ضغوط "نبع السلام" التركية

2020.12.16 | 23:12 دمشق

bomj2.jpeg
+A
حجم الخط
-A

تسربت في الأيام الأخيرة معطيات كثيرة عن مخططات تركية لتنفيذ عملية عسكرية كبيرة على حدود منطقة نبع السلام الجنوبية والغربية، وبالتحديد بلدة عين عيسى ومحيطها، وكان هناك حديث عن حشودات وتهديدات جادة دفعت روسيا للقاء قادة ما يعرف بـ"قوات سوريا الديمقراطية"، للتوصل إلى حل يمنع تقدم القوات التركية إلى المنطقة، كما كان هناك حديث عن تعزيزات للجيش الوطني ونقلها إلى داخل الحدود التركية من أجل زجها في المعركة التي قد تمتد لمناطق أخرى، مثل عين العرب ومنبج، وتلا ذلك الحديث عن اتفاق وبنود بين روسيا وقسد تقضي بموجبها بتسليم عين عيسى لقوات النظام والاحتفاظ بمربع أمني، ولكن لا تزال هناك مناطق محيطة بها غير محسومة وفي طريقها لانتشار قوات الجيش الوطني فيها.

وتستند أنقرة في تحركاتها الأخيرة إلى أمرين رئيسيين لتحقيق أهدافها، وإن كان الحديث عن حجم التحركات وأهدافها مبالغا فيه إلا أن تركيا واضحة في مفاوضاتها التي تجري مع الأطراف المعنية، وخاصة روسيا في الوقت الحالي، بعد جمود الموقف الأميركي الذي أصابه الشلل بانتظار تسلم إدارة الرئيس الأميركي المنتخب جو بايدن، لتحقيق هذه الأهداف في المنطقة على أن تحسن ظروف المفاوضات المستقبلية، ورافق ذلك جمود في ملف إدلب في الوقت الحالي، حيث بات مؤكدا أن موضوع إدلب مرتبط بملفات المنطقة والتطورات في العالم.

من الواضح أن الأهداف التركية تتعلق بالنواحي الأمنية المرتبطة بها لتوفيرها في منقطة نبع السلام، وتحويلها لنموذج أمني وتحقيق حالة الجذب لها من قبل الدول الغربية لدعم مشاريع أنقرة في إعادة إعمارها وجذب السوريين إليها

الأمر الأول الذي يدفع تركيا للتحشيد في المنطقة هو المطالبة بانتشار قوات الجيش الوطني في المناطق الحدودية التي ترسم منطقة نبع السلام، حيث إن طبيعة المنطقة تفرض أبعادا مختلفة وأعماقا متباينة، في ظل تأكيد قوات قسد أن أميركا وروسيا أبلغتها في مفاوضاتها مع تركيا عند تشكيل منطقة نبع السلام الآمنة، أن العمق الذي تم الاتفاق عليه مع أنقرة هو 32 كم فقط لا غير، وهو ما ترفضه أنقرة وتعتبر أن طبيعة المنطقة هي التي تفرض تحديد أبعاد المنطقة الآمنة، والأعماق المتطلبة لفرض الأمن تتحكم بأبعاد المنطقة بشكل فعلي وحقيقي، وهذا ما يشمل التحكيمات في المنطقة والطرق والمواصلات والحصول على الإمكانيات اللازمة في الدعم اللوجستي والعملياتي، ولهذا فإن تركيا تطالب وبشدة بتنفيذ هذه البنود خاصة أن عملية طرد عناصر قسد من المنطقة لم تتم حتى الآن وفق التفاهمات، ولم يتم الانسحاب وتشكيل مناطق عازلة تؤكد بالفعل خلو المنطقة من انتشار هؤلاء العناصر، وهذا الأمر يرتبط بالنقطة الثانية التي تدفع تركيا للضغط على الأطراف المعنية في المنطقة.

الأمر الثاني يرتبط بالخروقات الأمنية الحاصلة في منطقة نبع السلام، ومحاولات التسلل المستمرة لقوات قسد وعناصر تنظيم "ب ي د" الذي تصنفه أنقرة إرهابيا، والتي تهدف بالنهاية لزعزعة الاستقرار ضمن منطقة نبع السلام من جهة، والوصول إلى الداخل التركي لتنفيذ عمليات إرهابية من جهة ثانية، وهي عمليات شبه يومية ترصدها القوات التركية وترد عليها، فضلا عن تنفيذ عمليات وهجمات إرهابية في المنقطة، وآخرها ما حصل من استهداف للقوات التركية وعناصر الجيش الوطني بسيارة ملغمة، وهو ما أدى لسقوط شهداء من الطرفين، وبالتالي ترغب تركيا برسم الحدود الآمنة وفق ما يتم فرضه من أمان حقيقي للمنطقة الآمنة، وليس مجرد عمق 32 كم، ومن هنا تقول أنقرة إن مناطق محددة ومعينة قد يصل عمق المنطقة الآمنة فيها ربما لأكثر من 38 كم، بهدف فرض مزيد من التحكيم والعزل والسيطرة على الطرق والمعابر، وهو ما يعني أن الهدف هو رسم الحدود المعينة للمنطقة الآمنة، ومن المستبعد في الوقت الحالي وجود أي مخططات إلى الوصول لمنطقة عين العرب التي تحوي على نفوذ أميركي مهم، ومنبج التي أيضا فيها أطراف عديدة وبحاجة لتوافقات مهمة غير ناضجة حاليا، من أجل تنفيذ أي عمل عسكري تجاهها أو تحقيق تفاهمات محددة، وكل الحديث الذي ينشر عن رغبة تركية بالوصول إلى هاتين المدينتين غير صحيحة، وهي بروباغاندا من قبل قسد بهدف التأثير على قوى المعارضة والدور التركي في المنطقة، كما أن مصادر ميدانية متابعة في الداخل التركي على الحدود، لم ترصد ذلك النوع من الحشود العسكرية في المنطقة، أو تلك التي تم الحديث عنها إعلاميا.

ووفقا لما سبق فإنه من الواضح أن الأهداف التركية تتعلق بالنواحي الأمنية المرتبطة بها لتوفيرها في منقطة نبع السلام، وتحويلها لنموذج أمني وتحقيق حالة الجذب لها من قبل الدول الغربية لدعم مشاريع أنقرة في إعادة إعمارها وجذب السوريين إليها وإعادة قسم منهم من تركيا إلى هذه المنطقة، كما أن تركيا تهدف إلى مزيد من الإبعاد لعناصر قسد الذين تتهمهم بالارتباط بتنظيم "بي كي كي" الإرهابي، ومنع وصولهم إلى الحدود التركية، حيث قتلت القوات الأمنية التركية قبل أيام، عنصرا إرهابيا تسلل من الحدود السورية من جهة ولاية ماردين، وكان يحمل داخل ثيابه متفجرات، وتسلله كان من هذه المناطق، وهذا ما يتوافق مع استراتيجية أنقرة فيما يتعلق بالقضاء على التنظيم الإرهابي وعناصره في تركيا والعراق وسوريا، وبالتالي ليس صحيحا في الوقت الحالي الحديث عن أهداف ومخططات أخرى، وربما مستقبلا مع تشكل الإدارة الأميركية الجديدة ووضوح سياستها، تعاد ملفات عين العرب ومنبج للطرح مجددا، وعندها يمكن الحديث عن حراك جديد حول تلك المنطقتين.

وفيما يخص إدلب، من الواضح أن الوضع سيبقى على حالته الراهنة في المنطقة، مع تواصل القوات التركية إعادة تموضعها في المنطقة وسحب النقاط التي باتت في مناطق يسيطر عليها النظام، وسحبها للمناطق الرخوة على حدود إدلب، وخاصة جبهة منطقة جبل الزاوية، وهو ما يخص أكثر إدلب ويرسم حدودها ويأتي كل ذلك ضمن إطار وتوافقات مع روسيا كان من المؤكد أن التطورات الدولية كان لها تأثيرها في رسمها وفرض أي جديد بالمنطقة وخاصة لجهة إعادة تموضع نقاط المراقبة التركية، وما نتج عنه من تحصين في جبهات أخرى، حيث كانت جبهة جبل الزاوية رخوة أكثر من بقية الجبهات، وكانت التحصينات التركية والتموضعات على جوانب الطريق الدولية إم4، ولكن حاليا هناك ما يشبه الرسم لحدود المنطقة، ومهما كان هذا التطور مطمئنا إلا أنه لا يعتبر دائما، حيث إن إدلب بحاجة لاتفاق نهائي بين روسيا وتركيا، ومن المؤسف أن روسيا تحاول تفعيل أي تطورات دولية أو إقليمية بإدلب، وتحقيق التوافقات مع الأطراف الدولية ومع تركيا من باب إدلب وتبادل للأوراق والمواقف والاتفاق عبرها.

وخلاصة الكلام التحركات التركية الحالية أمنية بالدرجة الأولى، تضغط عبرها على الأطراف المعنية لتنفيذ التوافقات، وفرض الأمن بمنطقة نبع السلام، ومنع وصول المقاتلين إليها وإلى تركيا، ولن يمنع أي توافقات بين قسد وروسيا وقوات النظام من تنفيذ مطالبها، وإن حصلت التوافقات في مناطق محددة فإن ذلك لن يشمل كل المناطق الأخرى، وهذه المطالب التركية ستنفذها عبر الزج بقوات الجيش الوطني لهذه المناطق، دون دخولها بشكل مباشر عبر قواتها المسلحة.