لصناعة الرأي.. توظيف الإمكانات من الفرد إلى المؤسسات

2022.07.31 | 06:24 دمشق

لصناعة الرأي.. توظيف الإمكانات من الفرد إلى المؤسسات
+A
حجم الخط
-A

كلنا شاهد وتعاطف وصفق للشاب السوري أحمد كنجو لتمكنه وحيدا رغم صغر سنه من مقارعة من لهم خبرة في الحياة وكبار السن الذين ناقشوه في معلومات مضللة عن السوريين، واستطاع أن يطلق صرخة "أنا إنسان" لتهز الرأي العام التركي، ويتمكن بذلك شاب وحده يبلغ من العمر 17 عاما فقط، بصناعة رأي عام لصالح السوريين في وقت هم بأمس الحاجة له، حيث يتم التصعيد ضد السوريين في تركيا تحت تأثير موجات الكراهية التي تسود الغرب، ومحاولة أطراف سياسية وإعلامية سواء في تركيا أو خارجها، لاستغلال أي حدث من أجل النيل من السوريين والإساءة لهم وتشويه صورتهم، عبر سلسلة من الأكاذيب المضللة التي تسرد بشكل ببغاوي دونما دليل راسخ، رغم الجهود المبذولة على الصعيد الرسمي التركي أو عن طريق المؤسسات السورية لدحض هذه المعلومات المضللة، ومن الواضح أن هذه الجهود لا تزال ناقصة وقاصرة عن تحقيق الهدف.

من المؤكد أن السوريين في كل مكان حلوا به بحاجة إلى صوت لهم يخاطب المجتمعات التي تستضيفهم، أي أن السوريين بحاجة لأن يكون لهم صوتهم القادر لأن ينقل همومهم وقضاياهم للرأي العام للمجتمعات المستضيفة، من أجل تحييد قضيتهم عن النقاشات السياسية الجارية في أي مجتمع يقيمون بها، وربما حاجتهم في تركيا أكبر من ذلك، لأنها أكبر دولة يوجدون بها، واللغة الرسمية في البلاد هي اللغة التركية، أي أنها ليست كما العراق والأردن ولبنان الدول التي تستضيف السوريين بكثرة بعد تركيا ويتحدث سكانها اللغة العربية ويدركون تفاصيل معاناة السوريين، وتمكن الشاب أحمد كنجو من خطاب المحاصرين له باللغة التركية السليمة، وهو ما قاد إلى تحقيق هدفه في إسماع صوته وصوت السوريين إلى الشارع التركي، وأدى ذلك إلى احتفاء واهتمام إعلامي به، وتفاعل رواد وسائل التواصل الاجتماعي معه وتعاطفوا معه ومع السوريين.

لعل الموضوع الأهم الذي طرح عدة مرات في هذا المقام ويجب تكراره دائما، هو الاستثمار في الإعلام التركي، عبر مخاطبة الرأي العام بلغة احترافية مميزة ذات مضامين تؤثر بالمجتمع التركي

ويقود هذا الأمر إلى أهمية وضرورة مخاطبة المجتمع المستضيف بالأدوات التي يجب أن يتم مخاطبتهم بها، ومن المؤكد أن اللغة هي أكثر أداة مهمة ومؤثرة في هذا الصدد، يؤدي توظيفها من خلال تعلمها إلى معرفة ثقافة المجتمع وطريقة تفكيره، وسنوات طويلة من إقامة كنجو في تركيا جعلته يتعرف كيف يخاطب المجتمع بهدوء وروية، وإذا ما رأينا أهمية هذه الأدوات في التأثير بالرأي العام، فلا بد لنا من طرح التساؤل المحق في ظل بقاء الجهود السابقة كما في حادثة كنجو كحالة فردية، وهو كيف يمكن توظيف الأمر ليصبح أكثر عمومية وشمولية وتعمل المؤسسات وفق هذا الإطار ذاته، حيث إنه من الضروري أن يتم الانتقال لتعميم هذه الحادثة ومأسستها لتكون فائدتها عامة ومؤثرة على المجتمع، ولها وقع مميز، وهذا ما يمكن أن يتم عبر عدة نقاط، ومن الضروري الإسراع في التحرك لأن كل يوم يمر من دون تحقيق خرق في المجتمع ينعكس سلبا في ظل توظيف أحزاب سياسية وشخصيات إعلامية للتضليل لتحقيق أغراض سياسية.

ولعل الموضوع الأهم الذي طرح عدة مرات في هذا المقام ويجب تكراره دائما، هو الاستثمار في الإعلام التركي، عبر مخاطبة الرأي العام بلغة احترافية مميزة ذات مضامين تؤثر بالمجتمع التركي، في خطاب يشابه ما قاله كنجو للمحيطين به، ولنا أن نتخيل كيف يمكن أن يكون الوقع والتأثير كبيرا في حال كانت هناك وسائل إعلام تقدم خطابا باللغة التركية بشكل احترافي وهادئ يدرك ثقافة المجتمع وطريقة تفكيره، ويعرف كيف يختار المساحات التي تحقق التأثير، كما أن الاستثمار في الإعلام التركي له دور في تحييد الملف السوري، وأن يكون صوت السوريين وصوت اللوبي السوري، وهو مهم من أجل الأجيال المقبلة، وكلها فوائد يمكن الحديث عنها لمجرد الاستثمار بالإعلام الناطق بالتركية، ولهذا وللمرة المليون يجب الحث بشكل دائم لأصحاب رؤوس الأموال والممولين وخاصة السوريين من أجل تخصيص جزء من استثماراتهم في الإعلام التركي والمجتمع لتحقيق التقدم به.

 

ويدخل ضمن الخطوة الأولى ضرورة تبني المؤسسات السورية المختلفة الإعلامية وغير الإعلامية المعارضة والمدنية، لمجموعة من النقاط الإعلامية التي هي على شكل مجموعة من النصائح التي يمكن للسوريين استخدامها واللجوء لها في أي مناقشة أو حوار أو لقاء يمكن أن يتعرضوا له في الشوارع أو الميادين العامة، أو في حال مصادفتهم لأي استفزاز، ويمكن نشر هذه النقاط بلغة تركية سليمة وواضحة ومقنعة، ونشرها عبر المعرفات والصفحات ووسائل التواصل الاجتماعي المختلفة ليتمكن السوريين من متابعتها والتحرك وفقها، أي أن تكون هذه النقاط تماما ما حركت كنجو وهو إدراكه المسبق لما يتم الحديث عنه ومعرفته بكيفية دحضها وامتلاكه الأداة لذلك وهي اللغة السليمة المؤثرة والحجة القوية.

ومن الطبيعي في ظل وجود وعمل كثير من المؤسسات السورية في تركيا من جمعيات وأوقاف واتحادات وروابط ومؤسسات معارضة وأحزاب سياسية وكتل وتيارات، الاهتمام بإصدار نشرات باللغات التركية تتضمن نشاطات السوريين وأخبارهم والتطورات السورية مع الخلفيات التاريخية والقصص المؤثرة وقصص النجاحات، والأخبار الفنية والثقافية والاجتماعية المتنوعة، ولا ضرر من تمويلها باستخدام وسوم متعددة خلال الأحداث اليومية التي تجري في تركيا ويتم الاهتمام بها من قبل رواد وسائل التواصل الاجتماعي، والقيام بحملات مشتركة منسقة تستهدف وسائل التواصل الاجتماعي، ويرافق ذلك عمل مجموعة من المؤثرات البصرية وصور ومرئيات مختلفة ضد الحملات التي تستهدف السوريين وتزييف الحقائق المتواصل.

ما مر به الشاب أحمد كنجو وطريقة تعاطيه مع الحدث هو الإطار الفردي للتعاطي مع الحالات التي تجري في الشارع التركي، ولتعميم هذه التجربة في الإطار العام، يتطلب التمكن من اللغة التركية، وكيفية التفكير بها

ولعل من أهم الخطوات أيضا تلاقي المؤسسات السورية مع نظيراتها التركية وإجراء ندوات وحوارات يدعى لها جمهور من الطرفين السوري والتركي ما يؤدي إلى تعزيز الحوار بين الطرفين وتبادل وجهات النظر وتعميم الخبرات ونقلها، والإجابة عن كل التساؤلات التي تثير الشارع والمجتمع وهذه اللقاءات تكون مؤثرة لأن لقاءات مكثفة من هذا الإطار ستؤدي إلى توسيع الرقعة التي يتم التعاطي معها وتوسع التأثير على الشرائح وتصل إلى النتيجة المطلوبة المأمولة، إضافة إلى تعزيز التعاون المشترك فيما يتعلق بأعمال فنية وثقافية وموسيقية ومسرحية وأي شيء مشترك يظهر إيجابية حالات التآخي والتاريخ والثقافة المشتركة، التي تحاول أطراف معينة تجاوزها وإلغاءها وإحداث شرخ في علاقة الشعبين.

وخلاصة الكلام فإن ما مر به الشاب أحمد كنجو وطريقة تعاطيه مع الحدث هو الإطار الفردي للتعاطي مع الحالات التي تجري في الشارع التركي، ولتعميم هذه التجربة في الإطار العام، يتطلب التمكن من اللغة التركية، وكيفية التفكير بها، وثقافة المجتمع، من أجل خطاب هذا المجتمع بشكل أعم وأوضح وأشمل، ويمكن لذلك أن يكون عبر الإعلام والنشرات وخطاب المجتمع وشن حملات على مواقع التواصل الاجتماعي، ومن المهم أن تلعب المؤسسات السورية بمختلف مسمياتها السياسية والاجتماعية والمدنية الإعلامية منها والإغاثية، دورا في هذا الإطار والصدد للاستفادة مما حصل والوصول إلى نتائج جيدة في وقت يهم السوريين أن يغلب فيه العقل السليم في المجتمعات المستضيفة وخاصة المجتمع التركي.