"سماحة السيد" أنت تكذب

2021.01.04 | 00:01 دمشق

12015151866.jpg
+A
حجم الخط
-A

الأحد 27/12/2020م على مدى ما يقرب من أربع ساعات متواصلة، ظهر أمين عام حزب الله "حسن نصر الله" على شاشة قناة الميادين، في حوار طويل أجراه "غسان بن جدو" وسماه حوار العام.

عندما يبدأ بث الحوار، يُمكن للمشاهد أن يرى آيات قرآنية على الحائط، وصورتين واحدة لـ "قاسم سليماني" قائد الحرس الثوري الإيراني، الذي اغتالته أميركا قبل عام، والأخرى لـ "أبو مهدي المهندس"، نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي العراقي والرجل العسكري الأهم في هذه الهيئة، والذي اغتيل أيضاً في العملية نفسها التي قضى فيها سليماني.

ولأنه حوار العام كما تسميه قناة الميادين - بوق محور المقاومة المبتذل- فإنه من الطبيعي أن يكون الحوار مركزاً على بطولات وانتصارات هذا المحور، وأن يكون قاسم سليماني محور الحديث.

ولأن سوريا كانت جزءا مهما من "بطولات" هذا المحور، وكان قاسم سليماني يصول ويجول فيها كما يشاء، فكان من الضروري أن يتم الحديث عنها، لكن المفارقة في الحديث عن سوريا، أن الحديث تضمن حقائق مهمة يجب أن يعرفها السوريون جيداً، لكنه تضمن أيضا جملة أكاذيب، ولم يكن "حسن نصر الله" هذه المرة موارباً في تلفيقاته وكذبه، بل كان كذبه صفيقاً ووقحاً.

في الحقائق:

حقائق مهمة أوردها حسن نصر الله في حديثه عن سوريا، ورغم أنه أوردها لدعم الرواية التي تتبناها إيران وتوابعها حول سوريا، وبنى عليها استنتاجات تناقض حقيقة ما جرى، إلّا أن أي مراقب للحدث السوري، يعرف جيداً معناها ودلالتها، وخصوصاً بعد أن اتضح ما فعلته إيران في سوريا، وما ترتب على تدخلها في سوريا.

إن اندلاع المظاهرات في سوريا استنفر كل الدولة الإيرانية، عسكرياً وسياسياً وحتى ثقافياً، وتشكلت غرفة عمليات إيرانية لمتابعة ما يحدث في سوريا

أول هذه الحقائق، هي أن البدء بوضع خطة لملاقاة احتمال انفجار ثورة في سوريا، تم بمبادرة من إيران وحزب الله، وكان ذلك بعد تنحي حسني مبارك، إذ استشعر الإيرانيون خطراً قادماً باتجاه حليفهم في سوريا، فسارعوا لوضع خطة التصدي لهذا الخطر، يقول "حسن نصر الله" إنه في اليوم التالي لإعلان حسني مبارك تنحيه عن الحكم في مصر، أي في 12 شباط 2011م، التقى قاسم سليماني في الضاحية الجنوبية في بيروت، وفي ذلك اللقاء تحدث سليماني عن تخوفه من خطر قادم على النظام في سوريا، واتفقا على نقل تلك التخوفات إلى بشار الأسد، وقام حسن نصر الله بزيارة بشار الأسد، ووضعه بتخوفاته وتخوفات إيران، وتمنى عليه أن تبدأ القيادة والدولة والنظام بالتحضير لاستيعاب الحراك.

ثاني هذه الحقائق، إن اندلاع المظاهرات في سوريا استنفر كل الدولة الإيرانية، عسكرياً وسياسياً وحتى ثقافياً، وتشكلت غرفة عمليات إيرانية لمتابعة ما يحدث في سوريا، ضمت حتى المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، وهذا الاستنفار مرده لقناعة الإيرانيين أن الإطاحة بحليفهم، يعني ضربة قوية لمشروع إيران في المنطقة.

ثالث هذه الحقائق، هي اتخاذ القرار بالذهاب إلى خيار القضاء على الحراك في حال اندلاعه في سوريا، مهما يكن ثمن ذلك، فليس للشعب السوري أن يرى ما يخالف رؤية إيران، ولا مكان لخيار هذا الشعب.

في الأكاذيب:

يُمكن القول إن الحديث بكامله كان كاذباً، وحتى الحقائق التي أوردها لم يكن هدفها إعلان الحقيقة، بل كانت غايتها دعم الرواية الكاذبة التي سيرويها على أنها حقيقية، فيخبرنا أولاً عن الخطة التي اقترحها محور المقاومة، والتي ترتكز على فكرة "استيعاب الحراك الشعبي"، وتتوالى الأكاذيب بعدها حول قبول بشار بالحل السياسي مباشرة، وحول رفض المعارضة القبول بالحوار، لقناعة هذه المعارضة بأن بشار الأسد انتهى، ثم يحدثنا عن تفاصيل ما جرى في درعا، وأن من نقض الاتفاق الذي جرى خلال لقاء وفد درعا، هي المؤامرة الكونية التي تقف وراء الأحداث في سوريا.

في كل الوقائع يرتب حسن نصر الله تاريخها كما يشاء، ويحذف منها ما يريد، ففي درعا يتجاهل واقعة اقتحام "الجامع العمري" فجر 23 آذار 2011م، والتي كانت مفصلاً رئيسيا في ثورة أهل درعا كلّها، ولا يأتي على ذكر نقض عناصر مجهولين (تابعين لإيران)، للاتفاق الذي تعهّد به "هشام الاختيار" لأهالي درعا أثناء وجوده في درعا.

يتجاهل السيد حسن نصر الله مسلسل القتل المتعمد اليومي للسوريين، من قبل النظام منذ اليوم الأول للثورة السورية، ولا أدري كيف تنسجم "خطة استيعاب الحراك" مع القتل اليومي المتعمد لمتظاهرين سلميين "حسب اعتراف بشار الأسد بنفسه"، الذي راح يحصد السوريين ليس في المظاهرات فحسب، بل وأثناء تشييع من سقطوا فيها، ويتجاهل أيضاً أن الحوار الذي قام به موفد النظام "فاروق الشرع" مع وجوه ثقافية، وسياسية سورية معظمها مؤيد للنظام، وتمخض عن النقاط الثلاثة عشر، قام النظام برميها في سلة المهملات، وفرض بعدها الإقامة الجبرية على فاروق الشرع.

ثم تتوالى الأكاذيب حول دور قطر وتركيا والسعودية، حيث انخرطت هذه الدول منذ البداية في المؤامرة الكونية ضد بشار الأسد، متجاهلاً وبصفاقة عجيبة، الزيارات المتكررة لمسؤولين أتراك، وأهمهم وزير الخارجية آنذاك "أوغلو" من أجل مساعدة بشار الأسد على الخروج من الأزمة، ومتجاهلاً المساعدات السعودية لبشار الأسد ب 400 مليون دولار، بعد ثلاثة أشهر على انفجار الثورة السورية.

في كل حديثه حول ما قام به قاسم سليماني في سوريا، حاول حسن نصر الله طمس الحقيقة حول الدور الإيراني، وكيف تعمدت إيران تدمير المناطق الثائرة، وكيف لعبت على التركيبة الديموغرافية الطائفية، وكيف منعت عبر قاسم سليماني من الوصول إلى اتفاق حقيقي بين "خلية الأزمة " وبين المتظاهرين، وكيف نقضت كل التفاهمات التي حدثت في درعا ثم في حمص، وعندما رأى قاسم سليماني أن خلية الأزمة تلعب خارج الخطة الإيرانية، قام بتفجيرها، وقتل معظم أعضائها.

"سماحة السيد" من الذي نصح بشار الأسد بنقل تجربة "الباسيج الإيراني" إلى سوريا، وبدأ بتأسيس ميليشيا طائفية، وقام بتدريبها في إيران قبل اندلاع المظاهرات في سوريا؟

هل مجزرة كرم الزيتون، وساحة الساعة في حمص وبانياس والبيضا وغيرها، تنسجم مع سياسة "استيعاب الحراك الشعبي"، التي نصحتم بها تابعكم بشار الأسد؟

 ومن الذي طلب من بشار الأسد إقحام الجيش في قمع الشعب السوري بعد شهر واحد من اندلاع المظاهرات، والتي كانت لاتزال سلمية باعتراف بشار الأسد، وباعتراف فاروق الشرع أيضاً، ألم تكن أنت وقاسم سليماني؟

ومن الذي أدخل آلاف البنادق إلى بابا عمرو وحاصره ثم دمره، ألم يكن اللواء جميل الحسن؟

وهل مجزرة كرم الزيتون، وساحة الساعة في حمص وبانياس والبيضا وغيرها، تنسجم مع سياسة "استيعاب الحراك الشعبي"، التي نصحتم بها تابعكم بشار الأسد؟

"سماحة السيد" كن واثقاً، إن دم مئات آلاف السوريين سيلاحقك أنت وقاسم سليماني ومرشدكم الأعلى، ومعكم تابعكم الوضيع، وإن الأكاذيب التي تُطلقها بمنتهى البساطة، لم تعد تنطلي على أحد.