قنوات تواصل للنظام السوري مع واشنطن والغرب والفجوة تتسع مع طهران

2024.05.07 | 06:22 دمشق

Bashar al-Assad
+A
حجم الخط
-A

أعلن رئيس النظام السوري بشار الأسد الحفاظ على قناة التفاوض الدائمة مع واشنطن، حيث بات النظام يعقد بين حين وآخر لقاءات مع ممثلي الإدارة الرئاسية الأميركية رغم عدم وجود علاقات رسمية بين البلدين. بحسب تقرير نشرته صحيفة نيزافيسيمايا غازيتا الروسية بتاريخ 22 من نيسان 2024 بعنوان "الأسد لا يفقد الأمل في التقارب مع الغرب"، في حين أن المحاولة ما زالت مستمرة مع الغرب لفتح قنوات الاتصال.

ويشير التقرير إلى أن بشار الأسد لا يفقد الأمل في بناء اتصالات طبيعية مع العالم الغربي. وكان الأسد قال من قبل إن دمشق وواشنطن تناقشان مجموعة محدودة من المواضيع. إلا أن تصريحاته الأخيرة تأتي وسط تقارير تفيد بأن سوريا تشهد توترات مع حليفتها الرئيسية إيران.

ومن المعروف بأن التوتر بين الحليفين بات يظهر للعلن على إثر الالتزام الواضح من النظام السوري بالحياد بعد انطلاق طوفان الأقصى، عقب العديد من الرسائل التي تلقاها من الدول العربية والدولية التي أفادت بأن إسرائيل ستهاجم النظام في حال فتح مجاله الجوي وحدوده للأحزاب الولائية إذا ما انخرطت في المواجهة ضد إسرائيل.

أسهم ذلك الموقف في توسيع "بيكار" الخلاف بين النظام وأجهزته الأمنية والحرس الثوري الإيراني بسبب الضربات التي تعرض لها في سوريا، وكانت أصابع الاتهام تشير إلى الاختراقات الواضحة لأجهزة النظام الأمنية التي تدلي بمعلومات عن انتشار  الحرس الثوري على الأراضي السورية حيث أصبحت الاتهامات توجه مباشرة  للنظام وأجهزته.

ومن هنا نرى بأن هذه الفترة  تتسم بالجمود في العلاقات التي دفعت النظام في سوريا لمحاولة فتح قنوات مع الغرب وتطوير القنوات مع واشنطن وخاصة بعد إطلاق تصريحات من النظام لا تمجد المعركة المندلعة بين إسرائيل وإيران من جهة وكذلك الابتعاد عن الانخراط فيها وفتح الجبهة أمام الميليشيات الإيرانية أو السماح للفصائل الفلسطينية بتمرير رسائل عدائية ضد إسرائيل.

وانطلاقا من الهدوء الواضح في خطاب النظام السوري على الصعيد الدبلوماسي والميداني، باتت الهوة تتسع بين طهران ودمشق لجهة نشوب حرب باردة بينهما، حيث باتت واضحة المعالم إثر تغيير في المواقف السياسية بين النظامين. وكان النظام السوري يرى بأن إيران تفتح باب التفاوض مع أميركا من جهة والأوروبيين من جهة أخرى وتستخدم الساحة السورية مثل الساحات الأخرى كأوراق للتفاوض في ملفها النووي، مما دفع الأسد للتوجه نحو فتح الحوار والاتصال مع الغرب والولايات المتحدة بطرق وقنوات لا تزال غير رسمية وخاصة بعد أن أخفق بشار الأسد في فتح العلاقات مع الدول العربية التي حاولت احتضان نظامه وفصله التدريجي عن إيران  تحت شعار إنساني.

انطلاقا من الهدوء الواضح في خطاب النظام السوري على الصعيد الدبلوماسي والميداني، باتت الهوة تتسع بين إيران وسوريا لجهة نشوب حرب باردة بينهما

دفع هذ الفتور بالأسد إلى الإدلاء بتصريحه بشأن وجود قنوات اتصال مباشرة مع الولايات المتحدة في محادثة مع وزير الخارجية الأبخازي إينال أردزينبا بتاريخ 21 من نيسان من هذا العام تحت عنوان الأغلبية العالمية.

إذ أشار رئيس النظام إلى أن "أميركا تحتل حالياً بشكل غير قانوني جزءاً من أراضينا"، في إشارة إلى وجود القوات الأجنبية في الأجزاء الشمالية الشرقية والجنوبية الشرقية من سوريا. وتابع "لكننا نلتقي بهم بين الحين والآخر، رغم أن هذه اللقاءات لا تؤدي إلى شيء". ورداً على سؤال بشأن آفاق استعادة حوار كامل مع العالم الغربي، أوضح رئيس النظام: "هناك دائماً أمل. وحتى عندما نعلم أنه لن تكون هناك نتائج، يجب علينا أن نحاول".

كما أعلن الأسد العام الماضي أن المشاورات جارية مع واشنطن في حديث مع سكاي نيوز عربية معتبراً أن مثل هذه اللقاءات المباشرة كقاعدة عامة لا تؤدي إلى شيء. لكن التصريح الحالي يبدو أنه يأتي في سياق جديد، مع الأخذ في الاعتبار أنه بحسب منشورات إسرائيلية، هناك الآن أزمة ثقة في علاقات دمشق مع راعيتها الخارجية الرئيسية طهران. وبالتالي وبحسب هذه التقييمات يشتبه الجانب الإيراني في أن النظام هو من زوّد الجيش الإسرائيلي بالبيانات التي ساعدت في تحديد توقيت الهجوم على القنصلية في دمشق في وقت سابق من هذا الشهر. وتعتقد وسائل الإعلام الإسرائيلية أن تسريب المعلومات تم التصريح به على مستوى عالٍ جدًا.

بالفعل لقد بدأت تظهر مؤشرات واضحة على وجود حوار بين النظام السوري والقيادة الأميركية، في تشرين الأول 2020، في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب. وأفيد أن البيت الأبيض اقترح على حكومة النظام إنشاء قناة اتصال مباشرة لمناقشة المواضيع ذات الاهتمام المشترك. وبحسب الشائعات فإن هذا الاقتراح هو ما دفع كاشياب باتيل، الذي كان يمثل مجلس الأمن القومي في البيت الأبيض، لزيارة دمشق في عام 2020. ووصف الخبراء رحلته بأنها الحلقة الأولى منذ بداية الحرب، عندما ذهب رجل دولة أميركي من هذا المستوى الرفيع لزيارة الأسد.

وفي عام 2018، ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال أنه تم تنظيم اجتماع سري بين وفد الحكومة الأميركية وممثلي أجهزة الأمن السورية في دمشق في تموز 2018، وبحسب معلومات غير مؤكدة، حاول مسؤولون من واشنطن خلال هذه المفاوضات إثارة قضايا تتعلق بالإفراج عن بعض المواطنين الأميركيين من السجون السورية، ومن بينهم ماجد كمالماز، وهو طبيب عام من أصل سوري اختفى عام 2017، وكذلك من اختفى منذ أكثر من 10 سنوات، الصحافي المستقل أوستن تايسن. وكانت واشنطن مهتمة بشكل خاص بموضوع استخدام الأسلحة الكيميائية.

لقد أوضح الأسد في تصريحاته العلنية أنه، في سياق محادثة مع الأميركيين، كان مهتماً باحتمال تخفيف العقوبات التي تتجاوز الحدود الإقليمية.

من جهته أعرب منسق البرنامج في مجلس الشؤون الدولية الروسي، إيفان بوشاروف، عن شكه في أن تصريح بشار الأسد الأخير قد يشير إلى نية تنويع العلاقات الخارجية مع الدول الغربية وفي طليعتها فرنسا. حيث اعترف الخبير بأنه "من المرجح أن السلطات السورية تختبر الأجواء بحثًا عن احتمال إضعاف ضغط العقوبات على سوريا، على سبيل المثال من خلال تقديم استثناءات إنسانية للقيود المفروضة". من وجهة نظر النظام السوري, قد تكون هناك أسباب معينة لذلك. وفي العام الماضي، استعادت المملكة العربية السعودية والنظام العلاقات الدبلوماسية الرسمية وبالإضافة إلى ذلك، تم تجديد عضوية سوريا في الجامعة العربية.

ومن هنا يمكن ربط زيارة  الرئيس نجيب ميقاتي الأخيرة إلى فرنسا لحثها على فتح باب التواصل مع النظام السوري والعمل على تأمين عودة اللاجئين  السوريين  الموجودين في لبنان.

وكأن تصريحات رئيس وزراء الحكومة المستقيلة ميقاتي المتكررة بدعوة الاتحاد الأوروبي للعب دور ضاغط يساعد بهذا الخصوص وجس نبض سوريا باتجاه أوروبا حيث  أعلن  ميقاتي صراحة أنه "على الاتحاد الأوروبي أن يغيّر سياسته في ما يتعلق بمساعدة النازحين السوريين في لبنان، وأن تكون المساعدة موجّهة لتحقيق عودتهم إلى بلادهم".

وشدد على "الحاجة الملحة لدعم الجيش والمؤسسات الأمنية اللبنانية، ودعم المشاريع الإنمائية والاستثمارية في لبنان في مجال الطاقة المتجددة والمياه والتنمية المستدامة". في الوقت الذي لم يحدث فيه أي شيء فعلياً في السياسة الداخلية لسوريا في السنوات الأخيرة لكي تفتح دمشق باب التواصل مع الآخرين.

إذن إن أي تغييرات جذرية يمكن أن تصبح سببًا لتخفيف الضغط الدبلوماسي على دمشق من بعض الدول العربية. ويشير ميقاتي إلى أن "سوريا ربما تعول على حقيقة أن سياسة العقوبات التي تنتهجها واشنطن تجاه دمشق يمكن تعديلها مع الحفاظ على الوضع الراهن في المجال السياسي السوري".

ولكن هذا ليس أمرًا متوقعًا بعد لأن قانوني الكبتاغون الذي أعلنه الكونغرس أخيرا إضافة لقيصر لن يفتحا الأبواب أمام الأسد طالما أنه لا يزال يتلاعب ويستعيد السياسة القديمة للابتزاز والمساومة. وربما يأمل النظام أيضًا ألا تقوم الولايات المتحدة بتقييد النشاط الاستثماري للمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة في سوريا، وألا تفرض واشنطن عقوبات ثانوية على الشركات السعودية والإماراتية. وأن يستطيع استمالة فرنسا الساعية إلى لعب دور في المنطقة بعد أن فقدت كل مستعمراتها في الشرق الأوسط  لتكون سوريا طريق عودتها من خلال تعويم دور نظام الأسد مجددًا.