مبادرات التطبيع المستحيلة مع النظام السوري

2023.03.10 | 07:22 دمشق

 مبادرات التطبيع المستحيلة مع النظام السوري
+A
حجم الخط
-A

بات واضحاً أن القضية السورية تمر بحالة من العطالة الإنسانية والسياسية وذلك بفعل عدد من المتغيرات والظروف الخارجية الدولية والإقليمية، ولعل أبرزها برود الإدارة الأميركية في تعاطيها مع الشأن السوري، وتحول اهتمام العالم نحو الحرب الروسية على أوكرانيا وتداعياتها وتشتت التركيز الروسي في الساحة السورية، وانشغال تركيا في الاستحقاق الانتخابي داخلياً والتغيّر الذي طرأ على أولوياتها في الإطار الإقليمي، حيث تجلى ذلك من خلال إعلانها فتح حوار مع النظام الحاكم في سوريا على عدة مستويات، مما أربك موقف القوى المعارضة المرتبطة بالموقف التركي وأدخلها في مرحلة حيرة وإنكار انتهت إلى صمت وعطالة. كما لعبت المتغيرات الداخلية دوراً في تعزيز هذه العطالة وذلك بفعل أداء هزيل ومتناقض لمؤسسات المعارضة الرسمية المتمثلة بمؤسسة الائتلاف والحكومة الموقتة وهيئة التفاوض ومجموعة مسار أستانة، ولا يمكننا إغفال دور النظام الحاكم في تعطيل كل المسارات السياسية والتفاوضية، واستمراره في نكران الواقع وتزييفه واستخدام العنف المفرط والتجويع بحق المواطنين الذين يقيمون في مناطق سيطرته ومواصلة الاعتداء على المناطق الخارجة عن سيطرته سياسياً وعسكرياً.

طبيعة هذه المبادرات 

في بيئة العمل السياسي الدولي هناك قوى تُحدِث التغيير في الموقف وهي الدول المؤهَلة سياسياً واقتصادياً وتكنولوجياً وعسكرياً لإحداثه ولديها سيطرة وتحكُّم في أعمال المنظمات الدولية والأممية، وعادة ما تكون منخرطة بشكل مباشر في الصراع السوري، وتأتي في مقدمة هذه الدول الولايات المتحدة الأميركية. وهناك قوى تتأقلم مع هذا التغيير في الموقف وهي الدول والقوى المؤهَلة لذلك، ولديها الإمكانات والقدرات الكافية لضمان مصالحها وفق كل المتغيرات المحتملة، وغالباً ما تكون هذه الدول غير منخرطة بشكل مباشر في الصراع، ولعل الغرب بالعموم والصين في مقدمة هذه القوى. وهناك قوى ودول تندهش من هذا التغيير في الموقف ولا تملك من الإمكانات والقدرات سوى البحث عن أدوار وظيفية وتجريبية لتجسيد الانسياق وراء هذا التغيير في الموقف، وغالباً ما يكون تأثيرها صفرياً في معادلة الموقف الدولي والإقليمي، ولعل هناك بعضاً من القوى التابعة والأنظمة العربية التي اعتادت على لعب هذا الأدوار باستمرار وهي تتحرك وفق إشارات وتتوقف بأوامر مباشرة، وتاريخ الصراع في سوريا حافل بالكثير من الأمثلة الدالة على ذلك.

الزلزال وأسئلة المياه الراكدة

بعد وقوع الزلزال المدمر في جنوبي تركيا وشمالي سوريا المنكوب، تحرك الملف الإنساني وتم تسليط الضوء على الاستحقاقات الإنسانية من قِبل الدول والمنظمات والشبكات الاجتماعية والأفراد، مما هيأ لبعض القوى الثالثة والمندهشة بأن الزلزال هو الفرصة التي ستحرك المياه الراكدة وتُمكنها من ممارسة عشقها الممنوع تحت غطاء إنساني، وسارعت بعض من هذه الكيانات لزيارة النظام الحاكم وبعض مؤسساته، وحمّلوا هذه الزيارات أكثر مما تحتمل من عناوين عريضة ورنانة مثل (جئنا من أجل الشعب السوري) و(نحن نمثل شعوب بلداننا) وفي الحقيقة هم لا يمثلون سوى أنفسهم وأنظمتهم التي لم تقطع علاقتها يوماً مع هذا النظام المستبد، وكذلك زيارتهم لا تحقق أي منفعة للشعب السوري بل على العكس تماماً فهي تطيل من عمر معاناة السوريين كل السوريين، وهناك من حمّل هذه المبادرات أهدافاً مستحيلة مثل (استعادة النظام من الحضن الإيراني إلى الحضن العربي) ولو أردنا أن نتزود بقليل من الصبر والحكمة ونناقش إمكانية نجاح هذا الهدف الافتراضي لهذه المبادرات، علينا الإجابة على بعض التساؤلات، هل يستطيع هذا النظام الخروج عن عباءة الإيراني بعد تحالفات عَقدية وثقافية وميليشياتيه ومالية تجاوز عمرها عقداً من الزمن؟ وهل سيقبل النظام فتح ملف المعتقلين بسبب التظاهر وإبداء الرأي والمغيبين قسرياً والذين يتجاوز عددهم مئات الآلاف؟ وهل يقبل هذا النظام بفتح ملف جرائم الحرب وتدمير المدن والبنى التحتية، واستخدام السلاح الكيمياوي، وزراعة الحشيش وتصنيع المخدرات؟ وهل يستطيع نظام بهذه المواصفات أن ينخرط في عملية تسوية سياسية تبدأ في بناء ثقة مع كل أطياف الشعب السوري المعارض لنظامه وكتابة دستور جديد ثم إجراء انتخابات حرة تحت مراقبة دولية وكسر حتمية توريث الحكم؟ هل يستطيع نظام بهذه المواصفات القبول بإخراج كل القوات الأجنبية من الأراضي السورية، قوات وميليشيات ومرتزقة؟ هل من الممكن ضمان عودة آمنة وكريمة للنازحين واللاجئين إلى مدنهم وبلداتهم وقراهم وممتلكاتهم، وإيقاف الملاحقات الأمنية؟

هل يمتلك هذا النظام الحد الأدنى من الضمانات التي يمكن تقديمها للدول المانحة وذلك للمباشرة بعمليات الإنعاش المبكر وإعادة الإعمار؟

الخلاصة

من المؤكد والمعروف بأن لدى جميع السوريين الإجابة الواضحة والأكيدة عن الأسئلة المطروحة آنفاً، مما يقودنا للوصول إلى حقيقة وهي أن هذا النظام لم يعد صالحاً لأي فعل أو عمل لصالح السوريين وكل يوم إضافي في بقائه في السلطة يعني إطالة أمد مقتلة السوريين وعذاباتهم وتدني مستويات معيشتهم وعزلتهم عن أسباب الحياة، فضلاً عن خطورة وجوده على شعوب المنطقة بعد توسيع نشاطاته في تصنيع وتوزيع المخدرات. وكذلك انطلاقاً من معرفتنا بموقع هذه المبادرات والتجارب في ميزان القوى الدولية وفي ميزان الشعوب الحرة، ندرك بأنها محاولات بائسة وفاقدة للمضمون الإنساني ومستحيلة الأثر.