طوفان الأقصى.. قراءة في مآلات المعركة

2023.10.11 | 05:39 دمشق

طوفان الأقصى.. قراءة في مآلات المعركة
+A
حجم الخط
-A

تُعتبر معركة "طوفان الأقصى"، في نظر الشعب الفلسطيني في "غزّة"، أمراً استراتيجيّاً بل ولعموم فلسطين؛ خاصّة قضية "المسجد الأقصى" و"القدس" والوجود الفلسطيني في مناطق 1948. هذه المعركة كانت ضرورية رغم كلّ العسر الذي يعاني منه القطاع، فالمعركة أشبه ما تكون بـ "جيش عسرة" لعدّة أسباب:

1. تصاعد الاعتداءات وما لا يُغطى إعلاميّاً هو أضعاف ما تم تغطيته.

2. سلوك نظام الاحتلال الممنهج في مناطقه التي تهدف إلى إفراغ مناطق 1948 من الوجود الفلسطيني من خلال سياسات تُفضي إلى الهجرة باتجاه الضفّة أو إلى خارج البلاد.

3. تسارع خطوات المحتلين والمستوطنين باتجاه المسجد الأقصى وتجاه المرابطين حوله في القدس.

4. الأداء الكارثي لمنظمة التحرير الفلسطينية في الضفّة ومآلاته الكارثية (عرف مسؤولوها أو جهلوا).

5. زيادة الخناق على أهل غزّة خاصّة مع انسداد قنوات دعم القطاع من مصر بسبب سياسات النظام المصري الحالي، وهذا سيفضي إلى اعتماد شبه كامل للقطاع على ما سيقدمه نظام الاحتلال للقطاع فقط.

6. ضعف الخيارات السياسية لحماس، خاصة مع التقدم الخطير في خطوات التطبيع العربي، وعدم وجود أي خيار باتجاه سلام مع العدوّ المحتلّ.

ما سبق وغيره، يجعل من معركة "طوفان الأقصى" معركةً وجوديّة ضروريّة وملحّة بالنسبة للفلسطينيين عموماً ولأهل غزّة بشكل خاصّ.

الخيار الآخر في هذا الصدد، وهو الأكثر واقعيّة وفائدة بالنسبة لحماس، هو إعادة تفعيل معبر رفح مع مصر، بحيث يخرج قرار إغلاقه وفتحه من يد السلطات المصرية إلى اتفاق دوليّ

وكتقدير موقفٍ لمآلات هذا الحدث الخطير المفاجئ؛ يمكن القول بأن أحد الأهداف الأساسية التي يمكن أن تقبل بها السلطات في غزّة كنتيجة لمعركة "طوفان الأقصى" هو امتلاك أدوات وأوراق لمفاوضات مقبلة تحمل فيها قيادة القطاع (غزة) قائمة مطالب استراتيجيّة، قد يكون في طليعتها منافذ للقطاع على العالم خارج الهيمنة الصهيونية على المعابر الداخلية مع المناطق المحتلّة من دون تقديم تنازلات باتجاه سلام مع الاحتلال؛ منها مشروع (الكوريدور مع الضفّة الغربية "الممرّ الآمن) الخيار الذي لم يولد بسبب عدم تنفيذه من قبل نظام الاحتلال الصهيوني، وكان الممرّ الآمن بندا في اتفاق غزّة - أريحا 1994 الذي وُقع في الخامس من شهر أيار/مايو في القاهرة؛ على إثر اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الأولى. كما تمّ ذكر الممرّ في اتفاق في العام التالي لاتفاق غزة - أريحا، وذلك في اتفاق طابا عام 1995، وتضمن البند التاسع والعشرون في الاتفاقية ذكر ملف الممر الآمن بين الضفة الغربية وقطاع غزة، ولم تلتزم إسرائيل بما ورد، كما جاء ذكر الممرّ الآمن في صفقة القرن 2019 التي لم يُكتب لها النجاح.

والخيار الآخر في هذا الصدد، وهو الأكثر واقعيّة وفائدة بالنسبة لحماس، هو إعادة تفعيل معبر رفح مع مصر، بحيث يخرج قرار إغلاقه وفتحه من يد السلطات المصرية إلى اتفاق دوليّ يقيّد سلوك النظام المصريّ تجاه فتح وإغلاق المعبر.

وثمة مطلب ثالث يتمثّل في إعطاء كوريدور بحريّ وميناء يصل غزّة بخطوط التجارة الدولية، وهذا من أكثر الخيارات صعوبة من حيث قابلية التطبيق.

ومن المطالب التي يُفترض أن تكون في أولويات قيادة قطاع غزّة:

1. تحرير أعداد غفيرة من الأسرى في سجون الاحتلال.

2. إيقاف جميع مظاهر الاعتداء على المسجد الأقصى والمصلّين والمرابطين في القدس.

3. إيقاف عمليات القضم الممنهجة للمناطق وإنشاء المستوطنات اليهودية.

في المقابل لا بدّ أن نذكر ما يمكن أن تقدمه قيادة قطاع غزة غير مسألة تسليم الأسرى بين يديها لنظام الاحتلال! ولا أظنّ أن حماس قادرة على تقديم أي تنازل له علاقة بمسار مفاوضات أو سلام! فخيارات قوى المقاومة الإسلامية (حماس) (الجهاد الإسلامي) ليست واسعة في هذا الصدد، ولم يعد المحتلّ يقبل بأي اتفاقيات مع السلطة الفلسطينية ومنظمة التحرير بعد سلسلة فشل الاتفاقيات السابقة بسبب غياب الفصائل الفلسطينية الإسلامية عن هذه الاتفاقيات. وهذا يضعنا أمام محدودية في الخيارات.

أما بالنسبة لخيارات نظام الاحتلال الصهيوني، فأبرزها تناولاً في الرأي العامّ هو سيناريو الاجتياح البرّي، ويقف أمام إمكانية حصول هذا السيناريو مآلات في غاية الخطورة، تجعل النظام الدوليّ والدول الحليفة للكيان الصهيوني حجر عثرة أمام مثل هذا السيناريو؛ إذ مآلات ذلك قد يكون انفجار مواجهات إقليمية واسعة قد تصل إلى حرب حقيقيّة. ناهيك عن الخوف من الانتفاضة والغضب الشعبي العربي والإسلاميّ الذي سيضغط بقوّة على الأنظمة لاتخاذ مواقف صارمة حيال الاجتياح البرّيّ.

إلا أن لدى الاحتلال الصهيوني خيارات أخرى قد تكون مؤثرة وخطيرة؛ منها إدخال حركة حماس في نظام التحالف الدوليّ للحرب على الإرهاب مما يُدخل الاحتلال الصهيوني في منظومة التحالف الدوليّ وبالتالي دخول عموم فلسطين، وربما دول الطوق، لاستهداف مقدّرات حماس البشريّة وهذا أخطر سيناريو يهدد باحتماليّته التحرّك الأميركي العسكريّ والسياسي باتجاه الوقوف بجانب الاحتلال في معركته، مما يعني استهداف حماس لتجفيف منابعها تماما كما حصل مع تنظيم القاعدة وداعش.

ومن ذلك أيضا خنق القطاع بمزيد من الحصار وإيقاف كل ما يدخل القطاع من المعابر الداخلية، بالإضافة إلى إرغام مصر على مزيد من التشديد (رغم خمول معبر رفح بسبب سياسة نظام مصر) لتركيع القطاع بمن فيه. ومما يمكن أن تستثمره قوى الاحتلال، إيقاف الكثير من الاتفاقيات والقنوات مع جهات أوروبية وعربية وغربية يستفيد منها القطاع تحت بند مزيد من الحصار.

لن تنتهيَ هذه الحرب إلا بطاولة مفاوضات مصيرية وتاريخيّة، وستشهد تغييرات جذرية في خريطة التحالفات السياسية والعسكرية بشكل كبير

ومن الأدوات التي يمكن للاحتلال الصهيوني استخدامها في الحرب إجبار منظمة التحرير على مزيد من التنسيق ضد وجود حماس والجهاد في الضفة الغربية.

لن تنتهيَ هذه الحرب إلا بطاولة مفاوضات مصيرية وتاريخيّة، وستشهد تغييرات جذرية في خريطة التحالفات السياسية والعسكرية بشكل كبير، فهل نشهد جبهة عربيّة موحّدة تقف مع الشعب الفلسطيني لمواجهة استحقاق هذه الحرب؟