مجلس العشائر يزيد من تصدع الائتلاف!

2020.12.22 | 23:42 دمشق

swrt_11.jpg
+A
حجم الخط
-A

جاء مؤتمر مجلس العشائر والقبائل السورية الذي اختتم يوم الثلاثاء في ريف حلب ليزيد من تأزم العلاقات داخل مؤسسات المعارضة السورية الرسمية، هذه الخلافات التي باتت حديث الجميع مؤخراً، مع لجوء الكتل والقوى الرئيسية فيها إلى التصعيد ضد بعضها بعضا بشكل غير مسبوق.

فقد تداولت وسائل الإعلام طلباً تقدم به عدد من ممثلي العشائر يرفضون فيه حضور رئيس الائتلاف نصر الحريري أو أي من ممثليه للمؤتمر العام الثالث للمجلس، وهو ما حدث بالفعل، وعلى الرغم من حضور أربعة من أعضاء الائتلاف هذا المؤتمر، فإن ثلاثة منهم حضروا باعتبارهم جزءا من مجلس العشائر والقبائل، والرابع هو رئيس الحكومة المؤقتة عبد الرحمن مصطفى، الذي حضره بصفته هذه لا كعضو في الائتلاف طبعاً.

تتعاضد العديد من المعطيات لتؤكد أن طرفين أساسيين كانا خلف منع الائتلاف من حضور المؤتمر، أولهما الحكومة المؤقتة، والثاني أعضاء الائتلاف من المعارضين لنصر الحريري، إذ أكدت مصادر عدة أن رئيس مجلس القبائل والعشائر سالم المسلط، الذي يمثل المجلس في الهيئة السياسية للائتلاف، وهو أحد المعارضين للحريري داخل المؤسسة قد كان على رأس هذه الحملة.

والواقع أن هذا المؤتمر شكل فرصة استثنائية لطرفين من الكتل المعارضة لرئيس الائتلاف من أجل تسجيل النقاط في سلته، وهما الحكومة المؤقتة بالدرجة الأولى، التي كانت قد دخلت في مواجهة صريحة مع الائتلاف، وتحديداً الكتلة المؤيدة لنصر الحريري فيه، عقب الزيارة التي نفذها الأخير إلى المناطق الخاضعة لسيطرة المعارضة خلال الأشهر الأربعة الأخيرة، ورأى فيها المنافسون خطوة إضافية من قبل رئيس الائتلاف لتعزيز هيمنته على المؤسسة.

انزعاج الحكومة المؤقتة، وبالتحديد رئيسها عبد الرحمن مصطفى، تم تبريره وقتئذ بأن هذه الزيارات جرت دون تنسيق مع الحكومة أو إخطارها، كما تقتضي الأعراف والأنظمة، باعتبارها الجهة التنفيذية المسؤولة عن إدارة المناطق المحررة، خاصة أنها لم تكن لمرة واحدة، بل تكررت عدة مرات وبالطريقة نفسها، الأمر الذي دفع مصطفى وغيره في اجتماعات الائتلاف للتعبير عن امتعاضهم بشكل صريح، والتأكيد بأنهم سيقومون بخطوات عملية للرد على سعي نصر الحريري وكتلته لتهميش الآخرين وتحجيم أدوارهم.

قبل ذلك كان رئيس الائتلاف قد دخل، منذ انتخابه في هذا المنصب (تموز الماضي)، في صدام غير مباشر، لكنه صريح، مع عدد من رؤساء الكتل الأخرى النافذة في المؤسسة، وبينما كان الحريري ومؤيدوه يضعون المواجهة تحت شعار الإصلاح والاستجابة لمطالب الناس في ضرورة إحداث تغيير بالائتلاف، أكد خصومه أن هذا الشعار مجرد غطاء لطموحات رئيس المؤسسة الجديد في الهيمنة عليها والتفرد، مع كتلته بإدارتها.

ورغم إنكار الجميع في الائتلاف لهذه الحال في الإعلام (حالة الخلافات الحادة)، فإن العديد من الوقائع أثبتت مدى عمق الخلاف وتفاقمه بين الشخصيات والكتل النافذة فيه، ومدى الأثر الذي خلفته على بقية مؤسسات المعارضة الرسمية، سواء هيئة الانتخابات أو الحكومة المؤقتة أو حتى وفد المعارضة إلى اللجنة الدستورية.

كان قرار الائتلاف تشكيل هيئة انتخابات في شهر تشرين الثاني الماضي، نقطة التحول الأبرز على صعيد إخراج هذه الخلافات من بين جدران المكاتب إلى العلن، إذ لم تتوان بعض الأطراف داخل الائتلاف عن إعلان موقف صريح معارض لهذا القرار، الذي نسب بالكامل لنصر الحريري، الأمر الذي أزعج الأخير بطبيعة الحال، وقد كان ينتظر تبني الائتلاف بشكل مؤسساتي له، ما دفعه للغمز لاحقاً وأكثر من مرة، من قناة وفد اللجنة الدستورية الذي يرأسه هادي البحرة، أحد الشخصيات البارزة في الائتلاف ومن المنافسين الرئيسيين لرئيسه، وكذلك من قناة هيئة المفاوضات، المرجعية القانونية لوفد المعارضة، الذي تعرض لهجوم شعبي وإعلامي لا يقل شراسة عن ذلك الذي تعرض له الائتلاف بعد الإعلان عن الوثيقة التي قدمها الوفد، في ختام الجولة الرابعة لاجتماعات اللجنة، مطلع الشهر الحالي.

لم يكن هذا كل شيء، بل كان التأسيس العملي لتصدع أعمق بين كتل الائتلاف على ما يبدو، التي وكما كان متوقعاً منذ إقدام نصر الحريري على كسر الرتابة التي كانت تحكم الائتلاف على مدار أربع سنوات تقريباً، سواء بهدف الإصلاح أو بهدف الهيمنة، فإن خطواته لم تكن لتمر دون ردود فعل بطبيعة الحال، سواء أيضاً أكانت هذه الردود محقة أم لا، فالمهم هي النتيجة، والنتيجة الماثلة أمام الجميع اليوم أن قوى المعارضة الرسمية تعيش حالة خطيرة من الانقسام.

ولو أن هذه الخلافات بقيت محصورة في إطار وجهات النظر أو حتى التنافس السياسي لظل الوضع مقبولاً، لكن الخطير أن هذه الخلافات انتقلت لتؤثر على مفاصل العمل ومؤسسات المعارضة الأخرى، وإذا سبق الحديث عن انعكاس هذا الواقع على الحكومة المؤقتة، فإنه لم يعد خافياً أيضاً أن الاستقطاب بين القادة والكتل داخل الائتلاف طال كذلك المجالس المحلية وبعض الفصائل العسكرية التي انقسمت في الموقف بين تأييد هذا الطرف أو ذاك، لنصل أخيراً إلى مجلس العشائر والقبائل السورية، الذي يبدو أنه اختار بوضوح الوقوف ضد نصر الحريري وكتلته والانحياز إلى منافسيه، وفي مقدمتهم عبد الرحمن مصطفى رئيس الحكومة المؤقتة.

الأخطر من كل ذلك، أنه وبدل أن تسارع هذه الكتل إلى معالجة هذا الواقع البائس، فإن الاجتماع الأخير للهيئة السياسية للائتلاف الذي عقد يوم الاثنين شهد تراشقاً حاداً بين بعض الأعضاء على خلفية ما حدث في مؤتمر العشائر، وعليه فنحن أمام خلافات داخل الائتلاف تتدحرج بسرعة مثل كرة ثلج تكبر في كل يوم لتهدد الجميع، الأمر الذي يتطلب تحركاً عاجلاً للمعالجة. 

كلمات مفتاحية