منجونة.. صوت الحق الذي أقلق المستبدين

2020.01.31 | 23:05 دمشق

mhmd-bd-almjyd-mnjwnt.jpg
+A
حجم الخط
-A

أذكره بصوته الجهوري الواثق، حين كان يقدم مداخلاته في محاضرات جمعية الشهباء بحلب، وكم كنت أفخر بسماع تعليقاته الجريئة في جمعية العاديات.

مشتركات كثيرة بيننا، إصرارنا على الثورة لتنعم سوريا بحكم ديمقراطي يليق بها، وحبنا لأفكار الكواكبي.

حين زرناه في مكتبه، بعد انطلاق الثورة ، سبقتنا الهيبة التي يتمتع بها وقد توّجها الوقار. جلسنا في حضرة " محمد عبد المجيد منجونة" السياسي العريق الذي لا يحيد عن أهدافه، وهذا جعله ينتقل من الوزارة إلى السجن.

أبا ضرار.. ليس وداعاً، لكننا نستودعك الله.

سلامٌ إليكَ من كلِّ الأصدقاء

أيّها الوردةُ الّتي قشّرتْ حواسّهَا

واكتفتْ برداءِ الرّوح

طوبى لكَ

هذا الحضورُ الأنيق

وهذا الغياب

بعد نضالٍ عبر الكونَ

تتبعُ منبَعَ الضوءِ

موغلاً في العذوبة

شفيفاً كالمطر الصيفيّ

رحلتَ بعيداً لتدنو

خارج حدودِ الزمانِ المكان

ولكنّك، أبداً، لا تغادر ذاكرة الأجيال.

قدرنا أن نفارق المثابرين الطيبين.

كوكبـاً كوكبـاً نفقـدُهم، أولئك الذين يُـنيرون ليـاليـنا باللُّهـاث خلفَ أحلامِهِم التي تجعـلُ الحياةَ ممتعـةً حتّى للمعذّبينْ .

ليلكـةً ليلكـةً تعرى حدائِـقُنا من وجوهٍ أليفة ، طالما طوت ابتساماتـُها كثيراً من متـاعِبنا . ولكنهَّم ـ أيضاً ـ ينطفئونَ لِتـُشِعَّ أعمـالـُهم في سمـاءِ أيَّـامنا ، وتكسِرَ أرجلَ العـتمـةِ التي يصطنعها متسلقونَ بلا ملامح .

وهكذا في صبيحة يوم كئيب في مطلع العام ، عَبَرَ عَلَمٌ من أعلامِنا جسرَ الأبديةْ وتخلّصَ من ثوبهِ الطارئ ، ومن أعباءِ الجسد ، من غير أن يجزَعَ ، لأنَّـهُ يُدركُ أنَّ الموتَ لايعني خاتمـةَ المطافْ إلاّ لأحزانِـه .

المحامي المتميّز "محمد عبد المجيد منجونة"، شغل منصب الأمين العام المساعد لحزب الاتحاد الاشتراكي العربي الديمقراطي، ثم انسحب حتى من المكتب السياسي متيحاً الفرصة لدماء جديدة، وآثر النضال بوصفه واحداً من أعضاء الحزب.

 توفي يوم الأربعاء الماضي 29/1/2020 في مدينة حلب الشهباء التي أبى أن يغادرها، بالرغم من أن مرتزقة السلطة داهمت مكتبه في حلب وعاثت فيه تخريباً، ردّاً على موقفه المشرّف من الثورة السورية.

شغل الراحل منصب وزير عام 1974على خلفية دخول حزبه العمل السياسي، ثم ما لبث أن انسحب من الوزارة لأنه رأى، عن قرب، الفساد السياسي والاجتماعي والاقتصادي الذي تنشره فئة سلطوية ترى أنها فوق القانون.

اعتُقل بين عامي 1980 و1990، على خلفية مشاركته في إضرابات نقابات المهن العلمية في سوريا.

في عيد الأب الذي دعا إليه محمود بادنجكي يوم 8/8/ 1996 كرّم والده الشهيد في شخص الأستاذ منجونة، ضمن حفل أقيم في ندوة الشهباء بحلب.

بعد الإفراج عنه واصل نشاطه عام 2000 في منتديات ربيع دمشق، وكان أحد مؤسّسي منتدى عبد الرحمن الكواكبي في حلب، ثم تم إغلاقه في عام 2002 بعد منع المحامي منجونة من إلقاء محاضرة عن “النظام الانتخابي في سوريا”.

وفي عام 2001 أسّس جمعية حقوق الإنسان في سوريا، بالاشتراك مع مجموعة من النشطاء ، وهو من الموقعين على إعلان دمشق بيروت.

قبيل منتصف 2011 أعدّ حزبه صناديق إغاثة وأدوية تمهيداً لإرسالها للمناطق المحاصرة، مدوّن عليها: مقدمة من الاتحاد الاشتراكي، فرفض الأستاذ إرسالها إلا بعد أن يتم حذف اسم الحزب من الصناديق، ورأى أن الحزب جزءُ من الحراك الشعبي الذي يصرّ على سلمية الثورة والعمل باسمها بعيداً عن الفئوية والحزبية، وأن ما يقومون به واجب وطني وليس مجالاً للتفاخر والإعلان.

وفي العام نفسه زرنا ضريح ابراهيم هنانو والجندي المجهول، فأجرت إحدى القنوات الفضائية لقاءً معه، أكّد خلاله على مطالب الثورة، داعياً السلطة إلى إلغاء المادة الثامنة من الدستور، تلك التي ينفرد فيها حزب البعث بقيادة الدولة والمجتمع. كما طالب بالإفراج عن المعتقلين وإلغاء حالة الطوارئ، هذا حين كانت حلب محاصرة بالقبضة الأمنية، وكانت كلمة واحدة تدين السلطة كفيلة باعتقال صاحبها، مما اضطر الكثيرين إلى التزام الصمت، والانخراط في أعمال الثورة بالخفاء. 

آخر مرة التقيته في النصف الأول من عام 2012 مع مجموعة من الأصدقاء في مقهى المنتدى الثقافي بحلب إبان انطلاق الثورة، احتفينا به وسمعنا رأيه عن الحكم الجائر في سورية، وتبادلنا وجهات النظر في كيفية دحر نظام الأسد الذي يقوم على الفساد.

رحل المناضل فبكاهُ ذووهُ والأصدقاء، وبدت حلب حزينةً، بينما اكتسبت دارُ الفقيد مهابـةَ فُقدانِـهْ ، وشاطرت عنتاب ذلك الحزن، فأقام النشطاء مجلس عزاء للفقيد يومي الخميس والجمعة. كما أقام محبوه وأقاربه العزاء يومي الأربعاء والخميس في جامع نفيسة بحلب. وهكذا بدا عبد المجيد منجونة حاضراً في غيابه ، تفوحُ من تذكار مواقفه رائحةُ وقارِهْ ، التي يعبقُ التاريخُ بينَ حناياها.

بوركتَ أبا ضرار، ولعـلَّ آثارَك ودماثـةَ أخلاقِك ، ورحابةَ صدرِك ، تخلّدُكَ في جنانِ الله حيث تطالـُكَ رحمتـُهُ وهو { ربُ العالمين ، الرحمنُ الرحيم ، مـالكُ يومِ الدين } فياربْ أنتَ القادرُ على جـعـلِه في

{ صراطِ الذين أنعمتَ عليهمْ } ....آمين .