أبو فستوك والحركة التصحيحية

2019.11.25 | 18:49 دمشق

2f3481382543fb2daf703665570154c5.jpg
+A
حجم الخط
-A

أبو فستوك رجل تصحيحي بامتياز. تصحيحي، كما يقولون، خلقة الله، أو "من الوكالة". تصحيحي ويحب قائدَه، ويحلف برأسه أغلظ الأيمان، هذا مع أنني، وأنا أخوكم، مستعد أن أحلف أمامكم يميناً مُغَلَّظةً جداً على أن أبا فستوك لا يعرف كيف جاء حافظ إلى الجيش، ثم إلى السلطة، وماذا فعل حينما كان وزيراً للدفاع ضمن السلطة الشباطية، وكيف ولماذا خسرنا حرب حزيران 1967 بقيادته.. لم يسمع أبو فستوك بـ "أيلول الأسود" الذي أوصل القيادة الشباطية إلى الانقسام الشاقولي، بين مؤيدٍ للتدخل في الأردن لحماية الأشقاء الفلسطينيين من الإبادة الجماعية، وقائلٍ (فخار يكسر بعضه، نحن جايين نحكم ونتسلط على الناس مو جايين ندافع عن قضايا قومية وعلاك فاضي).. ومعلومٌ أن بطل تشرين التحرير وتشرين التصحيح، حافظ الأسد الذي يحبه أبو فستوك ويحلف برأسه، هو صاحبُ هذا الموقف الانتهازي المتخاذل.

يزداد النشاط العاطفي للقطط عندما تتوجه الطبيعةُ نحو الدفء، اعتباراً من شهر شباط "فبراير" من كل سنة، فتشتدُّ، آنئذ، حركتُها، ويتسارع ركضُها وراء بعضها البعض، وقفزُها فوق الحيطان العالية وهي تصدر أصواتاً صاخبة عامرة بالغُلمة والشبق. في مناطقنا يقال للقط الذَكَر الداخل في هذه المرحلة "هارون"، وعندما يريدون وصف إنسان تجتمع فيه كل هذه الحركة وهذا النشاط الاستثنائي يقولون عنه: "مْهُوْرِنْ".

كان أبو فستوك، حينما يقترب ذكرى الحركة التصحيحية (يهورن) بكل ما تحمله هذه الكلمة المنحوتة من معانٍ، ويبدأ بالتنقل بين فرع اتحاد الكتاب المحلي، وفرع الأمن العسكري الذي يدخل إلى غرفة رئيسه من الباب الجانبي - كما أسلفنا - وبعض الفروع الأمنية الأخرى التي يزورها في هذه المناسبة للمعايدة، والمراكز الثقافية الرئيسية والفرعية في محافظة إدلب، ويسافر، كذلك، إلى دمشق، ومنها قد لا يعود مباشرةً إلى إدلب، بل يمر ببعض المحافظات التي تأتي في طريقه، ليصبح حالُه شبيهاً بحال الرفيق سعيد حمادي الذي عينه حافظ الأسد عضواً في القيادة القطرية مختصاً بقطاعي الشبيبة والطلبة (مع أنه كان رجلاً طاعناً في السن).

في ذكرى الحركة التصحيحية. لقد أصبح أبو فستوك، منذ أواسط تسعينات القرن العشرين، يساهم في وضع برامج النشاطات الاحتفالية لبعض المراكز الثقافية في محافظة إدلب

كان الرفيق سعيد حمادي يغادر دمشق إلى حمص، فحماة، فالرقة، فدير الزور، فالحسكة، فحلب، فإدلب، فحماة، فاللاذقية، فطرطوس، فحمص، فالسويداء، فدرعا، ويقفل عائداً إلى دمشق بغية إعداد إذن سفر جديد، للانطلاق في جولة جديدة. وكان يزود أمناء فروع الشبيبة في المحافظات بجدول تنقلاته، ومواعد وصوله لكل محافظة – على تيسير الله - لكي تحشد قيادةُ الفرع لاستقباله ما تستطيع من رفيقات ورفاق يحملون صور القائد واللافتات التي تشيد بقيادته الحكيمة، ويرددون أناشيد النصر والعزة والفخار.. وكان الشيء الطريف، المضحك، في شخصية الرفيق سعيد، أنه يفتتح خطاباته عندما يسلم على الرفيقات والرفاق الشبيبيين بعبارة: أنقلُ إليكم تحياتِ الرفيق المناضل القائد حافظ الأسد.. مع أنه يكون قد مضى على مغادرته العاصمة أكثر من شهر ونصف الشهر، وربما يكون قد مضى على آخر لقاء جمعه بحافييظ الأسد سنة أو أكثر، وهذا ما دفع أحد الرفاق الشبيبيين الهزليين لأن يهمس في أذن رفيقه: إما أن حافظ الأسد موجود مع الرفيق سعيد حمادي في باكاج السيارة الخلفي، وكلما نزل في محافظة يقول له (سلم لي ع الرفاق)! أو أن لديه جهاز تسجيل عليه صوت حافييظ الأسد وهو يقول (أمانة يا سعيد، سَلّمْ لي كتير ع الرفاق.. أمانة يا سعيد، سَلّمْ لي كتير ع الرفاق) على طريقة بائع الغاز الذي يضع في مقدمة الطريزينة ميكروفون مسجلة يصيح باستمرار: غاز غاز غاز.. هاتْ فاضي وخودْ مليانْ!

نعود إلى أبي فستوك و(هورنته) في ذكرى الحركة التصحيحية. لقد أصبح أبو فستوك، منذ أواسط تسعينات القرن العشرين، يساهم في وضع برامج النشاطات الاحتفالية لبعض المراكز الثقافية في محافظة إدلب وبعض المراكز في محافظات أخرى تربطه بمديريها صداقات ذات طبيعة رفاقية (وأمنية غالباً). كان يهمس لمديري المراكز بأن الرفاق في فرع الأمن العسكري ما فتئوا يُحرجونه بالسؤال عن طبيعة الأنشطة الثقافية التي تُقام بمناسبة الحركة التصحيحية المباركة التي فجرها الرفيق المناضل حافظ الأسد.. (ملاحظة: أطباء الجراحة العامة يستخدمون فعل "فَجَّرَها" مع الدملة!)، وهنا يخفض صوته ويقول: بصراحة هم يستغربون تصرفات بعض مديري المراكز حينما يستضيفون أدباء يعادون السيد الرئيس، في ذكرى الحركة التي فجرها السيد الرئيس نفسه.

قبل سنة 2001 لم يكن الرفيق أبو فستوك يذكر أسماء الأدباء الذين يعادون السيد الرئيس بالاسم، وحينما يسأله أحد مديري المراكز عنهم يقول له: أرجوك يا رفيق لا تحرجني، لا أستطيع الآن أن أذكر الأسماء، ولكن دعنا نشتغل بطريقتين، الأولى أن تطلعني على الأسماء الموجودة لديك وأنا أنتقي منها، والثانية أنا أقترح عليك أسماء يمكنك أن تستضيفها في مناسبة الحركة التصحيحية المباركة أو أية مناسبة قومية، وعلى مسؤوليتي..

ذكرت لحضراتكم من قبلُ أن معظم مديري المراكز الثقافية الفرعية موظفون صغار، أغلبهم من حملة شهادة الثانوية العامة، معظمهم لا يمتلكون ثقافة معمقة، أو خبرات حياتية كبيرة، ولذلك كان من السهل على أبي فستوك أن يَضْبَعَهم (يسيطر عليهم نفسياً)، ويرغمهم على إقرار أمسيات لأناس من طرف أبي فستوك، وشطب أسماء لا يرضى عنها أبو فستوك، وأنا أميل إلى الاعتقاد أنهم كانوا يتضايقون من هذا التدخل الفستوكي السافر، وفي الوقت نفسه يشعرون بالارتياح، لأن الأشخاص الذين يأتون من طرف أبي فستوك كلهم على شاكلته، منافقون، كذابون، ضعيفو الموهبة، وقد دربَ بعضهم على العمل بصفة مخبرين وعواينية، مثله تماماً.

(حديث ذو شجون).