icon
التغطية الحية

أدب الرعب العربي.. سلسلة "www" لـ أحمد خالد توفيق أنموذجاً

2021.12.31 | 10:58 دمشق

ahmd_twfyq-_tlfzywn_swrya.jpg
محمد أسد الخليل
+A
حجم الخط
-A

يزخر التراث الإنسانيّ بالحكايات والقصص عن عالم السحر والجانّ والأساطير وقصص ما وراء الطبيعة، بدأت على شكل حكايات شعبيّة موروثة ثمّ تطوّرت إلى أدب مكتوب، ككتاب قصص "كليلة ودمنة" على سبيل المثال.

هذا وكان الغرب سبّاقاً في ظهور أدب جسّد تلك القصص والحكايات المرعبة في أعمال أدبيّة تمّ تحويل العديد منها لأفلام سينمائيّة تناولت شخصيّات أسطوريّة مرعبة كمصّاصي الدماء وغيرهم. ولأنّ مثل تلك الأفلام قد استهوت الشباب العربيّ كان لابدّ من مواكبة هذا الأدب عربيّاً.

إلّا أنّ ولادة أدب الرعب في العالم العربيّ بدأت متأخّرة؛ ففي تسعينيّات القرن الماضي قدّم الكاتب المصريّ أحمد خالد توفيق سلسلة "ما وراء الطبيعة" كأوّل عمل أدبيّ للرعب في الوطن العربيّ، ثمّ قدّم للمكتبة العربيّة العديد من الأعمال الأدبيّة في هذا المضمار منها رواية "الآن نفتح الصندوق" بأجزائها الثلاثة وكذلك سلسلة أخرى وضع لها عنواناً مثيراً هو "www" بأجزائها الخمسة، وهي: المحادثة، العدّ الأخير، غرباء الأطوار، أحدهم هرب، المتلصّص.

"المحادثة".. علاقة حبّ مع "جنّي"!

"المحادثة" رواية أجرى الكاتب أحداثها على لسان فيروس من الفيروسات التي تدخل أجهزة الكمبيوتر، وقد أطلق اسم "www" على ذلك الفيروس. من هنا ومن الاسم تحديداً يمكن أن نلحظ تمرّد الكاتب على النمطيّة في الكتابة الأدبيّة، وقد عبّر عنها الكاتب في بداية الرواية بقوله:

"أكره النمطيّة في كلّ شيء، أكره الالتزام بما سار عليه الآخرون لمجرّد أنّهم سبقونا، حتّى على مستوى القصّة التي أحكيها الآن. تحمرّ أذناي -لو تخيّلنا أنّ لي أذنين- وأنا أفعل كما يفعل كلّ من سبقوني، لو تجاسرت لما استخدمت النقاط والفواصل، ولرفعت المفعول به وجررت الفاعل من أنفه، لربّما صرفت الممنوع من الصرف إلى حال سبيله بعدما حبسه النحاة دهراً منذ عهد سيبويه" 

رعى الكاتب في توجيه رسائل تربويّة نقديّة هادفة وذلك من خلال الإشارة إلى بعض القضايا المهمّة المتعلّقة بالشباب العربيّ

ثمّ يبدأ الكاتب بسرد أحداث الرواية التي يرويها لنا ذلك الفيروس الذي استقرّ في جهاز كمبيوتر لأحد الشباب المصريّين ويدعى رامي، وراح يتلصّص ويراقب محادثة عبر برنامج الشات بينه وبين فتاة، محادثة قد تبدو متشابهة مع ملايين المحادثات التي تجري بين شباب وفتيات بهدف التعارف وإقامة علاقات الحبّ والغرام، إلّا أنّ النهاية قد كانت فريدة ومشوّقة ومرعبة؛ فبعد محادثات طويلة وأخذ وردّ وصدّ وجذب والتستّر بأسماء مستعارة اتّفق الطرفان على لقاء على شاطئ النيل، ذهب الشابّ إلى المكان الذي تمّ الاتفاق عليه في الزمن المحدّد وانتظر لفترة طويلة لكنّ الفتاة لم تأتِ، ليكتشف لنا ذلك الفيروس من خلال بحثه وتدقيقه في صورة الفتاة واختراق جهاز الكمبيوتر لديها أنّ تلك الفتاة متوفّية منذ سنتين، وأنّ شبحاً أو جنّيّاً كان يراسل الشابّ من جهاز تلك الفتاة المتوفّية.

توظيف المصطلحات التكنولوجية

وما يؤكّد التمرّد على النمطيّة في الكتابة والتي أشرنا إليها في البداية أنّ الكاتب استخدم الكثير من الكلمات والمصطلحات الخاصّة بعالم الفيروسات ولغتها الترميزيّة، كما استخدم مصطلحات في علم الكمبيوتر ومحرّكات البحث باللغة الأجنبيّة وأحياناً بلفظ عربيّ، ذلك الاستخدام أضفى على الرواية نكهة تكنولوجيّة قلّما نجدها في أعمال أدبيّة أخرى.

رسائل تربوية للشباب العربي

وعكساً للكثير من أفلام الرعب وقصصه التي تستهوي قسماً كبيراً من الشباب العربيّ والتي تفتقر للمحتوى الهادف، فقد برع الكاتب في توجيه رسائل تربويّة نقديّة هادفة؛ وذلك من خلال الإشارة إلى بعض القضايا المهمّة المتعلّقة بالشباب العربيّ ، أوّلها اهتمام قسم كبير من الشباب العربيّ ببرامج الدردشة فقط وعدم اكتراثهم ببقيّة الخدمات التي تقدّمها أجهزة الكمبيوتر؛ وذلك من خلال مراقبة الفيروس للكثير من الملفّات والبرامج التي لم يفتحها رامي مطلقاً.

كما أشار الكاتب إلى قضيّة استخدام الأسماء المستعارة بين الشباب والبنات في العالم العربيّ عبر مواقع التواصل الاجتماعيّ؛ فكثيراً ما تجري محادثات بين شابّين استخدم أحدهما اسماً مستعاراً لفتاة والعكس صحيح.

عالم الفيروسات وعلائقها والتطوّر التقنيّ المتوقّع كان من المعلومات التي أراد الكاتب تقديمها من خلال هذه الرواية، كما أراد الكاتب من خلالها تأكيد مواكبة الأدب للتطوّر التقنيّ والعلميّ وخاصّة بما يتعلّق بعلوم الكمبيوتر.

تعريف بالكاتب أحمد خالد توفيق

أحمد خالد توفيق (1962ـ 2018) طبيب وكاتب ومؤلّف ومترجم مصريّ، يعدّ أوّل كاتب عربيّ في مجال أدب الرعب والأشهر في مجال أدب الشباب والفانتازيا والخيال العلميّ، لُقّب بـ العرّاب.

ألّف العشرات من الروايات والمجموعات القصصيّة، كما كتب العديد من المقالات والدوريّات، نذكر منها:

  • سلسلة فانتازيا عام 1995
  • سلسلة سفاري عام 1996
  • سلسلة www  عام 2006

ومن رواياته التي حقّقت نجاحاً جماهيريّاً باهراً رواية "يوتيوبيا" عام 2008 ورواية "مثل إيكاروس" عام 2015 ورواية "في ممرّ الفئران" 2016

استمرّ نشاطه الأدبيّ مع مزاولته مهنة الطبّ؛ فقد كان عضو هيئة التدريس واستشاريّ قسم الأمراض الباطنة المتوطّنة في كلّيّة الطبّ جامعة طنطا.

توفّي في الثاني من نيسان 2018 عن عمر يناهز خمسة وخمسين عاماً إثر أزمة صحّيّة مفاجئة.