لماذا تتريث تركيا في عمليتها الجديدة في سوريا؟

2022.06.05 | 05:39 دمشق

e56d9c2f7bc7f6fd05c18515fbfbd857_587.jpg
+A
حجم الخط
-A

يزور وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف تركيا الأربعاء المقبل لإجراء محادثات مع المسؤولين الأتراك حول مشروع فتح ممر بحري لتسهيل عبور الصادرات الأوكرانية من القمح والحبوب إلى العالم. تصدّرت هذه القضية أجندة المحادثات الهاتفية الأخيرة بين الرئيسين رجب طيب أردوغان وفلاديمير بوتين. مع ذلك، لا يجب تجاهل قضية أخرى تصاعدت إلى الواجهة مؤخراً وهي اعتزام تركيا شن عملية عسكرية جديدة ضد وحدات حماية الشعب الكردية في شمالي سوريا.

وعلى الرغم من أن أردوغان تحدّث عن العملية قبل أسابيع، إلاّ أن تركيا لا تزال تتريث في تنفيذها ويبدو أنها تتطلع إلى إبرام صفقة مع روسيا بشأنها. في البداية، سارت تكهنات عديدة بخصوص المناطق المحتملة التي ستستهدفها العملية التركية، لكنّ أردوغان حسم الأمر عندما تحدث بشكل رئيسي عن منطقتي تل رفعت ومنبج. بالنظر إلى أن هاتين المنطقتين، تقعان في مناطق سيطرة روسيا في غرب الفرات، فإنه من المفهوم أن تسعى تركيا للتفاهم مع روسيا بشأن العملية وليس الولايات المتحدة. منذ عملية نبع السلام التي شنتها تركيا ضد الوحدات الكردية عام 2019، لوّح المسؤولون الأتراك مراراً باحتمال تنفيذ عملية عسكرية جديدة وشرعت أنقرة في مفاوضات مع موسكو وواشنطن بهذا الخصوص. لكنّ هذه المساعي لم تفض إلى موافقة البلدين على مساعيها لتقليص حجم المناطق التي لا تزال خاضعة لسيطرة التنظيم في شرق الفرات وغربه.

لا تزال الوحدات تسيطر على مساحات واسعة من شمال شرقي البلاد ولديها وجود في مدينتي منبج وتل رفعت، كما حافظت على ما يسمى بالإدارة الذاتية الخاصة بها

عندما شنت تركيا أول عملية عسكرية لها في سوريا قبل ست سنوات، سعت إلى إنشاء منطقة عازلة على طول الشريط الحدودي مع سوريا بعمق ثلاثين كيلومتراً. وكان الهدف الرئيسي لهذه المنطقة إبعاد الوحدات الكردية على الحدود مع تركيا وإنشاء منطقة آمنة كبيرة لإعادة اللاجئين السوريين في تركيا إليها. في العمليات الثلاث التي نفذها الجيش التركي بدءاً من درع الفرات إلى غصن الزيتون ثم نبع السلام في 2019، نجحت تركيا بالفعل في إنشاء بعض الجيوب الآمنة، وقضت على مشروع الوحدات الكردية بوصل مناطق سيطرتها بين شرق الفرات وغربه، لكنّها لم تتمكن من القضاء تماما على المشروع الانفصالي. لا تزال الوحدات تسيطر على مساحات واسعة من شمال شرقي البلاد ولديها وجود في مدينتي منبج وتل رفعت، كما حافظت على ما يسمى بالإدارة الذاتية الخاصة بها ولا تزال تحظى بدعم سياسي وعسكري من الولايات المتحدة وأقامت علاقات أيضاً مع روسيا. على عكس السنوات الثلاث الماضية التي لم تتوفر فيها الظروف المناسبة لأردوغان لتوسيع مشروع المنطقة الآمنة بفعل ضغوط العقوبات التي تعرض لها من جانب الغرب والتفاهمات غير المستقرة مع روسيا في سوريا، فإنه يجد في الانشغال العالمي الراهن بالحرب الروسية الأوكرانية وما أحدثته من تداعيات كبيرة على الحسابات الجيوسياسية الغربية فرصة لزيادة النفوذ التركي في سوريا.

كانت الإشارات التي صدرت من روسيا مؤخراً بشأن خطط العملية التركية ضبابية وغير واضحة. فمن جهة، تحدث لافروف عن مخاوف أنقرة المشروعة في سوريا وفُهمت تصريحاته على أنها موافقة روسية ضمنية على العملية العسكرية التركية المحتملة. ومن جانب آخر، شرع الجيش الروسي خلال الأيام الأخيرة في سلسلة تحركات عسكرية في شرق الفرات وفهمت على أنها رسالة لردع أي هجوم تركي. إذا كانت التحركات العسكرية الروسية حصلت بالفعل، فهي تقتصر على منطقة شرق الفرات، وبالتالي، لا يُمكن فهمها على أنها رسالة ردع لتركيا، لا سيما أن النطاق الجغرافي الذي يتحدث عنه أردوغان يقع في غرب الفرات. لذلك، تكتسب المحادثات المرتقبة للافروف في تركيا أهمية خاصة على هذا الصعيد ومن المقرر أن يصاحبه وفد عسكري روسي، ما يعني أن نتائج المحادثات لن تقتصر فقط على تفاهم سياسي بين البلدين بخصوص الهجوم التركي المحتمل، بل ستتناول كذلك مسائل تقنية وعسكرية. من المؤكد أن تركيا لن تستطيع التحرك في غرب الفرات من دون إبرام تفاهم مع روسيا، على اعتبار أن الجيش الروسي يُسيطر عملياً على الأجواء السورية في هذه المنطقة، وبالتالي، ستجد أنقرة صعوبة في استخدام قوتها الجوية في المنطقة دون موافقة موسكو.

إن التنافس الإيراني التركي على النفوذ لا ينحصر فقط في سوريا. ففي العراق، تتعاون ميليشيات الحشد الشعبي المدعومة من طهران مع حزب العمال الكردستاني في سنجار 

في اتفاق سوتشي المبرم بين تركيا وروسيا في أكتوبر 2019، تعهدت موسكو بإخراج جميع عناصر وحدات حماية الشعب من منبج وتل رفعت بأسلحتهم. مع ذلك، لم تف بهذا الوعد وربطت ذلك بعدم إيفاء تركيا بوعودها بفصل جبهة النصرة عن فصائل المعارضة في إدلب. مع ذلك، فإن ظروف التفاهم الآن حول المنطقة أكثر تعقيداً. توجد ميليشيات إيرانية بالفعل في هذه المنطقة ما يُحتم على أنقرة الأخذ بعين الاعتبار موقف طهران التي سارعت إلى معارضة أي عملية تركية. من شأن هذا الوضع أن يضع النظام وإيران في مواجهة محتملة مع تركيا في تل رفعت. على مدى السنوات الماضية، لم يُخف المسؤولون الإيرانيون انزعاجهم من التفاهمات التي أبرمتها تركيا وروسيا في سوريا واعتبرت على حساب طهران والنظام. كما أن الوجود العسكري الإيراني في حلب ومحيطها ذو أهمية كبيرة في الاستراتيجية الإيرانية في سوريا، حيث تخشى إيران والنظام من أن تؤدي سيطرة فصائل المعارضة على تل رفعت إلى تشكيل خطر على مدينة حلب. كما تخشى طهران على وجه الخصوص من محاصرة المعارضة لمنطقتي نبل والزهراء الشيعيتين في ريف حلب.

إن التنافس الإيراني التركي على النفوذ لا ينحصر فقط في سوريا. ففي العراق، تتعاون ميليشيات الحشد الشعبي المدعومة من طهران مع حزب العمال الكردستاني في سنجار. وتسعى طهران للحد من التأثير التركي في شمالي العراق. ولطالما تبادلت أنقرة وطهران الاتهامات بشأن العراق. وفي سوريا، سبق أن دخلت تركيا والنظام في مواجهة عسكرية كبيرة في أعقاب الهجوم الدموي الذي استهدف الجيش التركي في إدلب قبل عامين وأسفرت عن مقتل ستة وثلاثين جندياً تركياً. وقد شنت تركيا رداً على الهجوم عملية عسكرية واسعة ضد النظام وحلفائه من الميليشيات الإيرانية أطلقت عليها عملية درع الربيع. لكنّ موسكو سُرعان ما أبرمت تفاهماً مع تركيا لوقف التصعيد حينها.

مع اقتراب العملية العسكرية المحتملة التي تتوعد بها تركيا وحدات حماية الشعب الكردية، من المرجح على نطاق واسع أن يتجدد الصدام بين أنقرة وكل من دمشق وطهران في شمال غربي البلاد في حال لم تشمل أي تسوية بين أنقرة وموسكو كلاً من طهران والنظام. سيكون دور روسيا محورياً في منع أي صدام جديد على غرار مواجهة 2020.