سوريا الخراب

2023.02.21 | 06:26 دمشق

دوما عقب غارة للنظام السوري وروسيا ـ رويترز
+A
حجم الخط
-A

أسفر الزلزال الذي ضرب تركيا وسوريا عن تدمير بضعة آلاف من المباني والمنازل في سوريا، سواء في مناطق سيطرة النظام أم المعارضة، وهو ما يحاول النظام استغلاله على نطاق واسع من أجل الحصول على مساعدات دولية، بدعوى إعادة إعمار المناطق المدمرة.

ولا يخفى أن النظام يجد في هذه الكارثة فرصة مواتية، لإعادة تعويم نفسه على الساحتين الإقليمية والدولية، بوصفه "السلطة الشرعية" المؤهلة لتلقي المساعدات الدولية، سواء العينية أم المالية، ليكون ذلك مدخله أيضا لتعويم نفسه سياسيا، بعد الضرر البالغ الذي شاب صورته خلال السنوات الماضية، وما آل إليه من عزلة وحصار وعقوبات، بات شغله الشاغل، كيفية الانعتاق منها، بأي شكل كان.

والواقع أنه من الصعب التصديق بأن النظام جاد في إعادة إعمار المناطق التي دمرها الزلزال، بالقياس إلى التجربة السابقة في إهمال المناطق التي دمرها هو نفسه خلال حربه على العديد من المدن السورية، خاصة في محيط دمشق ودرعا وحمص وحلب وشرقي سوريا.

وتشير عدة معطيات إلى أن هناك نحو نصف مليون منزل تعرض للتدمير، كليا أو جزئيا، في سوريا خلال سنوات الحرب منذ عام 2011 حتى الآن. ورغم استعادة قوات النظام السيطرة على معظم هذه المناطق منذ عدة سنوات، أحدثها في العام 2018، كما هو الحال في الغوطتين الشرقية والغربية وجنوبي دمشق ودرعا، فإن سلطات النظام، ليس فقط لم تقم بأي إعادة إعمار جدية لأي من هذه المناطق، بل منعت سكانها من العودة إليها، وتعرقل جهودهم لإعادة إعمار مناطقهم ولو على نفقتهم الخاصة.

ورغم الدعاية التي ينشرها النظام في أوساط الجهات الدولية المانحة بشأن توقه لإعادة إعمار المناطق المدمرة، لكن العقوبات، وضيق ذات اليد، يحول دون ذلك، فإن الوقائع على الأرض تشير إلى غير ذلك، وهو يحاجج أحيانا بأنه يريد بناء مدن جديدة، بدل المدن المدمرة، لأن معظمها كانت عشوائيات، ولا جدوى من إعادة بنائها، وطرح بالفعل بعض المشاريع في هذا السياق، مثل "مارونا سيتي"  و"باسيليا سيتي" هما منطقتان أعلن عنهما عام 2012 بمرسوم تشريعي صدر عن رأس النظام حمل الرقم 66، ونص على إحداث منطقتين تنظيميتين واقعتين ضمن المصور العام لمدينة دمشق، لتطوير مناطق المخالفات والسكن العشوائي. وفي حين تروج وسائل إعلام النظام لهذين المشروعين اللذين يبنيان على ممتلكات مصادرة لأهالي دمشق مقابل تعويضات بخسة، فإن أهالي المناطق المدمرة على بعد مئات الأمتار فقط، مثل مخيم اليرموك والحجر الأسود، يعانون من بطء شديد ومتعمد في إجراءات عودتهم إلى مناطقهم، بل إنه لم يتم رفع الأنقاض حتى الآن في معظم تلك المناطق والتي جرى تدميرها عمدا من جانب قوات النظام دون أي مبررات عسكرية، بهدف إفراغها من سكانها، بوصفها حاضنة للمعارضة، وقل مثل ذلك عن الغوطة الشرقية وداريا وحمص القديمة وغيرها.

وإضافة إلى محاولات التغيير الديمغرافي خاصة للمناطق المحيطة بدمشق ذات الكثافة السكانية العالية (نحو 3 مليون نسمة) والتي بات ينظر إليها النظام بعين الريبة لأنها كانت في المجمل حاضنة للمعارضة السلمية والمسلحة، ويريد معاقبة أهلها الذين هجر معظمهم بالفعل داخل سوريا وخارجها، فإن من غايات النظام أيضا إبقاء هذه المناطق في حالة تدمير بغية تسول المساعدات باسمها، كما ظل يفعل لعقود مع مدينة القنيطرة التي تدمرت في حرب 1973.

وبهذا المعنى، فإن النظام يتعامل مع هذه المناطق كورقة للمساومة مع الغرب والمجتمع الدولي، بشأن متطلبات إعادة الإعمار وإعادة اللاجئين، وهو يريد مساعدات مالية وشرعية سياسية، مقابل الموافقة على اتخاذ خطوات في هذا المجال، ناهيك عن إمكاناته المحدودة فعلا والتي لا تؤهله للانخراط في هذا الملف جديا، والذي هو ليس من بين أولوياته على أي حال، ويركنه جانبا، بانتظار الحل النهائي في سوريا، حيث يتطلع لأن تكون إعادة الإعمار "جزرة" تقدم للجهات الدولية الراغبة في المساهمة على هذا الصعيد، حيث الإمكانيات المالية للدول الحليفة للنظام تظل محدودة.

والحقيقة أن النظام الذي حول طوال عقود من حكم آل الأسد، سوريا إلى خراب، يتعامل مع هذه البلاد كلها كرهينة يساوم عليها الأطراف الدولية لإطالة مكوثه على كرسي السلطة، وهو غير معني بإعمار أي مناطق سواء دمرها الزلزال أم دمرها هو نفسه، إلا بمقدار ما يخدم ذلك قضية دوام حكمه، ولا يشذ عن ذلك حتى المناطق الموالية له في الساحل السوري، والتي طالما استخدم أبناءها كوقود لحربه على المناطق الثائرة ضد هذا الحكم الذي سيظل يعمق الخراب فيها، طالما بقي جاثما على صدور أبنائها.