أجندة إسرائيلية مزدحمة للعلاقة مع بايدن

2021.01.25 | 00:02 دمشق

f160309ffas020-1200x630.jpg
+A
حجم الخط
-A

ربما يكون الإسرائيليون، الأكثر اهتماما بالسياسة المتوقعة للرئيس الأميركي الجديد جو بايدن، لأنها ستلقي بظلالها، السلبية والإيجابية عليهم، خاصة في الملفات ذات التشابكات الإقليمية مثل الملف النووي الإيراني، والقضية الفلسطينية، والوضع في سوريا.

على الصعيد الفلسطيني، تبدو إسرائيل مطالبة بإقناع الإدارة الأميركية بتقديم أهداف واقعية لتحسين الواقع الفلسطيني على الأرض، مع أنه لن يكون سهلا على من يفكرون بالسيطرة على مزيدٍ ومزيدٍ من أجزاء الضفة الغربية، لكن القضية الفلسطينية ستكون من المجالات التي يتوقع فيها الاحتكاك الإسرائيلي الأميركي، رغم أن أبو مازن يعرّف نفسه لبايدن بأنه حريص على التفاوض.

في الوقت ذاته، ربما لا يتوق بايدن للدخول في مغامرة أخرى بالسعي لحل الدولتين، لكن الفلسطينيين يحاولون إثارة شهية مساعديه، والخلاصة أنه يجب التحدث إلى بايدن ورجاله بسرعة، وينبغي بذل محاولات لمراعاة المصالح الإسرائيلية، حيث تحتاج الإدارة للترويج لمزيد من الاتفاقيات التطبيعية، وهذا ممكن تماما.

وبعد مرور أيام قليلة على تغير الساكن الجديد في البيت الأبيض، فلم يتضح إلى أي مدى ستسعى إدارة بايدن لمحو إرث ترامب في الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، رغم تصريحه بإبقاء السفارة الأميركية في القدس، وتواصل الاعتراف بها كعاصمة لإسرائيل، لكن لا ينبغي للإسرائيليين أن يخدعوا أنفسهم، فلن يمرر بايدن إخطارات البناء في المستوطنات في صمت، ومثل هذه التصريحات ستعيد إدانات واشنطن التي اختفت خلال إدارة ترامب.

التطور المرتبط بتأثير إدارة بايدن الجديدة على الشرق الأوسط، يتمثل بوجود اتفاق واسع النطاق في واشنطن على أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ليس أولوية له في هذه المرحلة

ولعلها مفارقة لافتة أن يتم تنصيب بايدن باعتباره الرئيس الـ46 للولايات المتحدة، قبل ثمانية أيام فقط من الذكرى السنوية الأولى لإعلان "صفقة القرن"، التي قدمها الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب ورئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض.

التطور المرتبط بتأثير إدارة بايدن الجديدة على الشرق الأوسط، يتمثل بوجود اتفاق واسع النطاق في واشنطن على أن الصراع الإسرائيلي الفلسطيني ليس أولوية له في هذه المرحلة، رغم أنه يدعم باستمرار حل الدولتين، لكن هناك سببًا للاعتقاد بأنه قد يميل للاستفادة من الوضع الحالي لدفع اتفاقية سياسية قابلة للحياة، ومن المرجح أن يعيد فتح مقر منظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن، ويجدد الدعم الأميركي للأونروا، ويحاول التراجع عن معظم الخطوات السيئة لسياسات سلفه، كالاعتراف بشرعية جميع المستوطنات في الضفة الغربية.

في الوقت ذاته، من المتوقع أن يدعم بايدن مسيرة التطبيع مع الدول العربية والإسلامية، دون أن يكون مستعدًا لدفع الدول العربية لحيازة السلاح الأميركي، ورفع العقوبات عنها، كما كان شائعاً جدًا في عهد ترامب، مقابل التطبيع مع إسرائيل، وتشير التقديرات أن مصطلح "الاتفاقيات الإبراهيمية" سيُمحى بسرعة في عهد بايدن.

عند الحديث عن سوريا، تظهر الضربات الجوية الإسرائيلية الأخيرة في سوريا، التي جاءت واسعة النطاق وطويلة الأمد وأكثر فتكاً من سابقاتها، بالتزامن مع تنصيب بايدن، ودخوله إلى البيت الأبيض، وكأنها إشارة إليه، بأن إسرائيل ستستمر في إحباط نوايا إيران في المنطقة، والعمل على إخراجها من سوريا.

التقديرات العسكرية الإسرائيلية تتحدث عن توجه لإدارة بايدن بتقليل هامش حرية العمل للجيش الإسرائيلي ضد إيران في سوريا، بعد أن منحت إدارة الرئيس الأميركي المنتهية ولايته دونالد ترامب حرية العمل الكاملة، وكثير من التعاون مع إسرائيل في مجال المخابرات والاستخبارات والعمليات، وتوفر إشارات صادرة عن إدارة بايدن بأن إسرائيل ستستمر في إحباط نوايا إيران العسكرية في المنطقة.

تتعامل إسرائيل اليوم مع واقع جديد مفادها استبدال الإدارة الأميركية الجديدة بالقديمة، وتولي بايدن لمقاليد الأمور، ولذلك تستعد إسرائيل للتعامل مع هذا المعطى بشيء من القلق، بعد أن تطابقت إدارة ترامب مع نتنياهو وجهاً لوجه في نظرتها الاستراتيجية لإيران وسوريا وحزب الله والفلسطينيين، ويبقى السؤال الآن كيف ستعمل الإدارة الأميركية الجديدة.

الملف الثالث يتعلق بالقضية الإيرانية، فقد حدد رئيس هيئة أركان الجيش الإسرائيلي أفيف كوخافي العام الجديد 2021 بأنه "عام إيران"، وأمر بإعادة إعداد خطط هجوم فعالة ومحدثة، رغم أن إدارة بايدن بدأت محادثات لتجديد الاتفاق النووي مع إيران، حيث تسعى إسرائيل أولاً وقبل كل شيء من أجل اتفاق يحد بشكل كبير من جهود إيران النووية.

الاتفاق الجديد الذي سيرضي إسرائيل سيفرض قيودًا صارمة على استمرار برنامج الصواريخ الباليستية الإيرانية، وقيودًا شديدة على نشاطها العسكري في جميع أنحاء المنطقة، خاصة في سوريا، واستمرار العقوبات الاقتصادية الكبيرة، بعد أن وصفت إدارة ترامب عقوباتها على طهران بـ"سياسة الضغط" التي أدت بجانب أزمة كورونا والأزمة الاقتصادية وهبوط أسعار النفط بشكل كبير لدفع الإيرانيين إلى الزاوية، وأثرت على نشاطهم بالمنطقة، وأظهرت مزيدا من الأصوات الإيرانية الداعية للخروج من سوريا.

السؤال الإسرائيلي ما إذا كانت واشنطن ستستمر في طريقها، فبالنسبة لطهران، تعتبر إدارة بايدن فرصة، أما إسرائيل فهي قلقة، والأسئلة الكبيرة تتعلق بأنه ما إذا كان من المتوقع العودة للاتفاق النووي، وكيف يبدو، وما إذا كان سترفع العقوبات، ولذلك فإن التنسيق والحوار بين تل أبيب وواشنطن أهميته كبيرة، ويجب على إسرائيل أن تجد سبلاً للتحدث والتأثير على الإدارة القادمة، ثم على الاتفاقية النووية الناشئة التي أبلغت عنها.

ربما لا يكون الأمر صدفة أن يزور رئيس الموساد واشنطن عشية تنصيب بايدن، فقد سافر لمعالجة هذه القضايا، صحيح أننا أمام إدارة صديقة للغاية لإسرائيل، لكن هناك قضايا مثيرة للجدل، الاتفاق النووي والعلاقة بالفلسطينيين والملف السوري، مما يستدعي من إسرائيل صياغة سياسة منسقة مع الإدارة الجديدة، فضلا عن اتفاقيات التطبيع، حيث تريد إسرائيل من بايدن أن تواصل المساعدة في موجة التطبيع، والدول التي تكشف علناً عن علاقاتها معها.

تعيد إسرائيل بناء قدراتها الهجومية ضد الإيرانيين، لكن السؤال ما إذا كانت الإدارة الجديدة عازمة على مواجهتهم، أم أكثر تحفظًا في ردودها، مع أن التعاون الوثيق بين واشنطن وتل أبيب يكمن في الاستخبارات والجيش والعمليات لمواجهة إيران، التي قد تلجأ لتفعيل مبعوثيها في المنطقة في سوريا واليمن والعراق للعمل ضد إسرائيل، مع أن الأكثر أهمية لها وجود رادع قوي للغاية تجاه إيران، وفي الوقت ذاته علاقة قوية جدًا بالأميركيين، للتأثير على العمليات المستقبلية، والحفاظ على كتف داعمة في حالة تعقد الموقف مع إيران.

لم يعد سراً أن الإيرانيين رحبوا بوصول بايدن، كي يعودوا لتخصيب اليورانيوم، وتصدير رواية مفادها أن الخروج من الاتفاق النووي كان خطأً تاريخيًا جعلهم أقرب إلى القنبلة، لذلك يجب إعادة العجلة للوراء، من خلال العودة إلى الاتفاق النووي الذي وقعه باراك أوباما سابقا.

لا أحد يشك في تل أبيب أن علاقة دونالد ترامب بإسرائيل انتهت بتنصيب جو بايدن، وعلى الإسرائيليين أن يعتادوا على حقيقة وجود رئيس جديد في واشنطن

الخلاصة أن شهر العسل الذي استمر أربع سنوات بين "إسرائيل نتنياهو" و"أميركا ترامب" انتهى رسميًا، فالرئيس الجديد وطاقمه مصممون على العودة للاتفاق النووي، ومنع اتخاذ إجراءات أحادية الجانب ضد الفلسطينيين، وإيجاد توليفة جديدة للملف السوري.

لا أحد يشك في تل أبيب أن علاقة دونالد ترامب بإسرائيل انتهت بتنصيب جو بايدن، وعلى الإسرائيليين أن يعتادوا على حقيقة وجود رئيس جديد في واشنطن لا يتفق معهم في القضايا الفلسطينية والإيرانية والسورية، مما يعني نشوب خلافات كثيرة مع الإدارة الجديدة، مع فرق جوهري أنه بعكس حقبة باراك أوباما، حيث سيتم حل هذه الخلافات في الغرف المغلقة، وليس عبر ميكروفونات الصحفيين، وعلى الهواء مباشرة.

الملف الرابع يتناول عدم إخفاء المستويات الأمنية والسياسية الإسرائيلية قلقها من توجهات بايدن وطاقمه الجديد للسياسة الخارجية بشأن اعتبارهم أن الربيع العربي الذي اندلع عام 2011 مليء بالأمل في الديمقراطية وحقوق الإنسان والتعايش بسلام، فضلا عن وضعهم الأسس للاتفاق النووي مع إيران 2015؛ ومساهمتهم في إدارة الظهر للدكتاتوريين العرب خلال تلك الثورات، رغم موالاتهم لأميركا.

عدد من أفراد الحاشية المحيطة ببايدن، لاسيما في وزارة الخارجية والمخابرات المركزية، لديهم تقييمات مؤيدة للفلسطينيين، وتنتقد إسرائيل وسياسته في الشرق الأوسط، ولم تتحمس لقرارات ترامب في الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، ونقل السفارة الأميركية إليها، وكذلك انتقاد عدد من دول المنطقة لانتهاكاتها في مجال حقوق الإنسان وانعدام الديمقراطية، والنظر للأحزاب والقوى السياسية المعارضة لها باعتبارها سياسية شرعية، وليست إرهابية، كما دأبت تلك الأنظمة على وصفها، وتوافقت مع إدارة ترامب على ذلك.