لبنان في مرحلة الفراغ والفوضى المضبوطة

2022.11.17 | 06:17 دمشق

الفراغ الرئاسي في لبنان
+A
حجم الخط
-A

مجموعة من الملفات الرئيسية في لبنان تشغل الرأي العام المحلي والخارجي، ابتداء من الفراغ الرئاسي، ومروراً بالتخوف من انفجارين الأول اجتماعي مالي والثاني أمني، وهذه الملفات تبدو ملفات مرتبطة ومترابطة بعضها ببعض وكلمة السر لمعالجتها تبدو في انتخاب رئيس للبلاد وتشكيل حكومة كفاءات متخصصة، ولكن لا مؤشرات تدلّ على أن  إنهاء هذا الاستعصاء سيكون قريباً.

أولاً بسبب عجز المعارضين والتغييريين من الاتفاق على مرشح واحد للوصول إلى عتبة النصف زائد واحد، وعدم قدرة حزب الله وحلفائه عن حسم اسم مرشحهم في ظل إصرار جبران باسيل على عدم التصويت لسليمان فرنجية، ما يعني غياب مساحات التوافق بين كل الأطراف السياسية المعنية.

وثانياً: بسبب عدم التركيز الخارجي على تطويق هذا الملف بشكل فعال على رغم المواقف الدولية الداعية إلى إنهاء الفراغ والحراك والاتصالات الجارية بين الأطراف الإقليمية والدولية حيال الملف اللبناني.

بالمقابل كان لافتاً موقف الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله من معادلة رئاسية جديدة تقوم على مبدأ التوافق، والتسوية، وانتخاب رئيس للجمهورية "لا يكون تابعاً ولا خائفاً ولا يتغير بنتيجة توجهات السفارات". حيث انطلق من ثابتة رئيسية عنوانها:" نريد رئيساً لا يطعن المقاومة في الظهر". تتضح المعادلة هنا، فيما ستتكفل الأيام والتطورات ومواقف الحزب إزاءها بتفسيرها وترجمتها .

كان لافتاً موقف الأمين العام لحزب الله حسن نصرالله معادلة رئاسية جديدة  تقوم على مبدأ التوافق، والتسوية، وانتخاب رئيس للجمهورية "لا يكون تابعاً ولا خائفاً ولا يتغير بنتيجة توجهات السفارات

وأمام هذا الموقف بات واضحاً أن حزب الله قد بدأ هذه المرحلة الجديدة ويظهر حزب الله الآن أنه مستعد للكشف ببطء عن أوراقه الرئاسية. بعد أن حدد ، من خلال أمينه العام ، صورة الرئيس المثالي في نظر المشروع الممانع، وهذا الموقف يحتمل تفسيرات متعددة، ما يعني أن الحزب إياه يتعاطى بكثير من الجدية مع الملف، لا سيما عندما يمكن أن تتعدد الاستنتاجات له أو التفسيرات. فلا يكون الحزب ملزماً بموقف، وتكون تلك المعادلة قابلة للتماهي مع مجرى التطورات ومقتضيات الظروف.

لكن كلام نصر الله، ولو أنّه جاء مباغتاً وعالي السقف من حيث المواصفات والشكل، إلا أن الدول الناشطة بالملف الرئاسي قرأت بين سطوره دعوة للحوار والاتفاق على شخصية يتوافق عليها الفرقاء، ونصر الله لم يغلق الأبواب بشكل نهائي، بل حرص على تركها مفتوحة.

وعليه فإن الأوساط المتابعة في بيروت تنظر إلى خطاب نصر الله الأخير على أنه موافقة ضمنية لانتخاب رئيس توافقي تقبل به الأطراف المحلية والخارجية ما يعني أن الدعوة للحوار التي سيعمل عليها بري هي منسقة مع الحزب وقد تكون جدية تزامناً مع تحولات الشرق الأوسط والعالم ربطاً بنتائج الانتخابات الأميركية والتطورات الميدانية في أوكرانيا.

لكن وفي مقابل هذه الدعوة للاتفاق والحوار، سيطالب الحزب القوى الحريصة على التسوية وتحديداً الفرنسيين من جهة وقطر التي تسعى لمساعدة لبنان في اجترار الحلول من جهة أخرى، وسيطالب بضمانات واضحة المعالم وهي عدم تكرار تجربة ميشال سليمان والانقلاب على صيغة اتفاق الدوحة في 2008، وأن لا يخوض أي رئيس محتمل معركة سياسية تشمل سلاح الحزب ومشاركاته الخارجية وإعادة تبني القرارات الدولية على رأسها 1559، والتي يتحدث الحزب عن أنها ستذهب بالبلاد إلى انقسامات عامودية إذا ما فتح الباب على نقاش سلاحه وحضوره ودولته التحتية، ما قد يستدعي توترات ستضطر الحزب الإيراني الهوى للتأهب والاستنفار والمواجهة.

الأوساط المتابعة في بيروت تنظر إلى خطاب نصر الله الأخير على أنه موافقة ضمنية لانتخاب رئيس توافقي تقبل به الأطراف المحلية والخارجية ما يعني أن الدعوة للحوار التي سيعمل عليها بري هي منسقة مع الحزب

وهذه المواقف والقراءات تتلازم مع رؤية فرنسية مبنية على معطيات تملكها ومفادها، أن حزب الله يريد بشكل واضح تقليص فترة الفراغ لأسباب عديدة أهمها عدم قدرته على تحمل نتائج أكثر كارثية اقتصادياً وبنيوياً عبر السعي لإيجاد حلول مطلوبة للأزمات في لبنان.

لذا فإن الفرنسيين بدأوا منذ أيام إعادة تحريك عجلة عربتهم اللبنانية عبر البحث عن خطة لتهيئة مناخ ملائم لإيجاد المخارج المطلوبة رئاسياً للبنان. لذا أتى الاتصال بين الرئيس الفرنسي ماكرون وولي عهد السعودي بن سلمان ضمن هذا السياق.

 بالإضافة إلى أن خلية لبنان في الإليزيه بدأت بتحضير تقاريرها المتعلقة بالملف اللبناني لنقاشها أولاً خلال قمة بايدن - ماكرون المنتظرة خلال الأسابيع القادمة، كذلك لتحويلها لخلية عمل مشتركة مع واشنطن لتنسيق الجبهات والمواقف والأكيد أن الواقع اللبناني سيكون أحد البنود المطروحة للبحث، بعد الحرب في أوكرانيا والأزمة التي تحاصر دول الغرب.

وأمام الالتزام الفرنسي باللعب بالفراغ اللبناني، تتحدث أوساط دبلوماسية في بيروت على طاولة إحدى المطاعم العريقة في الأشرفية عن الخوف من فرط عقد النظام الإقليمي- الدولي القائم على تزاوج بين واشنطن والاتحاد الأوروبي عبر تلزيم إسرائيل المنطقة، وإيجاد شكل من أشكال التفاهم مع إيران، تارة عبر اتفاق نووي وتارة عبر تركها تفرد أجنحتها في الدول الكبرى، لكن هذا النظام قد يتهاوى بفعل فوز بنيامين نتنياهو وعودته إلى السلطة ومعه اليمين اليهودي المتطرف مع صعود يميني أوروبي، وإحكام الجمهوريين على مفاصل الكونغرس.

تتحدث أوساط دبلوماسية في بيروت على طاولة إحدى المطاعم العريقة في الأشرفية عن الخوف من فرط عقد النظام الإقليمي- الدولي القائم على تزاوج بين واشنطن والاتحاد الأوروبي

لا تكف تلك الأوساط عن شعورها بخوف محدق بأن يعتمد نتنياهو نهج المواجهة مجدداً مع إيران وحلفائها كحزب الله وحماس والجهاد الإسلامي، ما سيدفع واشنطن إلى تغطية هذا الفعل، وعليه سيزيد ضعف القارة العجوز وسيؤدي ذلك لخروجها من الحلبة، وهذه التحولات والتغيرات ستكرس مشروع ترك لبنان وحيداً يواجه قدره، وستتلاشى الاهتمام الذي حظي به خلال مرحلة التفاوض على الترسيم البحري مع إسرائيل.

لكن ما يطمئن الجهات الخارجية بعدم حصول أي خضة أمنية أو عنف داخلي هو أن كل القوى المحلية والخارجية لاتزال حريصة على الاستقرار الداخلي ربطاً بكونه مرتبطاً بالاستقرار الإقليمي، وعليه فإن تلك النظم الخارجية لاتزال حريصة بمجملها على الحد الأدنى من وجود دولة وسلطة لتجنيب البلاد مزيداً من الفوضى وانتقالها بسرعة الريح لمساحات جغرافية أخرى.

 لذا تحرص كل الأطراف على تعزيز دور الجيش وهو الطرف الأوحد المحظي باحترام ودعم الأطراف كافة، لذا فإن ترجمة ذلك على سبيل المثال بالدعم القطري للجيش مالياً وغذائياً، وبطبيعة الحال فإن الطرف الوحيد الذي يمتلك إمكانيات عسكرية وأمنية خارج إطار الدولة هو حزب الله وهو حريص على عدم انفلات الوضع لعدم جاهزيته في أن يحل مكان الدولة أياً كانت الظروف.