلغ يصل إلى 32 ألف دولار وهو أكثر من ضعف ثمنها الحقيقي.

كما رصدت المصادر بيع أرض مساحتها دونم واحد بـ 55 ألف دولار في حي المعدان بمدينة غرانيج بعقد آجل، على الرغم أن أرضاً مجاورة بالمساحة نفسها بيعت في الفترة ذاتها بـ 18 ألف دولار.

ولا تتوقف القصة هنا، فأصحاب الشركات يبيعون ما يشترونه بشكل مباشر أو يعرضونه بالسوق المحلي، ما أثار تساؤلات كثيرة لدى أهالي المنطقة.

وأضافت المصادر أن هذه الشركات عادة ما تطلق عروضاً لمدة أسبوع أو اثنين، تعلن فيها عن أسعار خيالية بمواعيد دفع قصيرة، ما شكل حافزاً لدى الكثيرين للبيع.

ما هي الشركات النشطة في المنطقة؟

كان السبق لشركة "الكذني" في بلدة الكشكية ومن بعدها انتشرت هذه الشركات بشكل كبير في منطقة الشعيطات، أبرزها، الهمشري، والفرات لصاحبها أحمد العم، والخليفة والنورس وأبو الليث الحطيطة، وشركة سمو الأمير وعويد والخال وغيرها، وشركة واحدة خارج منطقة الشعيطات، بدأت العمل في العام 2019 في بلدة الشعفة لصاحبها أبو أكرم الحلبي.

اللافت، أن أصحاب "القابضات" لا يعرف عنهم أنهم من أصحاب الثروة والمال قبل سنوات، ولكنهم فجأة بدؤوا بممارسة هذه الأعمال وقد نجح بعضهم في كسب ثقة الأهالي عبر تسديد العقود بمواعيدها لأكثر من مرة، بحسب المصادر الخاصة.

سمو الأمير وحقائب الدولارات

في المقابل، أدى تخلف ثلاث شركات عن الدفع هي "الهمشري وسمو الأمير والفرات"، خلال الأسابيع الأخيرة، إلى ازدياد مخاوف البائعين من عدم الحصول على أموالهم، ما دفع بعضهم لبناء حاجز في بلدة الكشكية ومصادرة 4 سيارات أصحابها من غرانيج.

بدورهم، رد أهالي غرانيج بمصادرة أكثر من سيارة لأهالي الكشكية، بعد تخلف شركة "سمو الأمير" عن الدفع، في 4 تموز/يوليو الجاري، رغم استعراضها لأموال طائلة في فيديو مصور على مواقع التواصل الاجتماعي قبل ذلك في أيام. 

وكانت صفحة الشعيطات الرسمية على موقع "فيس بوك"، نشرت في 7 تموز/ يوليو الجاري، صورة معدلة على تطبيق الفوتوشوب تظهر قصاصة ورقية تحمل اسم "سمو الأمير" فوق أكداس من النقود. 

كما تعرضت شركة الهمشري لهجوم من بائعين على خلفيات تخلف صاحب الشركة عن السداد، حيث استولى مجموعة من الشبان على دراجات نارية وسيارات من مكتب الشركة لاستعادة أموالهم، في 14 من هذا الشهر.

مخاوف من فتنة عشائرية

ورغم خروج صاحب الشركة المدعو "أبو ناصر الهمشري" في تسجيل مصور نشر على "فيس بوك"، يؤكد فيه التزامه بوفاء العقود المستحقة عليه ويعلن فيه وجوده في منزله، فإنه إلى الآن لم يتم سداد العقود كما لم يعرف مكان صاحب الشركة. 

كل هذه التطورات دفعت عائلة "الحطيطة" في بلدة أبو حمام إلى إصدار بيان نشر على مواقع التواصل الاجتماعي أعلنوا فيه عدم مسؤوليتهم عن أي تعامل بالبيع المؤجل لإخلاء مسؤوليتهم أمام سكان المنطقة، وعدم مطالبتهم بالتدخل في حال تخلّف أي عامل من العائلة أو أقربائهم بهذه الأسلوب من الشراء. 

كما ونشرت "الصفحة الرسمية لعشيرة الشعيطات"، الثلاثاء 28 حزيران/يونيو الماضي، بياناً على "فيس بوك" لإخلاء مسؤوليتها، يحذر من خطورة هذه الظاهرة.

ما علاقة "قسد"؟

وتقول المصادر، إن هذه الشركات تعمل بلا أي رقابة من "الإدارة الذاتية" التي تشرف عليها "قوات سوريا الديمقراطية"، ويتهمون الأخيرة بأنها هي من تقف وراء عمليات الشراء هذه.

وتضيف المصادر، بأن هناك معلومات عن وصول الأموال إلى التجار العاملين بالبيع المؤجل في سيارات تحمل مهمات عسكرية من "قسد". 

من جهتها، أصدرت "الإدارة الذاتية" عبر مجلس ما يسمى "مجلس الشعب في منطقة هجين" بياناً في 6 تموز/يوليو الجاري، تعلن فيه تلقي المجلس شكاوى حول الشركات العاملة "بالدين الربوي".

ويحذر بيان "الإدراة الذاتية" من التعامل مع هذه الشركات ويهدد الجهات والأشخاص الذين يقفون وراءها بتحمل المسؤولية، ولكن لم تتخذ أي إجراء عقابي بحق هؤلاء.

مع ذلك، لم تتوقف الشركات عن مواصلة العمل بشكل علني، في ظل غياب الرقابة أو المحاسبة من قبل "الإدارة الذاتية" التي تسيطر على المنطقة.

وعلاوة على ذلك، تقوم هذه الشركات باستعراض قوتها الاقتصادية عبر تسيير أرتال السيارات بين الفينة والأخرى في منطقة الشعيطات، لإظهار قوة السيولة والقدرة الشرائية، من خلال مقاطع فيديو ترويجية.

وتظهر المقاطع، صوراً لأرتال السيارات الحديثة تم تصويرها بطائرات "الدرون" من الجو، أو حقائب مليئة بالنقود، بقصد كسب ثقة الزبائن.

وبحسب المصادر أغلب هذه السيارات تكون مستأجرة من شركات أخرى.

ولا تخفي المصادر التي تحدث إليها موقع "تلفزيون سوريا" شكوكها من أن تكون النقود التي يستعرضها أصحاب الشركات "القابضات" من "الدولار المجمد"، الذي لم يمكن تصريفه سوى في السوق السوداء.

وبحسب المصادر، قد يتعلق الأمر بـ "غسيل الأموال" لصالح قادة الميليشيات في الشامية هو والجزء الجنوبي من الفرات الخاضع لسيطرة إيران وميليشياته والنظام، وبهدف استملاك مساحة كبيرة من العقارات والأراضي فيها. 

عمليات نصب واحتيال

يقول الخبير الاقتصادي فارس الكواس، يعدّ البيع بالأجل وسيلة من وسائل التمويل، الذي تتبعه بعض المؤسسات المالية يتمثل في بيع بعض السلع لزبائنها بشكل آجل بهدف الربح.

ويوضح الكواس في حديثه مع موقع "تلفزيون سوريا"، بأن الزبون يشتري سلعة ما بقيمة أكبر من ثمنها الحقيقي ثم يبيعها بسعرها الحقيقي لتوفير سيولة نقدية بيده، أو لاستخدامها ثم يقوم بتسديد الدين لاحقاً، يعني أنه نوع من أنواع الائتمان.

ويضيف الخبير الاقتصادي، أن الذي يجري في منطقة الشعيطات هو غير منطقي، محذرا من مخاطره لأنه لا يجري وفق عمل مؤسساتي.

الدولار المجمد

ويقول الكواس، ما يحدث في الشعيطات إما أن يكون عملية نصب باعتبار الشخص يقوم بالشراء بشكل آجل، ويبيع نقداً، ولذا فمن المحتمل أن يفر إلى خارج مناطق الشراء الأصيلة بحيث لا يستطيع الدائنون الوصول إليه، أو أن الأموال المستخدمة بالشراء مزورة، مستبعداً أن تكون الأموال من "الدولار المجمد"، الذي ينفي وجوده.

وبحسب الخبير الاقتصادي، "الدولار المجمد" هو كذبة اخترعها المزورون على أساس أن هذه النقود مصدرها من ليبيا، موضحاً أن عملية التجميد ليست فيزيائية ولا توجد أوراق نقدية بعينها يتم تجميدها، بل هناك حسابات أفراد أو دول أو مؤسسات مجمدة.